قبل نحو عام، حقق فريق "غزة باركور" حلمه وأنشأ أكاديمية "وول رانرز" الخاصة برياضة الباركور مع الحرص على تجهيزها بكل ما هو آمن، وخصوصاً أن هذه الرياضة تحظى بأهمية لدى الشباب في قطاع غزة. وهذه الرياضة عبارة عن مجموعة من حركات الوثب يكون الغرض منها الانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، وذلك باستخدام القدرات البدنية. ويعتبرها كثيرون في غزة رياضة الحرية، ويقبل عليها الأطفال متأثرين بالعروض التي يشاهدونها على شواطئ البحر وبعض المتنزهات. وأدرجت العديد من المؤسسات المحلية هذه الرياضة ضمن برامجها كونها تساعد الأطفال على التفريغ النفسي.
اهتم عبد القصاب (24 عاماً) الذي تخرج بتخصص الأدب الإنكليزي من جامعة الأقصى قبل أكثر من عام برياضة الباركور والتي اعتاد ممارستها مذ كان طفلاً عام 2005، وبات مدرباً مع فريق "غزة باركور"، وهو أول فريق يمارس رياضة الباركور في فلسطين وقطاع غزة. وأسس الفريق اللاعبان عبد الله انشاصي ومحمد الجخبير اللذان أصبحا مدربين قبل أن يهاجرا إلى إيطاليا والسويد، وسبق أن قدما عشرات العروض مع مؤسسات محلية ودولية في مختلف مناطق قطاع غزة، ودربا العشرات.
وحصل القصاب على العديد من الدعوات للمشاركة في عروض في دول أوروبية. لكنه لم يتمكن من المشاركة بسبب إغلاق معبر رفح في ذلك الوقت وعدم السماح للغزيين بالخروج عبر معبر إيرز الذي يسيطر عليه الاحتلال الاسرائيلي شمال القطاع. يضاف إلى ما سبق الضغوط الاجتماعية إذ ينظر كثيرون إلى هذه الرياضة كلعبة شوارع يقبل عليها المنحرفون.
وكان الشباب يقفزون على جدران مستشفيات جنوب القطاع لعدم وجود أماكن مناسبة للتدرب، وكانوا يُلاحقون من قبل الشرطة. وفي أحيان كثيرة، كانوا يتدربون داخل المقابر إلى أن باتت هذه الرياضة مقبولة في المجتمع وتجذب الكثيرين عدا عن أهميتها في التفريغ النفسي.
ويقول قصاب لـ "العربي الجديد": "كان فريقنا يضم 20 شخصاً وقد بقي أربعة منهم فقط، بعدما هاجر البقية إلى العديد من الدول الأوروبية. لكن بقيت فكرة إنشاء أكاديمية لدى أحد أعضاء الفريق الموجود في السويد ويدعى أحمد مطر، فأسس الأكاديمية مع لاعب سويدي، ولقيت دعماً وتطوع فيها عدد من المدربين".
انضم إلى الأكاديمية التي تتخذ من نادي خدمات الشاطئ في مخيم الشاطئ مقراً لها أكثر من ثلاثين متدرباً مقسمين على ثلاث فئات؛ الأولى من 6 إلى 10 أعوام، والثانية من 10 إلى 15 عاماً، والثالثة من 15 وحتى 25 عاماً. وتضم الأكاديمية صناديق خشبية بمختلف الأحجام للقفز عليها بشكل آمن بالإضافة إلى أدوات رياضية أخرى.
انضم جهاد أبو سلطان (32 عاماً)، وهو مدرب باركور في الأكاديمية، إلى الفريق منذ عام 2005. ولا يخفي أنه تعرض إلى إصابات عدة نتيجة سقوطه خلال التدريب. ومع الوقت، بات قادراً على تفادي الإصابات، وصار يدرب الأطفال والشباب على ممارسة هذه الرياضة بأمان. ويقول لـ "العربي الجديد": "للأسف، فإن الكثير من لاعبي الباركور الأوائل هاجروا إلى خارج قطاع غزة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والمستقبل غير المضمون. أما نحن الذين بقينا فقد حرصنا على نشر هذه الثقافة الرياضية". ويشير إلى أن بعض الشباب تعرضوا لإصابات خطرة تسببت لهم بإعاقات نتيجة عدم توفر أماكن تضمن لهم السلامة. وهنا تكمن أهمية الأكاديمية التي وفرت للراغبين في تعلم هذه الرياضة وسائل السلامة. لكننا لم نتمكن بعد من شراء آلة الترامبولين التي تساعد على القفز".
ويسعى مؤسسو الأكاديمية إلى تطويرها مستقبلاً وإنشاء فروع في مختلف المناطق وتحديداً في المخيمات الثمانية المكتظة بالسكان والتي لا يجد الأطفال فيها مساحات للعب والترفيه عن أنفسهم، علماً أن هذه الرياضة تساعد في رفع المعنويات والتفريغ النفسي.
ويقول المتدرب أحمد الحناوي (8 سنوات) المقيم في مخيم الشاطئ، إنه أصبح أكثر جرأة على القفز ولم يعد يهاب المرتفعات. ولحق مع أربعة من أصدقائه وجيرانه لكثرة ما كان يخبرهم عن هذه الرياضة. ويذكر أن والده كان قد عارض الأمر في البداية خوفاً عليه، إلا أنه عاد ووافق بعد إلحاحه. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد": "خلال التدريب، أشعر أنني أطير. كما ألجأ إلى قناة يوتيوب لتعلم حركات جديدة والتدرب عليها. لكن ما من أماكن واسعة تتيح لنا التدرب في المخيم، فأقفز على الأثاث داخل المنزل. أتمنى أن تتيح لنا المدرسة التدرب عليها وإقامة العروض في وقت لاحق".