حقوقيون عرب للسفيرين الألماني والفرنسي في مصر: ما مساحات حقوق الإنسان المتبقية بيننا؟
أرسل مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في مصر، وعدد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان العرب الحاصلين على الجائزة الألمانية لحقوق الإنسان، رسالة شديدة اللهجة لسفيري فرنسا وألمانيا في مصر، تساءلوا فيها عن دعمهم غير المشروط لإسرائيل ضد الفلسطينيين، وعن "المساحة القليلة المتبقية" لحقوق الإنسان في محادثاتهم المقبلة.
وقال الحقوقيون في رسالتهم: "نحن، الموقعين أدناه الحاصلين/ات على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، نشعر بخيبة أمل عميقة إزاء مواقف وتصريحات الحكومتين الألمانية والفرنسية بشأن الهجوم الإسرائيلي على المدنيين في غزة. إن إراقة الدماء المستمرة، التي نشهدها ونوثقها كمدافعين/ات عن حقوق الإنسان وصحافيين/ات، هي مظهر صارخ من مظاهر تآكل حقوق الإنسان وسيادة القانون، التي احتفيتم بها ومنحتمونا جائزتكم مناصرة لها".
كما أن كل شيء عن هذه الحرب لم يسبق له مثيل، كذلك مواقفكم التي تجاهلت تماما ما يحدث للفلسطينيين، وجعلت 2.2 مليون شخصا في غزة، ببساطة، غير مرئيين
وتابع الحقوقيون: "ينطوي دورنا كمدافعين عن حقوق الإنسان على إخبار الحكومات بأن احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، أمر ضروري للحفاظ على الأرواح وتجنب المزيد من تصعيد النزاعات. إن إعطاء شيكات على بياض للحكومة الإسرائيلية في عملياتها العسكرية في غزة يفسر بأنه ضوء أخضر لها لارتكاب المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وربما الإبادة الجماعية للسكان الفلسطينيين في غزة".
وتابعوا في الرسالة: "نحن ندرك المواقف التاريخية المتجذرة المؤيدة لإسرائيل التي اتخذتها حكوماتكم مرارا وتكرارا. ولكن كما أن كل شيء عن هذه الحرب لم يسبق له مثيل، كذلك مواقفكم التي تجاهلت تماما ما يحدث للفلسطينيين، وجعلت 2.2 مليون شخص في غزة، ببساطة، غير مرئيين. نحن منزعجون، ولا يسعنا إلا أن نتخيل أنكم أيضا تؤمنون بأن هؤلاء البشر في غزة هم بشر أقل شأنا. بل ربما يمتد هذا الاعتقاد إلى جميع السكان العرب".
يجب استبدال دعمكم غير المشروط لإسرائيل في شن هذه الحرب بإجراءات سريعة مع حكومات أخرى من أجل وقف فوري لإطلاق النار
وأضاف الحقوقيون في رسالتهم: "لطالما قيل لنا أن حكوماتكم وتاريخكم قد ولّدت عالمية حقوق الإنسان. واليوم نتساءل، كيف يتناسب دعم استهداف وقتل المدنيين في غزة مع عالمية هذه الحقوق؟ هل تدمير البنية التحتية المدنية لمدينة من قبل قوة احتلال (إسرائيل محتلة لغزة والضفة الغربية وفقا للقانون الدولي) يتوافق مع حقوق الإنسان والقانون الإنساني؟ أليس السعي إلى تهجير مئات الآلاف قسرا من ديارهم جريمة ضد الإنسانية؟ أليس التغاضي عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة المحاصرين هو تغاض عن عقاب جماعي؟ وقبل أن تبدأ هذه الحرب برمتها، هل يتوافق الحصار المهين في غزة أو توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة (مرة أخرى وفقا للقانون الدولي) أو الحرمان الواضح للفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة، مع فهمكم لحقوق الإنسان؟ أم أن الفلسطينيين مستبعدون من الفئة البشرية تماما؟ هذه ليست أسئلة بلاغية".
وتابعوا: "في الواقع، إنها تعكس تاريخا يسمح لنا بإدراك أن العدوان الإسرائيلي الحالي لا يمكن اختزاله في الرد على هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. بل إن الحرب الحالية هي نتيجة إنكار منهجي لحقوق الإنسان تحت الاحتلال لعقود. لا يتطلب الأمر حتى الالتزام بحقوق الإنسان لفهم كيف بدأت هذه الحرب. هذا بالأحرى فهم تاريخي وسياسي".
وقال الحقوقيون: "دعونا نبتعد للحظة عن منطقتنا ونذهب إلى مدنكم، باريس وبرلين وغيرها. إن حظر المتظاهرين والاعتداء عليهم أثناء ممارستهم حقهم في التجمع السلمي والتظاهر تضامنا مع الفلسطينيين يقوضان انتصاركم غير المشروط لحرية التعبير، ويعطيان الأعذار للأنظمة القمعية لانتهاك الحقوق في الداخل. ربما في لحظة من العنف الشديد مثل هذه، لا تملك الحكومات الصبر للتفكير في حقوق الإنسان. ولكن، حتى لو كان موقفكم غير المتوازن متسقا مع مصالحكم السياسية، فإننا نتساءل عما إذا كنتم قد توقفتم للحظة للتفكير، ليس فقط في 2.2 مليون شخص في غزة (ناقص 5000 شخص قتلوا وقت إرسال هذه الرسالة، 62 في المائة منهم من النساء والأطفال)، أو 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، أو 6 ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في بقية أنحاء العالم، ولكن أيضا في 465 مليون شخص يعيشون في البلدان الناطقة بالعربية، وفي الجنوب العالمي".
"هؤلاء هم ملايين الأشخاص الذين أغضبهم بشدة دعمكم غير المشروط لحكومة إسرائيلية عازمة على ارتكاب أخطر انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ولا نعرف كم عدد جوائز حقوق الإنسان وسنوات الدبلوماسية التي يمكن أن تصحح هذا الموقف؟"، حسب الرسالة.
اختتم الحقوقيون رسالتهم: "يجب استبدال دعمكم غير المشروط لإسرائيل في شن هذه الحرب بإجراءات سريعة مع حكومات أخرى من أجل وقف فوري لإطلاق النار. وإلى أن يحدث هذا، نتساءل: ما هي المساحة القليلة المتبقية لحقوق الإنسان في محادثاتنا؟ وما هي العلاقات السياسية التي ترغبون في مواصلة نسجها مع النشطاء/الناشطات المؤيدين/ات للديمقراطية والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان والصحافيين/ات في منطقتنا من العالم؟ إننا نشعر بالغضب والحزن والتعب".