منذ أن حل فصل الشتاء البارد في الجزائر، تتوالى أخبار حوادث الوفيات الناتجة من تسرب الغاز والاختناق. وخلال الساعات الماضية أنقذت فرق الدفاع المدني 11 شخصاً في ثلاث مناطق من الموت بعدما استنشقوا الغاز.
وشهد يوم 10 يناير/ كانون الثاني الجاري حادث وفاة تسعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم أب يعمل في جهاز الأمن، بتسرب غاز أحادي أكسيد الكربون داخل منزل في ولاية المسيلة (وسط). ولم يكن هذا الخبر الوحيد الذي أحدث صدمة، ففي اليوم نفسه توفي 6 من أفراد عائلة واحدة أيضاً بولاية سطيف (شرق)، ما حتم دق ناقوس الخطر في شأن حوادث تسرب الغاز الذي يطلق عليه الجزائريون تسمية "القاتل الصامت".
والعام الماضي قتلت حوادث الغاز 105 أشخاص، فيما أنقذت فرق الإغاثة 3257 آخرين من موت محقق. وأطلق على هذه الحوادث تسمية "القاتل الصامت" كون الغازات المحترقة أو المتسربة تستنشق وتؤدي الى الاختناق ثم الإغماء والوفاة من دون أن تعطي مؤشرات لوجود مشكلة في التنفس، وكون هذه الغازات بلا لون ولا رائحة، وتتسبب أيضاً في حوادث تسمم معظمها ذات نتائج مفجعة. وترتبط هذه الحوادث غالباً بمشكلات في التوصيل أو نظام التركيب أو حال الأنابيب القديمة، أما السبب المباشر فهو عدم وجود تهوئة كافية للسماح بخروج ثاني أكسيد الكربون من داخل الشقق السكنية.
يؤكد المهندس محمد شريد لـ"العربي الجديد" أن "عدة مشكلات تتداخل في موضوع حوادث الغاز، فبعض المسؤولية تقع على عاتق المهندسين الذين يعملون بوسائل وأنابيب ليست بجودة عالية أو حتى مناسبة، ما يجعلها تفقد بعد فترة من تركيبها صلاحيتها، وتبدأ في تسريب الغاز. ويؤدي ذلك غالباً إلى حوادث مثل الانفجار الأخير الذي حصل في حي باب الواد بالعاصمة الجزائر، أو في الأنابيب التي تؤمن خروج الغازات المحترقة، والتي تتعرض لتلف أحياناً. كما تتحمل العائلات التي لا تتوخى تطبيق أدنى تدابير السلامة على صعيد إبقاء هامش للتهوئة، بعض مسؤوليات الحوادث، وترتكب بالتالي أخطاء عدم تقدير المخاطر".
ويومياً، تقدم هيئة الدفاع المدني عبر القنوات الإعلامية تعليمات للمواطنين بضرورة أخذ المزيد من الحيطة والحذر، واتباع النصائح الوقائية الإجبارية التي تقضي بعدم سد فتحات التهوئة لضمان استمرار حصولها داخل المنازل خصوصاً لدى استعمال أجهزة التدفئة، وفتح النوافذ لمدة 10 دقائق يومياً على الأقل، وتنفيذ صيانة دورية ودائمة لمختلف أجهزة التدفئة.
وتحدد تقارير حكومية أبرز أسباب ارتفاع حوادث تسربات الغاز بارتكاب أخطاء في تطبيق إجراءات الوقاية وانعدام التهوئة داخل المنازل بسبب التركيب السيئ للأجهزة من قبل المهندسين والمهنيين، أو بسبب استخدام أنابيب توصيل غير مطابقة للمعايير اللازمة، إضافة الى استخدام أجهزة قديمة مع إهمال صيانتها. وفي بعض الحوادث سُجل استخدام أجهزة مخصصة للطبخ لتدفئة منازل ومحلات، علماً أن بعض التجهيزات قد تكون مصدراً مؤكداً لانبعاث غاز أحادي أكسيد الكربون، باعتبارها مقلدة وغير مطابقة لمعايير السلامة.
ويؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر تحكمت في شكل جيد بمسألة حسن مطابقة التجهيزات للمعايير المعتمدة، ما منع تسويق وبيع تجهيزات مقلدة، لم يعد يمكن استيرادها، ما يعني أن هذا الموضوع أصبح من الماضي، والتحقيقات تربط أسباب الحوادث الأخيرة بسوء التركيب واستخدام مهنيين لا يتمتعون بكفاءات لتركيب قنوات غاز، أو بضعف صيانة التجهيزات أو قلة التهوئة، وأيضاً بمشكلات لدى عائلات لا تعي بضرورة إجراء صيانة دورية للتجهيزات التي تستخدم الغاز، وتهوئة المنازل".
وفيما تدق الحوادث المتتالية جرس الإنذار لدى السلطات الجزائرية التي تعتبر أن معدلات الوفيات بها غير طبيعي، وجهت وزارة الداخلية قبل أيام نداءً إلى المواطنين لمطالبتهم بأخذ الحذر من هذه الحوادث المميتة، واعتبرت في بيان أنه "من المؤسف تسجيل عدد كبير من حالات الاختناق بالغاز رغم الحملات التحسسية التي تنفذها السلطات بصفة دورية". ودعت العائلات إلى التحلي باليقظة لتفادي حوادث الاختناق الخطيرة التي تحصد مزيداً من الضحايا، والتزام تدابير الوقاية من خطر الاختناق بالغاز.
ورفعت وزارة الداخلية الملف الى مجلس الوزراء الذي انعقد الاثنين الماضي واتخذ حزمة تدابير بينها إلزام شركات البناء وإنجاز الأحياء السكنية تزويد المباني السكنية أنظمة تدفئة مركزية تجنب السكان استخدام المدافئ الخاصة، ومنع سكان الشقق السكنية من إحداث أي تغيير في تركيب وتوصيل نظام الغاز تحت طائل التعرض لعقوبات وتدابير أخرى. كما كلف شركة توزيع الكهرباء والغاز تزويد بيوت المواطنين مجاناً بأجهزة إنذار صوتية ومرئية ضد تسربات غاز أحادي أكسيد الكربون.