سحب التراخيص... مرحلة جديدة من فرض المنهاج الإسرائيلي

11 اغسطس 2022
مساعي "أسرلة" التعليم في القدس متواصلة (زياد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

قررت وزيرة تعليم الإحتلال إلغاء تصاريح 6 مدارس في القدس وتحويلها إلى ترخيص مؤقت لمدة عام، بزعم أن تلك المدارس تمارس التحريض في مناهجها، بينما الهدف الحقيقي محاولة فرض المنهاج الإسرائيلي. القرار صدر ضد خمس مدارس تابعة لمؤسسة الإيمان التعليمية، ومدرسة تتبع للكلية الإبراهيمية، وتواصل إدارات تلك المدارس التزام الصمت حيال الكيفية التي ستتعامل بها مع القرار، مؤكدة أن محاميها يتابعون القضية.
ويقول متابعون إن القرار يهدد المسيرة التعليمية لتلك المدارس في حال ألغت سلطات الاحتلال التراخيص المؤقتة التي منحتها لها، مشيرين إلى أن المدارس المستهدفة تتلقى تمويلاً من وزارة التعليم الإسرائيلية، ما يعرضها إلى الابتزاز الدائم.
وقالت وزارة التعليم الإسرائيلية، في بيان، إنها ضبطت كتباً تحتوي على مضامين تمجيد للأسرى وكفاحهم المسلح ضد إسرائيل، وتكشف جرائم منع العلاج عن المرضى منهم، وتعمد إلحاق الأذى بالطاقم الطبي، واتهامات بالمسؤولية عن أزمة المياه في الأراضي الفلسطينية، واتهامات بالقتل، والترحيل القسري، وارتكاب مذابح.

ونقل البيان عن وزيرة التعليم شاشا بيتون قولها إن "التحريض ضد دولة إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي في كتب الأطفال بالمدارس ظاهرة لا تحتمل، وسيتم التعامل معها بصرامة. كل من وجدت في مؤسساته التعليمية كتب تحتوي على التحريض، أو مضامين كراهية وشيطنة ضد دولة اسرائيل ورموزها، ستلغى رخصته".
وقالت الوزارة إنه تم الكشف عن المضامين التي اعتبرتها "تحريضية" خلال عملية لمفتشي قسم الإنفاذ في إدارة الرقابة التابعة للوزارة في مدارس القدس الشرقية، وإنه تم استدعاء مدراء المدارس الست إلى جلسة استماع، "وتقرر في نهايتها حرمانهم من رخصة العمل الدائمة، ومنحهم ترخيصاً مشروطاً لمدة عام واحد من أجل تصحيح المضامين، ولن يتم منحهم الترخيص الدائم إلا بعد تنفيذ التعديلات".
وعرضت سلطات الاحتلال نصان من كتاب المدنيات والمجتمع المخصص للصف الثالث الابتدائي، تحدث الأول عن اعتقال سلطات الاحتلال لأب فلسطيني، وما أعقب الاعتقال من نقاش بين ابن المعتقل ووالدته، والذي يبرز إنسانية قضية الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال، والنص الثاني، يستعرض الصعوبات التي يعاني منها القطاع الطبي الفلسطيني، بما في ذلك العراقيل والتضييقات التي تمارسها سلطات الاحتلال على عمل الطواقم الطبية.
كما عرضت نصاً من كتاب العلوم المخصص لطلاب الصف الخامس الابتدائي، يتناول أزمة المياه التي يعاني منها الفلسطينيون في ظل سيطرة الاحتلال على معظم مصادر المياه، ونصوص من كتاب علم الاجتماع المخصص لطلاب الصف التاسع، تتحدث عن نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948، وجرائم التطهير العرقي، وما رافقها من تهجير قسري، ومذابح نفذتها العصابات اليهودية.

مقاومة أسرلة المناهج واجب فلسطيني (محمد زنون/Getty)
مقاومة "أسرلة" المناهج واجب فلسطيني (محمد زنون/Getty)

وقال الناشط محمد الصفدي، لـ"العربي الجديد": "ربط البعض القرار برفض تلك المدارس المرخصة امتحان (البجروت) الإسرائيلي (الثانوية العامة)، بيد أن الشرف الحقيقي هو عدم طلب الترخيص من الاحتلال، وبالتالي رفض الالتزام بموجبات الترخيص، كما فعلت مدرسة (دار الطفل) كمثال. أما تقديم طلب ترخيص من أجل كسب العوائد المالية من دون الاستعداد لدفع الثمن، فهو في الواقع تلاعب بالشعارات، وسرعان ما ستنضوي تلك المؤسسات تحت منظومة الاحتلال، وبعضها بدأ بالفعل".
وأضاف الصفدي: "يجب أن نوضح أن المدارس التي تنتمي لمؤسسات مدعومة من الخارج، صاحبة المباني الفارهة، وذات الأقساط العالية، والتي تحصل على دعم لوجستي دوري من مؤسسات فلسطينية وعربية وأجنبية، ليس لديها مبرر لطلب الترخيص باستثناء رغبتها في مزيد من الكسب والانتفاع. المدارس القوية مادياً، مثل الإبراهيمية، والمطران، والفرير، والوردية، وراهبات المحبة، والأميرة بسمة، وتيراسنطة، وغيرها أخطأت عندما طلبت الترخيص، والآن جاء أوان دفع الثمن. عليهم أن يلقوا الترخيص في وجه وزارة المعارف وبلدية الاحتلال إن أرادوا موقفاً شريفاً فعلاً".
وأوضح أن "المدارس الأهلية الفقيرة منخفضة الأقساط لديها مبررات وجودية لبيع الخدمة للاحتلال، لأنها من دون ذلك لن تستطيع الاستمرار إلا إذا طلبت أقساطاً باهظة من الأهالي، أما المدارس التي ترفض الترخيص كلياً فهي مدارس تكافح من أجل البقاء في أوضاع صعبة، ويجب أن تستفيد من خطة حكومية أهلية فلسطينية عربية دولية لتواصل البقاء، والحفاظ على جودة التعليم".

