أجرى السوداني المقيم في قطر، رامي داوود، في مايو/ أيار الماضي، عملية زراعة كلية في مستشفى حمد العام، بعد أن تبرع له شقيقه بكليته، وتكللت الجراحة بالنجاح.
يقول داوود لـ"العربي الجديد": "اكتشفت إصابتي بالفشل الكلوي في عام 2019، وكنت وقتها أقيم في السعودية، لكن تاريخ المرض يسبق ذلك، ففي عام 2016، ارتفع ضغط الدم لدي، فراجعت الطبيب الذي منحني علاجا يضبط الضغط، لكن المشكلة أنه لم يطلب مني تحاليل أو فحوصا حتى 2019، عندها توجهت إلى طبيب آخر، فأجرى لي فحوصاً وتحاليل شاملة، ليكتشف أن نسبة الكرياتينين في الدم مرتفعة، وكانت 2.8 ملغرام، بينما النسبة الطبيعية تتراوح بين 0.84 إلى 1.21 ملغرام".
يضيف: "أمام هذا الارتفاع الكبير نقلت إلى المستشفى، وهناك أجريت فحوصاً، لتظهر النتيجة أن الكلى تعمل بنسبة 30 في المائة، ونسبة الضرر60 في المائة، وبعد أخذ الخزعة، تم تشخيص المرض كإصابة كلى مزمنة، ما يعني تدهور عمل الكلى حتى توقفها عن العمل تماماً. واظبت على العلاج لأكثر من سنة، وخلال ديسمبر/ كانون الأول 2019، حظيت بفرصة عمل في قطر، وانتقلت إلى الدوحة، وفي العام التالي حلت جائحة كورونا، ووضعت قيوداً على كل شيء، العلاج والتنقل وغيرها، وفي نهاية 2020، راجعت المركز الصحي الحكومي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، بهدف تجديد الأدوية الشهرية، وبعد أن درس طبيب المركز التحاليل والفحوص، طلب تحويلي إلى مستشفى حمد العام للمتابعة".
يقول داوود: "في مستشفى حمد، اجتمع معي طاقم يضم ستة أطباء، وكانوا قد درسوا ملفي الصحي، وراجعوا التقرير الطبي الخاص بالخزعة التي أجريتها في السعودية، وأخبروني عندها أنه إذا كان لدي متبرع من أقاربي فإنه يمكنهم إجراء جراحة زراعة لي، لكن يجب تزويدهم بالفحوص والتحاليل اللازمة بالمتبرع أولاً، وأبدى شقيقي وشقيقتي استعدادهما للتبرع، وبعد فحص التحاليل، وقع الاختيار على شقيقي".
ويواصل: "في هذا الوقت كنت أقبع في مستشفى حمد العام لتلقى العلاج، لكن الكلى تدهورت بشكل متسارع، وباتت تعمل بنسبة 5 في المائة فقط، فبدأت مرحلة غسل الكلى البريتوني لمرتين يومياً، وفي ذات الوقت كان أخي يجري الفحوص المطلوبة، وهي كثيرة نوعاً ما، وبعدها قام الأطباء بتحديد موعد عملية الزراعة في يوم 29 مايو الماضي، ثم أرسلت المستشفى تأشيرة سفر (فيزا) لأخي المقيم في السودان، ولمرافق له، وكانت والدتي، وحضرا في الموعد المحدد، وأسكنوهما في شقة سكنية خاصة، ووفر لهما المركز تذاكر طيران، وكانت الإقامة على حساب الحكومة القطرية، كما كانت عملية نقل وزراعة الكلية، والعلاج اللاحق مجانية بالكامل".
يتابع: "بعد العملية مكثت في المستشفى لمدة أسبوع، ومكث أخي المتبرع لثلاثة أيام، وبعدها غادرت إلى المنزل، وتواصل إجراء المراجعات الطبية في المنزل لي ولشقيقي للاطمئنان على حالتنا الصحية، وقد غادر أخي إلى السودان في حالة صحية جيدة برفقة الوالدة، أما أنا فعدت إلى عملي، وحالياً أواصل حياتي الطبيعية، وأشكر الطاقم الطبي، والحكومة القطرية التي منحتني فرصة ثانية للحياة من دون أن أتحمل أية تكاليف، فعملية الزراعة بالكامل كانت مجانية، حتى علاجات ما بعد العملية تكفلوا بها".
الانطلاق
وأجرى "مركز قطر لزراعة الأعضاء" منذ تأسيسه حتى سبتمبر/ أيلول 2022، أكثر من 300 عملية زراعة، وقد بدأ بزراعة الكلى، ثم توسع إلى زراعة الكبد، ثم الرئة، ومن المتوقع أن يبدأ إجراء عمليات زراعة القلب خلال العام المقبل.
يقول استشاري أمراض الكلى بمؤسسة حمد الطبية، محمد القاضي، لـ"العربي الجديد"، إن "أول جراحة لزراعة كلية من متبرع حي أجريت مع انطلاق البرنامج في عام 1986، وفي عام 1999 أجريت أول عملية زراعة كلية من متبرع متوفى،
والمركز مخصص لزراعة الأعضاء المتعددة، كما صمم لتوفير الرعاية الصحية والدعم المعنوي والاجتماعي لمتلقي الأعضاء المزروعة، وللمتبرعين وأسرهم".
