في غالبية بلدان العالم، تكون المراكز الطبية الخاصة مقصد مَن يتوفر لديهم المال الباحثين عن خدمات علاجية أفضل، لكن الشمال السوري حالة استثنائية، إذ لا يختلف حال المراكز الطبية الخاصة كثيراً عن أحوال المراكز العامة، أو تلك الممولة من منظمات، والتي تقدّم خدماتها بشكل مجاني.
تمتلك بعض المستشفيات الخاصة في الشمال السوري الأجهزة الطبية، لكنها تفتقر إلى الكوادر، وخاصة الممرضين والفنيين، رغم أن بعض هؤلاء يقصدونها للتدريب عقب إنهاء دراستهم، لكن الغالبية يفضلون المراكز الطبية العامة.
يقول المنسق الطبي في إدلب، عبيدة دندوش، لـ"العربي الجديد": "تضم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة 23 مستشفى خاصاً، لكنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث إقبال المرضى، والخدمات المقدمة، كما أن الممرضين والفنيين لا يفضلون العمل فيها لأسباب تتعلق بالأجور، فالممرض صاحب الخبرة يتوجه نحو المستشفيات المدعومة من قبل الحكومات أو المنظمات، وهناك نوع آخر من الممرضين الذين يقصدونها للعمل، وبعضهم يمتلك الخبرة لكنهم من غير المختصين". لا ينكر دندوش أن "المستشفيات الخاصة تضم في الغالب كوادر طبية من الأطباء المهرة، ويرجع ذلك إلى أن كثيراً من الأطباء الذين يعملون في المستشفيات العامة يقسمون دوامهم بينها وبين المستشفى الخاص الذي يوفر له دخلاً مادياً إضافياً، وهذا أمر مفهوم في ظل التردي المعيشي الذي تشهده المنطقة".
ويقول خالد العويد، وهو أحد النازحين المقيمين في مخيم "سنجار كهربا" الواقع قرب مدينة سرمدا، لـ"العربي الجديد": "نادراً ما نقصد المستشفيات الخاصة للعلاج بسبب ارتفاع تكلفة العلاج فيها، كما أن المستشفيات العامة تؤمن معظم الخدمات، لكننا قد نلجأ إليها في بعض الأحيان، وخاصة لإجراء التصوير أو الرنين المغناطيسي، والذي يطول فيه الدور في المستشفيات العامة". ويشير العويد إلى أن "هناك تخصصات نادرة موجودة في المستشفيات الخاصة، كاختصاصات القلب، لكني أرسلت والدتي إلى تركيا لإجراء جراحة في الشرايين قبل أشهر، ولم أقصد المستشفيات الخاصة لأن التكلفة التي طلبوها تجاوزت ألفي دولار، كما أن الخدمات الطبية في تركيا أفضل".
تواصلت "العربي الجديد"، مع مديريتي الصحة في إدلب وحلب التابعتين للمعارضة، من أجل الوقوف على واقع المستشفيات الخاصة، وآليات ترخيصها والإشراف على عملها، فنفى مسؤول الإعلام في مديرية صحة إدلب، عماد زهران، لـ"العربي الجديد"، أي علاقة للمديرية بالمستشفيات الخاصة، وأشار إلى أن الجهة المسؤولة عنها هي وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة.
بدوره، قال مسؤول في مديرية صحة حلب لـ"العربي الجديد"، إن مستشفيات حلب الخاصة تشرف عليها إدارة تركية، ولا علاقة لمديرية الصحة بها. ويقول المسؤول الإداري في مستشفى ظلال الخاص في مدينة الدانا بريف إدلب، عبد الله عبد الرزاق، لـ"العربي الجديد"، إن "عمل المستشفيات الخاصة مكمل للمستشفيات العامة، ولكن لا يمكن مقارنتها بالمستشفيات التي تشرف عليها المنظمات أو الحكومات، فالمستشفيات الخاصة تحصل على الترخيص من وزارة الصحة التابعة للمعارضة، وتحصل مقابل هذا الترخيص على تسهيلات محدودة، من بينها الحصول على الدواء، وتقديم الخدمات". ويشير عبد الرزاق إلى أنّ "هناك شكاوى متكررة من خدمات المستشفيات الخاصة، ومن المبالغ الكبيرة التي تتقاضاها، لكن قضية الرضا لا يمكن حسمها، فهذا أمر قائم في كل مستشفيات العالم، الحكومية والخاصة، وبعض المستشفيات الخاصة في الشمال السوري تمتلك أجهزة حديثة ومتطورة تفوق الأجهزة الموجودة في المستشفيات العامة، وهذا أيضاً يجعل وجودها أمراً لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن تجاهل أن الربح أحد أهداف تشغيل مستشفى خاص".
يقيم فيصل العلي في مدينة عفرين، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الربح وحده هو الغاية من إنشاء المستشفيات الخاصة، ويتوجه بعض المستثمرين إلى المشاريع الطبية لأنها تدرّ الكثير من الأرباح، لذا لا أثق بالعلاج فيها إلا إن كنت مضطراً، فرغم تكلفة العلاج المبالغ فيها، لكنّ الخدمات المقدمة تظل دون المأمول، وهذا يرجع إلى الواقع المتردي في المنطقة بشكل عام، فضلاً عن هجرة كثير من الأطباء المهرة".
ويعود تراجع الخدمات الطبية في الشمال السوري إلى طول سنوات الحرب، والقصف الجوي والصاروخي المتكرر على المرافق الطبية، وأحصت منظمة الصحة العالمية 337 هجوماً على مرافق طبية في مناطق شمال غربي سورية في الفترة بين عامي 2016 و2019، وقالت في مارس/آذار 2020، إن نصف المنشآت الطبية البالغ عددها 550 منشأة في المنطقة أصبحت خارج الخدمة.
وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في تقرير أخير، إنه يوجد أكثر من 1223 مخيماً من أصل 1489، لا تضم أي نقطة طبية أو مستشفى، ويقتصر تقديم الخدمات الطبية فيها على عيادات متنقلة ضمن فترات متقطعة.