دعم مدارس القدس في مواجهة مساعي تهويد المنهاج ضرورة (محمد زنون/Getty)
دعم مدارس القدس في مواجهة مساعي تهويد المنهاج ضرورة (محمد زنون/Getty)

مأساة التعليم في القدس
من جهته، يقول المحلل السياسي المتابع لأوضاع التعليم في القدس راسم عبيدات، لـ"العربي الجديد": "هناك عدة مظلات تعليمية قائمة في مدينة القدس، هي مدارس البلدية ودائرة معارفها، والمدارس الحكومية، والمدارس الأهلية والخاصة، ومدارس وزارة التربية الفلسطينية، والمدارس شبه الرسمية (المقاولات)، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وعلينا أن نعترف بأنه لا توجد أرقام دقيقة لعدد الطلبة في كل مدرسة، أو طبيعة المنهاج الذي يدرس للطلبة، وهل هو المنهاج الفلسطيني، أم فلسطيني محرّف، أم فلسطيني مقزّم، أم منهاج إسرائيلي، سواء أكان كاملاً أم جزئياً".
ويضيف عبيدات: "هذه المعلومات لا تمتلكها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ولا القوى السياسية، ولا اتحادات لجان أولياء الأمور، في حين أن دولة الاحتلال لديها 15 لجنة متخصصة من أصل 17 لجنة تتعامل مع سكان المدينة العرب، وتترأسها كوادر أمنية سابقة، وجميعهم لديهم استراتيجية وخطط وبرامج لكيفية إزاحة المنهاج الفلسطيني بشكل كامل، وإتمام أسرلة العملية التعليمية في المدينة، وبعضنا في ظل حالة العجز التي نعيشها، يراهن على المدراء والمعلمين في الحفاظ على وعي الطلبة، وهذا غير كاف على أرض الواقع".
ويوضح عبيدات أنه "في ظل الرقابة التي تفرضها دائرة المعارف الإسرائيلية على المدارس والمدراء المعينين فيها، خاصة الجدد منهم، فإنهم يعملون على تنفيذ مخطط الاحتلال، والمعلم همّه الأساسي هو راتب الوظيفة، والخطر لا يتأتى فقط من أسرلة المنهاج، بل من بعض المدارس المفترض أنها خاصة، والتي يجب أن تكون الدرع الحامي للمنهاج والهوية الفلسطينية".
ولمواجهة تداعيات القرار الإسرائيلي، يقول الناشط عنان نجيب، لـ"العربي الجديد"، إنه بعد قرار إلغاء التراخيص الدائمة للمدارس الست، فإن الحل يكون بالالتفاف حول جسم قوي لأولياء الأمور، يستطيع أن يؤسس لحالة رفض عميقة لأسرلة المدارس، مؤكداً أن "هذا يتطلب توحيد الجهود بين كافة الأطراف، الشعبية والرسمية، والاتفاق على خطة عمل شاملة من قبل المختصين لإعادة ترتيب الأولويات، والاعتماد على اتحاد أولياء الأمور كحامل للمشروع، وأداة تنفيذ".
في مايو/ أيار 2018، تم تبني قرار حكومة الاحتلال لما سمي حينها "تقليص الفوارق الاجتماعية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية"، وبموجب هذا القرار، رصدت ميزانية كبيرة تبلغ 2.1 مليار شيكل (عملة إسرائيلية) لمدة خمس سنوات.
وشمل القرار ستة مجالات عمل رئيسية، هي التعليم والتعليم العالي، والاقتصاد والعمالة، والنقل، وتحسين الخدمات وجودة الحياة، والصحة، والتسجيل العقاري.
ووفقاً لتقرير أعدته منظمة "عير عميم" الإسرائيلية، فإن أكثر من 43 في المائة من إجمالي الميزانية الحكومية المخصصة للتعليم في القدس الشرقية (حوالي 193 مليون شيكل)، مشروطة بدراسة المنهاج الإسرائيلي، وفي بنود ميزانيات التعليم الأخرى التي لا يظهر فيها الاشتراط بشكل صريح، تشدد الحكومة على عدم توجيه الدعم للمؤسسات التي تدرس المنهاج الفلسطيني.

وحسب تقرير الحالة حول تنفيذ القرار الحكومي الصادر عما يسمى "وزارة القدس والتراث" في عام 2019، فقد بلغت الميزانية المنقولة من الحكومة والبلدية إلى قطاع التعليم ما مجموعه 89 مليون شيكل، وقد تم استخدامها بشكل كامل، في حين تم خلال العامين الدراسيين التاليين تخصيص ما يقارب 50 في المائة من الميزانية لبرامج تشجيع المنهاج الإسرائيلي، وخاصة التطوير المادي للمدارس التي تعتمده، بينما لا يتم تخصيص موارد للتنمية المادية في المدارس التي لا تقوم بتدريس المنهاج الإسرائيلي، ولا تتم إضافة غرف صفية إليها من هذه الميزانية.

المساهمون