ناقشت العديد من الدراسات المتخصصة تأثيرات جودة النوم في الصحة الجسدية، والنفسية، لكنها لا تتطرق عادة إلى انعكاسات قلة النوم، أو النوم غير الجيد على "السلوك الأخلاقي".
وخلصت نتائج دراسة حديثة لقياس تأثيرات قلة النوم في البشر إلى أن الناس الذين ينامون ساعات قليلة يصبحون غير قادرين على مساعدة الآخرين، ولا يتعلق ذلك بمساعدة الناس عامةً، بل يمتد إلى مساعدة أفراد العائلة، أو الأصدقاء، حسب ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
ووفق الدراسة، فإن الأشخاص الذين ناموا لمدة 8 ساعات كانت لديهم نتائج إيجابية في اختبارات السلوك، وخاصة سلوك المساعدة، بينما الأشخاص الذين لم يحصلوا على قسط جيد من النوم، انخفض لديهم الشعور بالمساعدة، وأبدى 78 في المائة منهم رغبة أقل في مساعدة الآخرين، كذلك أظهرت عمليات المسح أن مناطق الدماغ المرتبطة بالإدراك الاجتماعي، الذي يعني التفكير في أشخاص آخرين، كانت أقل نشاطاً عند الحرمان من النوم.
وأخضع العلماء 136 شخصاً بالغاً لتجربة ثانية استمرت أربعة أيام، وبعدها أعادوا طرح الأسئلة المتعلقة بمساعدة الآخرين، وتبين مجدداً أن الأشخاص الذين لم يناموا جيداً لا يرغبون في المساعدة.
وجاءت الدراسة بعد ملاحظات سلوكية رُصدَت في بعض الولايات الأميركية، حيث كانت تنخفض نسب التبرع للفقراء في أوقات معينة، من بينها فترات تغيير الطقس التي تؤثر بجودة النوم، وتحديداً في فصل الصيف الذي يشهد عادة اضطرابات في النوم لدى سكان عدة مناطق.
وبعد مراجعة قاعدة بيانات تضم نحو 3 ملايين شخص، بين عامي 2001 و2016، أظهرت النتائج انخفاض نسبة التبرعات بنحو 10 في المائة خلال فترات تغير الطقس الذي ينعكس على النوم.
وتفتح نتائج الدراسة المجال للبحث في إمكانية إجراء تغييرات على سلوك الأفراد، فمن خلال تحسين نوعية النوم يمكن جعل الأفراد أكثر انخراطاً في الأعمال الاجتماعية، أو تقويم سلوكهم الأخلاقي عبر زيادة عدد ساعات النوم لتلافي تأثيراته السلبية في السلوك بشكل عام.
وحاول باحثون في علم السلوك رصد تأثيرات قلة النوم في الأخلاق والقيم الاجتماعية عبر دراسات سابقة. في عام 2018، نشرت جامعة كاليفورنيا الأميركية نتائج دراسة وجدت فيها أن قلة النوم تؤدي إلى الشعور بالرفض الاجتماعي، وهو ما يؤدي بدوره إلى انعزال الأفراد الذين لا ينامون جيداً.
ووجد باحثو جامعة كاليفورنيا أن التأثيرات السلبية تلك تصل إلى الأشخاص الذين ينامون جيداً أيضاً، إذ إن الأشخاص محرومي النوم يكونون أقل ميلاً للانخراط مع الآخرين، والأشخاص الذين يتمتعون بنوم مريح يشعرون بنوع من الوحدة بعد لقاء قصير مع شخص يعاني حرمان النوم، ما يؤدي إلى انتشار ما يعرف بالعدوى الفيروسية للعزلة الاجتماعية.
وتبين أيضاً أن قلة النوم لها تأثيرات بالقرارات التي يتخذها الأفراد، خاصة إن كانت لها صلة مباشرة بالمساعدة. وأظهرت دراسة نشرت في موقع "الأكاديمية الأميركية لطب النوم" في فترة سابقة، أن النوم السيئ يؤثر بقدرة الأفراد على اتخاذ القرارات، إذ إن حرمان النوم يضعف القدرة على دمج العاطفة والإدراك لتوجيه الأحكام الأخلاقية.
وركزت الدراسة التي أجريت في معهد "والتر ريد" للأبحاث العسكرية على 26 من البالغين الأصحاء، على كيفية تأثير قلة النوم بالمعايير الأخلاقية واتخاذ القرارات في العمل، وتبين أن قلة النوم لها تأثير ضار بشكل خاص بعمليات الحكم واتخاذ القرار التي تعتمد كثيراً على تكامل العاطفة مع الإدراك، وأن قلة النوم لا تؤدي إلى تدهور الأخلاق بشكل عام، وليست لها تأثيرات بجودة المعتقدات الأخلاقية مباشرةً، لكن لها تأثيرات في الاستجابة، وفي قدر التساهل عند اتخاذ القرارات.