استنكار كبير تسبب به قرار للسلطات المصرية بتوسعة طرقات في العريش، على حساب منشآت عدة، من دون استثناء القبور من بينها، بل يستهدف المشروع نقل بعضها
تسود مدينة العريش، في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، حالة من الغضب والاستهجان، نتيجة قرار حكومي يقضي بنقل عشرات القبور من إحدى المقابر بهدف توسعة طريق في المدينة، ضمن خطة جديدة لتطوير شبكة الطرقات في العريش، بما يشمل إنشاء محاور جديدة، ستلتهم خلال شقها عشرات المنازل والمنشآت المختلفة، من دون التشاور مع السكان أو الهيئات الهندسية المحلية، وهو ما أدى إلى تقديم عشرات الشكاوى والمناشدات بضرورة تغيير مسار المحاور الجديدة وتضييقها بما لا يؤثر سلباً على السكان أو المشاريع الجديدة في آنٍ واحد، وتشمل الإزالة مناطق عدة، بدءاً من مطار العريش مروراً بالميناء الجديد، وصولاً إلى إنشاء المحاور داخل المدينة ومحيطها.
وفي التفاصيل، يقول أحمد سعد، وهو من سكان العريش، وقريب لمتوفٍّ سيُنقل قبره، لـ"العربي الجديد": "أبلغتنا الجهات الحكومية بضرورة الحضور إلى المقبرة صباح الأحد (أمس) لمتابعة عملية نقل رفات أحد أقاربنا، لأنّ المقبرة دخلت في حيز توسعة الطريق، في منطقة أبي صقل. عبّرنا عن استهجاننا من هذا القرار، الذي فيه تعدٍّ على حرمة الميت، ونقله بعد مرور سنوات على وفاته، بحجة توسعة الطريق، لكنّ الجهات الهندسية ماضية في تنفيذه، بعد إشعارنا بأنّه لا إمكانية للاعتراض على القرار، لأنّ المخططات وضعت وتمت المصادقة عليها من كلّ الجهات المختصة، ولا يمكن التراجع عنها، وسيتم تنفيذ القرار بالنقل، سواء بقبول العائلة، أو رفضها، لكنّ حضورها سيكون لتثبيت المكان الجديد، والاطلاع عن كثب على عملية النقل، بهدف طمأنة عائلات المتوفين أنّها تجري في إطار من الخصوصية والاهتمام والدقة". يضيف سعد: "لم تعد لدينا حرمة للحيّ أو للميت. طوال عمرنا، نسمع عن حرمة الميت والقبر، فتأتي الحكومة اليوم لتلغي كلّ ما تعارف عليه الناس بضرورة عدم المساس بالقبور والميتين مهما كان السبب". يستغرب إصرار الحكومة على تنفيذ المخطط على الرغم من مساسه بالمقابر، مع إمكانية تضييق المسارات في هذه المنطقة تحديداً، أو البحث عن بدائل، من دون المسّ بمشاعر أهالي المتوفين، في ظلّ الحديث عن فتح القبور ونقل ساكنيها إلى أماكن أخرى، ويقول: "المحاور الجديدة ستأخذ في طريقها بيوتاً ومساجد وعيادات، بل حتى المقابر. ستر الله المقبل علينا بحجة التنمية والتطوير للمدينة بعد تركها سبع سنوات تعيش في ظروف لا تصلح لحياة البشر".
وضجت المجموعات الإلكترونية عبر مواقع التواصل، في محافظة شمال سيناء، بعشرات المنشورات والتعليقات من السكان على نبأ نقل القبور، إذ أجمعت الآراء على رفض القرار الحكومي، وضرورة التراجع عنه، وإبقاء القبور في حرمتها وعدم المساس بها، تحت أيّ ظرف أو لأيّ سبب كان، وسط تذكير للحكومة المصرية وقوات الجيش بحجم التضحيات التي قدمها سكان مدينة العريش، على مدار السنوات الماضية، وأنّه لا يمكن مكافأة سكان المدينة بهذا الشكل، من خلال إزالة منازلهم ومراكزهم الحيوية والمساجد والمقابر من أجل توسعة الطرقات. ويؤكد هؤلاء أنّ الرأي الهندسي في العريش يشير إلى عدم احتياج المدينة لكلّ هذه التوسعات والمحاور، وبالإمكان الاستعاضة عنها بتحسين واقع شبكة الطرقات الحالية، من خلال صيانتها أو إعادة تأهيلها.
