تشهد مناطق الشمال السوري ارتفاعاً كبيراً في نسبة التدخين لدى الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الـ18، في ظل ارتفاع نسبة عمالة الأطفال نتيجة الفقر والتسرب المدرسي ونقص الوعي وغياب الرقابة وغيرها.
بدأ الشقيقان أحمد وأيهم التدخين سراً خلف خزان المياه على سطح منزلهما، علماً أن عمر أحدهما لا يتجاوز الـ12 عاماً. يعمدان إلى التناوب على مراقبة مكان وجود أهلهما لضمان ألا يكتشف أمرهما. ويقول أيهم: "كنا ننتظر خروج أبي لأخذ ما بقي من أعقاب السجائر. لكن بعد فترة، لم يعد الأمر كافياً، فلجأنا إلى جمع أعقاب السجائر المرمية على الطرقات. وكان أحمد يدخل إلى المنزل قبلي لتأمين الطريق حتى لا يرانا أحد". وعن رغبته في التدخين، يوضح: "كنت أشعر بأنني رجل مثل أبي، وكثيراً ما تنافست مع أحمد لتلقيد طريقة إمساكه بالسيجارة، فذلك يشعرني بالسعادة".
أما رائد، فقد وجد نفسه من دون رقيب بعد انفصال والديه وبقائه مع والده الذي لم يبد اعتراضاً على رغبة ابنه في ترك المدرسة والعمل في إحدى الورش الصناعية، وكان خيار التدخين سهلاً بالنسبة إليه. من جهته، يؤكد وليد النمر (50 عاماً)، المهجر من ريف حمص الشمالي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّه اكتشف بالصدفة أنّ ابنه عمر الذي لم يتجاوز الـ14 عاماً يدخن أثناء عمله في ورشة النجارة، مضيفاً: "لجأت إلى ضربه لمنعه من التدخين. لكنّه لم يتوقف وأنا مضطر لإرساله إلى العمل"، ويشير إلى أنّه في وقت لاحق، استخدم كلّ الوسائل لثنيه عن التدخين "وأعتقد أنّني نجحت".
إلى ذلك، يقول مدير مدرسة مصطفى عموري الإعدادية في مدينة بنش (منطقة مركز إدلب في محافظة إدلب)، مصطفى سميسم، إنّ التسرب المدرسي من الأسباب الرئيسية لانتشار التدخين بين الأطفال، بالإضافة إلى النزوح وغياب دور الأهل والبطالة، يضيف: "نجري جولات تفتيشية وتوعوية بشكل مستمر داخل المدرسة"، مشيراً إلى أنّ "نسبة المدخنين من الأطفال في المدارس تقدر بخمسة في المائة وتتجاوز الـ40 في المائة لدى الأطفال المتسربين من المدارس".
بدوره، يشرح الطبيب المتخصص في أمراض القلب والشرايين نهاد سوسق أنّ "للتدخين آثاراً سلبية كبيرة على الطفل أو المراهق كونه في مرحلة النمو الجسدي والعقلي"، مشيراً إلى أنّ التدخين يؤثر على الجهاز التنفسي ويؤدي إلى زيادة التهاب الصدر أو الحلق أو الأذن. يتابع سوسق: "عادة ما يستسلم الطفل المدخن لرغباته ما يدفعه إلى ممارسة أمور سيئة قد تشكل خطراً على صحته. وللحد من ظاهرة التدخين، يجب تحديد أسبابها، منها حب الطفل لتقليد الأهل والكبار، عدا عن رغبته في الاستكشاف وتجربة أشياء يعتقد أنها تقربه من الرجولة وتمنحه القوة"، كما يتحدث عن الدور الكبير لرفاق السوء في انحراف الطفل، بالإضافة إلى غياب التوعية وعدم مراقبة الأهل ليوميات الطفل وتوجيهه بعيداً عن العنف والتسلط، وتشجيعه على القراءة ما يساعده على الاطلاع بنفسه على مخاطر التدخين، ومتابعة سلوك الطفل مع المدرسة.
من جهتها، تشير الباحثة الاجتماعية بدور رضوان إلى الآثار السلبية الكبيرة للتدخين على الأطفال، وتقول: "يساهم التدخين في ابتعاد الطفل عن عائلته، إذ يلجأ إلى التدخين سراً ويسعى لإخفاء رائحة الدخان. كما يعمد إلى الكذب بشكل مستمر لتبرير سبب تغيبه. وقد يلجأ البعض إلى السرقة ليتمكنوا من شراء علب السجائر"، تضيف: "يبدأ الحل من العائلة كونها المؤسسة الأولى في المجتمع، والطفل هو مقلد أعمى لوالديه ويتأثر بهما بشكل كبير سواء سلباً أو إيجاباً. في بعض الأحيان، يؤدي الطلاق إلى ضياع الأطفال وتعليمهم عادات سيئة مثل التدخين. من هنا، يجب تشديد الرقابة على الباعة الذين يسهلون للأطفال شراءها. وهنا يأتي دور الأسرة لمراقبة علاقة أطفالها بالباعة".
تتابع رضوان: "تعد المرحلة العمرية للأطفال ما بين 13 و17 عاماً حساسة جداً. ونلاحظ أنّ معظم المدخنين يبدأون هذه العادة السيئة في هذه المرحلة. من هنا، يتوجب على الأهل تشجيع أطفالهم على ممارسة الرياضة واتباع العادات الصحية، والتعرف إلى أصدقاء أطفالهم وإبعاد رفاق السوء عنهم".