في ظلّ زحمة الحياة في مدينة القامشلي (شمال شرقي سورية على الحدود مع تركيا)، لا يجد الأهالي أماكن عامة للراحة والهدوء، في ظل قلّة الحدائق العامة وصعوبة الوصول إلى المتاح منها لوقوعها في المربع الأمني الذي يسيطر عليه النظام، لتعدّ المتنفس الوحيد المزدحم والصاخب الذي يمكنهم قصده مع أطفالهم. وتتحدث جيهان محمود، التي تقصد الحديقة العامة في مدينة القامشلي برفقة ابنتيها، عن الوضع السيئ في الحديقة والحاجة الكبيرة لتوسعتها والاهتمام بها بشكل أكبر. وتقول لـ "العربي الجديد": "آتي إلى الحديقة العامة مع ابنتيّ، لكن ما من ألعاب باستثناء أرجوحة ومزلقة، وعادة ما يكون هناك ازدحام كبير. ومن غير الممكن التوجه إلى الحدائق الخاصة بسبب بدل الدخول المرتفع".
تشير محمود إلى أن الأطفال هم الأكثر تضرّراً في الوقت الحالي، كونهم محرومين من الذهاب إلى الحدائق والابتعاد عن زحمة المدينة، بدلاً من البقاء داخل جدران المنازل. تضيف أن "الأطفال يحتاجون للخروج من المنزل واللعب مع أصدقائهم وتفريغ طاقتهم. الصغار لا يتحملون البقاء في عزلة أو في المنزل. نطلب من الإدارة الذاتية تخصيص حدائق للأطفال للابتعاد عن اليوميات الصعبة التي يعيشونها".
وللحدائق العامة والمتنزهات والمساحات الخضراء ضمن المدن تأثير مباشر على صحة سكانها وسلامتهم، وتساهم في تلطيف مناخ المدن وتنقية هوائها. كما تتيح للسكان ممارسة الأنشطة الرياضية في الهواء الطلق وللأطفال اللعب. ويشكو حذيفة حسن، وهو من سكان القامشلي، بسبب وجود حديقة واحدة فقط متاحة للعامة في المدينة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "نصف الحديقة مستثمر كمطعم، ولا توجد ألعاب، وهناك أرضية حجرية ليس فيها رمل. بالتالي، لا يمكن للأطفال اللعب كما يحلو لهم، علماً أن الحديقة يجب أن تكون متنفساً لهم، وخصوصاً أن البقاء في المنزل بات يشعرهم بالقلق".
يضيف حسن أن "في المدينة حديقة خاصة واحدة هي حديقة الخليج، علماً أن خدماتها قليلة". ويأمل الاهتمام أكثر بالحدائق في المدينة. وعلى الرغم من الموارد المتاحة للإدارة الذاتية التي تسيطر عبر قوات سورية الديمقراطية "قسد"، على أجزاء واسعة من مناطق شمال شرقي سورية الغنية بالثروة النفطية، إلا أن هناك تجاهلاً واضحاً، بحسب الأهالي، للخدمات والمرافق العامة في مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرتها أيضاً، وخصوصاً الحدائق، التي باتت الحاجة للاهتمام بها وبناء حدائق جديدة ملحة في الوقت الحالي مع اكتظاظ المدينة، التي تضم نازحين من كافة المحافظات السورية.
من جهته، يقول الأربعيني أحمد موسى لـ "العربي الجديد": "نأتي إلى الحديقة العامة في مدينة القامشلي للترفيه عن أطفالنا. إلا أن المعاناة كبيرة بسبب قلة الألعاب وحاجتها إلى الصيانة. نرجو أن يكون هناك اهتمام بهذه الحدائق ووضع ألعاب جديدة، وخصوصاً أنه ليس من السهل دخول الحدائق الخاصة، التي تحتاج إلى إعادة تأهيل بدورها".
تقارن خديجة التي أقامت فترة في دهوك في إقليم كردستان العراق مع عائلتها، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، بين الوضع هناك والوضع في مدينة القامشلي لناحية الحدائق. وتقول: "في كل حارة أو حارتين توجد حديقة صغيرة أو كبيرة والعديد من الألعاب. آتي من حي قناة السويس برفقة أولادي ليلعبوا. إلا أن الحديقة هنا في حالة يرثى لها. القامشلي كلها ليس فيها سوى هذه الحديقة. نرجو إنشاء حدائق أخرى في باقي الأحياء في مدينة القامشلي خصوصاً حي قناة السويس".
ويغيب مفهوم الحدائق كأماكن لقضاء العائلات أوقاتاً فيها أيام العطل، أو الخروج للتنزه في مدينة القامشلي بسبب قلة الحدائق وغياب الاهتمام بتلك المتوفرة من قبل الهيئات التابعة للإدارة الذاتية وهي الجهة المسؤولة.
إلى ذلك، يقول مصدر خاص لـ "العربي الجديد" إن هناك حديقة مركزية في القامشلي تسمى الحديقة العامة، وقد تم استثمارها وتحويلها إلى كافيتيريا، وتركت فيها مساحة للعامة، وهناك حديقة في حي الوسطى، وهي قريبة من المراكز الأمنية. لذلك، لا يرتادها الأهالي خوفاً على أنفسهم من مضايقات الحواجز الأمنية والاعتقال أو التفتيش. ويرتادها فقط المقربون من النظام، وتسمى حديقة الكندي". يضيف: "أما حديقة الخليج، فهي حديقة للأطفال. لكن عائلات كثيرة تشكو من وجود شباب فيها يُحدثون مشاكل، فضلاً عن الأسعار المرتفعة للألعاب. وهناك حديقة في الحي الشرقي استثمرت من القطاع الخاص. عملياً، ليست هناك حديقة واحدة مخصصة لعامة الناس في مدينة القامشلي".
وكانت الإدارة الذاتية قد قدمت وعوداً بتأهيل وترميم الحديقة العامة في مدينة القامشلي، على أن يتم ذلك أواخر عام 2019، إلا أن الوعود بقيت طي النسيان ولم يتغير شيء في الحديقة.