وجدت دراسة استقصائية جديدة، أجريت في المملكة المتحدة، أنّ التلوث الضوئي قد يساهم في حدوث انخفاض "مقلق" في أعداد الحشرات، الأمر الذي له انعكاس واضح على البيئة.
وبحسب دراسة بريطانية نُشرت في مجلة science Advances، وجد الباحثون أنّ أضواء الشوارع الاصطناعية تعطّل سلوك "العثّ الليلي"، - وهي مجموعة كبيرة من الحشرات القريبة من الفراشات - ما يقلّل أعدادها إلى النصف.
ويبدو أنّ مصابيح الشوارع LED الحديثة لها التأثير الأكبر على حياة هذه المخلوقات، فهناك أدلة متزايدة على تقلّص أعداد الحشرات، لأسباب عديدة، منها التغيّر المناخي، الخسارة المستمرة للغابات والأراضي الصحراوية والمروج والمستنقعات، والإفراط في استخدام مبيدات الآفات.
وقد تمّت إضافة سبب آخر إلى القائمة أعلاه، مرتبطة باستخدام الأضواء الاصطناعية في الليل، كمحرّك آخر لتراجع عدد الحشرات، على الرغم من أنّ المقياس لا يزال غير واضح.
يقول الباحثون في دراستهم "إنّ التلوث الضوئي يمكن أن يكون له تأثيرات ضارة على مجموعات الحشرات المحلية، مع عواقب على الطيور والحياة البرية الأخرى التي تعتمد على اليرقات في الغذاء".
ووفق الباحث الرئيسي دوغلاس بويز، من مؤسسة Butterfly Conservation الخيرية، "بات من الواضح أنّ التلوث الضوئي عنصر آخر يضاف إلى الكثير من العناصر المؤثرة في حياة الحشرات".
ويقول، بحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية: "إذا كانت الحشرات في مأزق، كما نعتقد، فربما ينبغي علينا بذل كل ما في وسعنا للحدّ من هذه التأثيرات السلبية".
نسب مخيفة
هذه الدراسة هي الأولى التي تدرس تأثير مصابيح LED في بيئة حقيقية والأولى التي أظهرت التأثير المباشر للتلوّث الضوئي على اليرقات، وقد اعتمد الخبراء من جامعة نيوكاسل ومركز المملكة المتحدة للبيئة والهيدرولوجيا، على مساحات واسعة من الأراضي العشبية وعلى جوانب الطرق في جنوب إنكلترا.
تمّت مقارنة المواقع من بين 26 موقعاً بها مصابيح شوارع، في كل من منطقة "أوكسفوردشاير" و"بيركشاير" و"باكينجهامشير". أظهرت الدراسات الاستقصائية انخفاضاً في عدد اليرقات بنحو النصف في المناطق المضاءة (انخفاض بنسبة 47 في المائة من الحشرات التي تعيش على السياج، و33 في المائة في هوامش العشب).
في تجربة ثانية، تمّ تركيب أجهزة الإنارة في الحقول. وجد الخبراء انخفاضاً في اليرقات تحت أضواء LED، ما قد يشير إلى تأثير ذلك على سلوك التغذية.
يعتقد الباحثون أنّ أضواء الشوارع قد تمنع حشرات "العث الليلي" من وضع بيضها أو تعرّضها لخطر رصدها واستهلاكها من قبل الحيوانات المفترسة مثل الخفافيش. بدورها، فإنّ اليرقات التي تولد تحت أضواء الشوارع، وخاصة مصابيح LED، تغيّر عاداتها الغذائية.
ويرى الباحثون أنّ هناك حلولاً عملية يمكن اللجوء إليها، لا تضرّ بالسلامة العامة، بما في ذلك تعتيم إنارة الشوارع في الساعات الأولى، أو تركيب مستشعرات الحركة أو استخدام مرشحات الألوان لاستبعاد الموجات الأكثر ضرراً.
من جهته، يرى البروفيسور دارين إيفانز، من جامعة نيوكاسل، والذي كان جزءاً من الدراسة، أن "التلوث الضوئي هو أحد الأسباب القليلة لفقدان التنوع البيولوجي". ويقول، بحسب ما جاء في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "نحن بحاجة إلى توازن بين حماية كلّ من السلامة العامة والحياة البرية، من خلال ضمان تصميم الإضاءة جيداً".
ويؤكد مات شاردلو، من منظمة Buglife الخيرية لمكافحة الحشرات، أنّ هذه الدراسة توضح التأثير الهائل الذي يحدثه التلوث الضوئي على الحشرات، ما يساهم في الانخفاض الرهيب في وفرة الحشرات التي لاحظناها جميعاً في الفترة الماضية". وكانت إحدى المراجعات العلمية لأعداد الحشرات في عام 2019، قد وجدت أنّ 40 في المائة من الحشرات تمرّ "بمعدلات انخفاض كبيرة" حول العالم.
وقالت الدراسة حينها "إنّ النحل والنمل والخنافس كانت تختفي أسرع بثماني مرات من الثدييات أو الطيور أو الزواحف، بينما من المحتمل أن تزدهر الأنواع الأخرى، مثل الذباب المنزلي والصراصير".
توفّر الحشرات مصدر غذاء للعديد من الطيور والبرمائيات والخفافيش والزواحف، بينما تعتمد النباتات على الحشرات في التلقيح.