وأضاف القاضي: "أجريت أول عملية لزراعة الكبد في عام 2011، وفي العام التالي، تأسس مركز قطر للتبرع بالأعضاء (هبة)، وأجريت أول زراعة كلية لطفل، وفي عام 2019 أجريت أول عملية زراعة كلية من متبرع بفصيلة دم مختلفة عن المريض، كما أجريت أول عملية لزراعة رئة في يونيو/ حزيران 2021. حتى سبتمبر/ أيلول، قمنا بإجراء ما يزيد على 250 عملية لزراعة الكلى، و50 عملية لزراعة الكبد، و3 عمليات لزراعة الرئة، ونسبة نجاح عمليات الزراعة تصل إلى 100 في المائة، ويوجد على قوائم الانتظار قرابة 80 مريضاً لزراعة الكلى، و8 مرضى لزراعة الكبد، و4 مرضى لزراعة الرئة".
تجاوب من المجتمع
ويوضح أن "برنامج زراعة الأعضاء يهدف إلى تشجيع المواطنين والمقيمين على التبرع بالأعضاء، وذلك للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، بحيث يتساوى عدد المتبرعين مع عدد المرضى على قوائم الانتظار، وهناك تجاوب من المجتمع مع برنامج زراعة الأعضاء، وفي السنوات الأخيرة لمسنا تجاوباً من المرضى بمختلف جنسياتهم مع القيام بعمليات الزراعة في قطر، إذ تضاعف عدد عمليات زراعة الكلى خلال سنتين، ليبلغ 40 عملية زراعة في عام 2021 وحده".
وحول الخطط المستقبلية، يبيّن القاضي أن "المخطط هو زيادة عدد عمليات زراعة الكلى إلى 50 سنوياً، وذلك لتقليل المدة على قوائم الانتظار، والبدء بعمليات زراعة للمرضى الذين لديهم أجسام مضادة لأنسجة المتبرعين، وذلك عن طريق اتباع خطط علاجية مكثفة قبل الزراعة للتخلص من الأجسام المضادة، وتقليل مخاطر رفض الكلية المزروعة، وتدشين برنامج تبادل للمتبرعين في حال وجود تعارض شديد للأنسجة مع أقاربهم المرضى، إضافة إلى زيادة عدد ندوات التوعية لمرضى الكلى وذويهم بهدف التشجيع على التبرع، إذ يمكن للأقارب من الدرجة الرابعة التبرع بالأعضاء".
شروط الزراعة
وثمة شروط لزراعة الأعضاء يشرحها الطبيب، فمن شروط زراعة الكلى أن يستطيع المريض القيام بواجباته اليومية، وألا يكون قد تجاوز الـ75 من عمره، وألا يعاني من السمنة المفرطة، أو مصاباً بالسرطان، أو بفشل عضلة القلب، وأن يكون مستعدا للالتزام بالعلاج المناعي في أوقاته المحددة بعد الزراعة، لأن عدم الالتزام بالعلاج المناعي يؤدي في أغلب الأحيان إلى رفض الجسم الكلية المزروعة.
وتنطوي رؤية مركز قطر لزراعة الأعضاء على أن يصبح مركزاً إقليمياً متميزاً في زراعة الأعضاء المتعددة؛ ليجسد رؤية مؤسسة حمد الطبية في تقديم أعلى معايير الرعاية للمريض، وأعلى معايير البحوث العلمية.
وأصدرت قطر في عام 1997، قانوناً بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، والذي يمنع بيع أعضاء الجسم أو شراءها بأية وسيلة كانت، أو تقاضي أي مقابل مادي عنها، كما يحظر على الأطباء إجراء عملية استئصال للكلية إذا كانوا على علم بوجود مقابل مالي لذلك.
ويجيز القانون نقل الأعضاء من جثة متوفى بموافقة من أقرب أقربائه كاملي الأهلية حتى الدرجة الثانية، فإذا تعدد الأقارب في مرتبة واحدة، وجب موافقتهم جميعاً، وفي جميع الأحوال تكون الموافقة بموجب إقرار كتابي يشهد عليه شاهدان كاملا الأهلية، بعد مراعاة التحقق من الوفاة بصورة قاطعة بموجب تقرير كتابي يصدر بالإجماع عن لجنة مكونة من ثلاثة أطباء اختصاصيين، من بينهم اختصاصي في الأمراض العصبية، على ألا يكون من بين أعضاء اللجنة الطبيب المنفذ للعملية، أو أحد أقارب المريض المتبرع له، أو الشخص المتوفى، أو من تكون له مصلحة، ويجب أن لا يكون المتوفى قد اعترض حال حياته على استئصال أي عضو من جسمه، وذلك بموجب اعتراض كتابي، أو بشهادة شاهدين كاملي الأهلية.