وفي التعقيب على ذلك، قال مسؤول حكومي في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إنّ هناك قراراً حكومياً مدعوماً من قيادة عمليات الجيش المصري في شمال سيناء، بتنفيذ المحاور الجديدة، وإزالة كلّ ما يعترض طريقها، سواء كان منزلاً أو مركزاً حكومياً أو مسجداً ومقبرة حتى، نظراً إلى أنّ المصلحة العليا تتطلب تغييراً جوهرياً في شبكة الطرقات في مدينة العريش تتناسب مع حجم التطور والتنمية القائم على أساس نهضة المدينة بصفتها عاصمة لمحافظة شمال سيناء، من خلال تطوير ميناء ومطار العريش، وكذلك إنشاء مشاريع للمياه والكهرباء ذات مستوى عالٍ يليق بتضحيات وصبر سكان المحافظة طوال السنوات الماضية، في مواجهة الإرهاب، إلى جانب قوات الجيش. وبالتالي، فإنّ القرار اتخذ، ويجري التنفيذ من قبل الجهات المختصة، وذلك كلّه بحماية قوة القانون، نظراً إلى أنّ المصلحة العامة تغلب المصلحة الخاصة، وبالتالي، يحق للدولة إزالة كلّ ما يعترض طريق التنمية.
وفي تفاصيل المشروع الحالي، قال اللواء محمد شوشة، محافظ شمال سيناء، إنّ هناك مخططاً كاملاً لتطوير العريش، في مرحلته الثانية، يتضمن إنشاء 3 محاور رئيسية طولية على ساحل البحر، ومحاور عرضية ليتم الربط وتيسير التحرك بينها، بكلفة 500 مليون جنيه (نحو 32 مليون دولار). أضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنّ هناك بعض الجهات الحكومية والمنازل تعيق التنفيذ، ويتطلب الأمر إزالتها، وهي عبارة عن محطة مياه الصرف الصحي، ومسجد الخلفاء الراشدين، و23 منزلاً على المحور الأول، نظراً للكثافة السكانية في المنطقة، إلى جانب أجزاء من مستشفى العريش العام، ومبنى شركة النظافة، ومبنى المطافئ القديم، واستراحة المحافظ القديمة، وجزء من مركز شباب مدينة العريش (الساحة الشعبية). وأشار إلى أنّه لن يتمّ إخراج أحد من منزله إلا بعد حصوله على التعويض المناسب، من خلال لجنة خبراء ومعتمدين، وستتم دراسة قيمة التعويضات المقررة واختيار الأعلى منها لصالح المواطن، لتشمل المُلّاك من أصحاب الأراضي والمنشآت والمستأجرين، ويتم صرف تعويض مادي للمُلّاك، وتعويض مادي أو مساكن بديلة للمستأجرين في منطقتي السبيل والمساعيد.
يشار إلى أن محافظة شمال سيناء تعاني من ضعف في البنى التحتية، ويشمل ذلك قطاع الطرقات والمواصلات والاتصالات والصرف الصحي والمياه والكهرباء والإنترنت. وعلى مدار السنوات السبع الماضية، انطلقت عشرات المناشدات والمطالبات من السكان بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية، والظروف البيئية، خصوصاً في ظل الهدوء الأمني النسبي في المحافظة، مع تراجع حدة هجمات تنظيم "ولاية سيناء" خصوصاً في نطاق مدينة العريش، التي تعتبر عاصمة لمحافظة شمال سيناء، في مقابل تجاهل حكومي لكلّ هذه المناشدات، إلى أن أطلقت الحكومة ومعها الجيش أخيراً مشروع المحاور الجديدة.