عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى سرقة جثث شهداء فلسطينيين بعد توغله البري في قطاع غزة، وقد لاحظت عائلاتهم والأطباء الذين عاينوهم بعد تسليمهم، عبث جيش الاحتلال بأجسادهم مرجحين سرقة أعضاء منها.
شاهد عمر سالم، شقيق الشهيد أحمد سالم (30 عاماً) جثة شقيقه بعد الإفراج عنها من قبل الجانب الإسرائيلي، بعد احتجاز دام أكثر من شهر. وكان الجيش الإسرائيلي قد اختطف جثمان شقيقه بالإضافة إلى جثامين عشرات الشهداء بعد التوغل البري. لكنّه صُدم حين رأى الجثة، إذ كانت هناك آثار خياطة في منطقة الصدر وخلف الرأس، علماً أن الإصابة التي أدت إلى استشهاده كانت في مكان آخر من الجسم. يؤكد عمر أنه هو من نقله إلى مجمع الشفاء الطبي، أي أنه رأى جثته.
استشهد أحمد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكان ينتظر دفنه في مقابر غير تلك التي دفنت فيها الدفعة الأولى من شهداء مجمع الشفاء الطبي. وبقيت جثته ثلاثة أيام في المجمع قبل أن تقتحمه قوات الاحتلال الإسرائيلي وتأخذ جثته بالإضافة إلى جثث أخرى.
كان أحمد من القلة الذين تم التعرف على أسمائهم بعد تسليمهم من قبل الجانب الإسرائيلي. كان داخل كيس نايلون مغلق بإحكام، ومع الكفن القديم الذي كتب اسمه عليه. رأت العائلة بعضاً منه ووجهه الذي لم يتحلل. لكنها أعربت عن انزعاجها الكبير بعد رؤية الجثة وخشيتها من سرقة أعضاء. يؤكد شقيقه أنه كان سميناً والإصابة التي أدت إلى استشهاده كانت في الظهر والعمود الفقري.
يقول عمر لـ "العربي الجديد": "أشعر بحسرة كبيرة لأن شقيقي لم يكرم بعد استشهاده، ولم نتمكن من إقامة جنازة تليق به. كان يتمنى الشهادة لكن الحسرة بقلبي كبيرة لأن جثته لم تبق كما كانت. وعادة ما لا يتم غسل الشهيد في عقيدتنا الدينية ويدفن كما هو في دمائه. لكن للأسف، تم العبث في منطقة الصدر والظهر".
يضيف: "كان وزن شقيقي ما لا يقل عن 100 كيلوغرام، وكنت أعجز عن حمله أثناء استشهاده. لكن المفاجأة أنني حملته بسهولة بعد إعادة الجثة. سألت العديد من الأطباء فطلبوا مني الانتظار إلى حين فحص ومعاينة جميع الجثث لأن هناك سرقات لأعضاء. اليوم الرغبة في الثأر زادت. لم يقتلوا شقيقي وعدداً من أفراد عائلتي والأطفال فقط. سيبقى الثأر حياً في قلوبنا إلى يوم الدين".
عددٌ من العائلات التي فقدت جثث أبنائها كانت من نازحين في جنوب قطاع غزة، وانتظرت التعرّف على الجثامين وخصوصاً تلك التي سرقت من شمال قطاع غزة ومجمع الشفاء الطبي، إلا أن الأمر كان صعباً في ظل اختفاء الملامح. وأشار المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سلّم جثامين مجهولة الهوية عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب القطاع، ورفض تحديد أسماء الشهداء والأماكن التي سرقها منها.
وخطف جيش الاحتلال عددا غير معلوم من جثث الشهداء من ثلاجة الموتى ومن مقبرة جماعية داخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة والمستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، ومن ممر النزوح على شارع صلاح الدين الواصل بين شمال القطاع وجنوبه.
ويوم 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أفرج عن مجموعة من جثث الشهداء وُضعت داخل 70 كيساً بلاستيكياً، وكانت مكدسة داخل حاوية نقلتها شاحنة من معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي مدينة رفح إلى مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في المدينة، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وما زال جيش الاحتلال يحتجز عشرات الجثث الأخرى التي خطفها عقب توغله البري يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ورفض الكشف عن المعلومات الخاصة بهذه الجثث، ومنح الأكياس أرقاماً.
ويتّهم المكتب الإعلامي الحكومي الاحتلال الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين، كما دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بعد توثيق أحوال الجثث التي استلمها وخشيته من سرقة أعضاء.
سرقة أعضاء حيوية
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إنه بعد معاينة الجثامين، تبين أن "ملامح الشهداء قد تغيرت بشكل كبير. وبحسب الطواقم الطبية، فإن الجثث لم تتعرض لتحلّل طبيعي بل لتدخل بشري"، وتم العبث فيها وسرقة أعضاء. وخيطت الكثير منها في أماكن كثيرة، في إشارة واضحة إلى سرقة أعضاء حيوية من أجساد هؤلاء الشهداء".
يتابع الثوابتة: "للاحتلال الإسرائيلي سجل طويل في العبث بجثث الشهداء والأسرى. وقد احتجز جثامين أكثر من مرة خلال حرب الإبادة الجماعية. كما وثقنا نبش قبور في جباليا شمال القطاع وسرقة بعض جثامين الشهداء منها. ويتعمد الاحتلال الإسرائيلي الإبقاء على عدد من الجثث حتى تتحلل وتسهل عليه سرقة ما أراد من الأعضاء البشرية".
ويشير الثوابتة إلى أن الطواقم الطبية لم تتمكن من فتح الأكياس في المستشفى، وعمدت إلى فحصها وتوثيق أحوالها قبل الدفن. ومن المشاهد الصادمة وجود 17 جثة مقطوعة الرأس، وقد وضعت بعض الرؤوس إلى جانب الجثة في كيس واحد، وكانت أخرى من دون رؤوس تماماً. كما نزعت فروة الرأس عن الجمجمة. ويؤكد أن المكتب الإعلامي الحكومي أرسل صوراً وتقارير إلى عدد من مؤسسات حقوق الإنسان ومنظمات الصحة عن حال الجثث. ويذكر أن الجثث لم تكن معها متعلقات شخصية.
ويحمّل المتحدث اللجنة الدولية للصليب الأحمر المسؤولية وينتقد موقفها، ويؤكد أن المطلوب من اللجنة الدولية كان "توثيق كيف تم تسلم الجثث ووصف حالتها ومطالبة إسرائيل بمعرفة مكان سرقتها وإذا ما حدثت تغيرات عليها، لكنها لم تقم بذلك. وهذه مشكلة لديها عليها أن تستدركها وأن تقدم تقارير مفصلة عنها".
لجنة تحقيق دولية
إلى ذلك، طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان، بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في ما وصفها بشبهات سرقة جيش الاحتلال أعضاء من جثث شهداء احتجزها خلال حربه الحالية على غزة. ووثق المرصد ملاحظات أدلى بها أطباء في غزة أجروا فحصاً سريعاً لبعض الجثث بعد الإفراج عنها، ولاحظوا سرقة أعضاء مثل قرنية العين وقوقعة الأذن والكبد والكلى والقلب. ويشدد المرصد على أن الكشف الظاهري الطبي الشرعي لا يكفي لإثبات أو نفي سرقة أعضاء لا سيما في ظل وجود تدخلات جراحية سابقة لجثث عدة، غير أنهم رصدوا علامات عدة تشير إلى احتمال سرقة أعضاء من الجثامين.
من جهته، يقول الجراح هدي أبو زبدة إنه كما سرق الاحتلال الإسرائيلي ممتلكات الغزيين، بما فيها ممتلكات منزله في حي النصر، وأحدث خراباً فيها، لا يستبعد سرقة الأعضاء البشرية من الجثامين. وما من مبررات لسرقة الجثث وإعادتها في صفقة تبادل لجثث لعناصر الاحتلال.
ويوضح أبو زبدة أنه يمكن الاستفادة من غالبية أعضاء الجسم لأغراض طبية ولزراعة الأعضاء. كما أن عدداً من تجار الأعضاء البشرية الإسرائيليين كانوا يروجون للأعضاء في دول متقدمة، ولا تقتصر الأعضاء على القلب والكلى أو قرنية العين. يقول لـ "العربي الجديد": "يمكن الاستفادة من الكلية والقلب والكبد والرئة شرط ألا تكون مدة الوفاة قد تجاوزت الثماني ساعات. فيما تمكن الاستفادة من القرنيات والجلد وصمامات القلب والعظام وغيرها. وأعتقد أن هناك جنودا إسرائيليين أطباء استناداً إلى ما نقله شهود عيان عن العبث في الجثث التي سرقت من مجمع الشفاء الطبي".
إلى ذلك، يقول رئيس لجنة الطوارئ الصحية ومدير مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار مروان الهمص، وهو أحد الأطباء الذين عاينوا الجثث، إن الجثث كانت مغطاة بالرمال والديدان، ويذكر جثة طفل كان على وجهه قطن طبي ولاصق طبي، ما يدل على إجراء جراحة في الرأس. ويقول لـ "العربي الجديد": "جثث الشهداء كانت متنوعة الأجناس والأحجام والأعمار، أي لرجال ونساء وأطفال وشباب وكبار في السن. جثث عديدة كانت متفحمة، ومنها عبارة عن أطراف علوية وسفلية وبعض العظام"، مشيراً إلى أن "بعض العظام تعود لجثث متحللة منذ أكثر من عام".
ويشدد الهمص على نية وزارة الصحة رفع تقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد توثيق أحوال الجثث وطبيعتها وكيفية استلامها وسرقة أعضاء، في ظل عدم حصولهم على معلومات دقيقة عن أماكن سرقتها ونقلها. كما وثقوا أن بعض الجثث قديمة ولا تعود إلى الذين استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.