"سي أن أن": إسرائيل تحظر دخول أطباء ذوي جذور فلسطينية إلى غزة

24 يوليو 2024
ثمّة حاجة إلى سدّ العجز في المنظومة الصحية المنهارة في قطاع غزة، 8 يونيو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **حظر دخول الأطباء ذوي الجذور الفلسطينية إلى غزة**: إسرائيل تمنع دخول أطباء ذوي جذور فلسطينية إلى غزة في مهام إنسانية، مما يزيد من تدهور المنظومة الصحية بعد العدوان الإسرائيلي.

- **تجربة الطبيب جياب سليمان**: الطبيب الفلسطيني الأميركي جياب سليمان مُنع من دخول غزة بسبب جذوره الفلسطينية، مما أثر على تطويع أطباء آخرين للمشاركة في المهام الإنسانية.

- **تأثير السياسة على المنظمات الإغاثية**: السياسة الإسرائيلية الجديدة أجبرت المنظمات الإغاثية على تجنب تطويع العاملين الطبيين ذوي الجذور الفلسطينية، مما أدى إلى نقص في فرق العمل الطبية.

كشفت شبكة "سي أن أن" التلفزيونية الأميركية أنّ إسرائيل تعمد، بحسب ما وُصف أنّه سياسة جديدة، إلى حظر دخول أطباء ذوي جذور فلسطينية إلى قطاع غزة، في إطار مهام إنسانية وسط الحرب المتواصلة لليوم الـ229. جاء ذلك بعد اطّلاع الشبكة على مذكّرات داخلية لمنظمة الصحة العالمية تعود إلى أوائل شهر يونيو/ حزيران الماضي، تفيد بأنّ توصيات وجّهت إلى جهات تعمل في مجال الإغاثة بعدم ضمّ متخصصين في المجال الطبي ذوي جذور فلسطينية إلى فرقها التي تتوجّه إلى القطاع المحاصر والمستهدف في مهمات إنسانية، حتى لو كانت الجذور مرتبطة بأحد الوالدَين أو أحد الأجداد حتى.

يأتي ذلك وسط انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة، بعد نحو عشرة أشهر من العدوان الإسرائيلي المتواصل. فالاحتلال تعمّد، في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها على الفلسطينيين في القطاع المحاصر، استهداف المنشآت الطبية والصحية المختلفة، والأطباء والعاملين الصحيين والمسعفين، وعمد إلى اعتقال أعداد منهم وقتل أعداد أخرى. وفي سياق استهدافه المنظومة الصحية، منع الاحتلال إدخال المستلزمات الطبية والأدوية، وكذلك الوقود المطلوب لتشغيل مستشفيات غزة. ولأنّ عدد الجرحى المتزايد تجاوز 90 ألف جريح، إلى جانب آلاف من الفلسطينيين المرضى، فإنّ ثمّة حاجة ماسّة إلى أطباء وأطقم صحية لتوفير الرعاية لكلّ هؤلاء. بالتالي، إنّ البعثات الطبية الإنسانية إلى قطاع غزة تأتي لتسدّ بعضاً من العجز الهائل.

ونقلت "سي أن أن"، في تقريرها، ما خبره الطبيب الفلسطيني الأميركي جياب سليمان في هذا السياق، الذي وصل إلى الأردن في يونيو الماضي في إطار مهمة طبية طارئة وجهتها قطاع غزة يشرف هو عليها، وقد راح يعمل على الترتيبات الأخيرة لتلك المهمّة قبل الانطلاق بها في الموعد المحدّد. والبعثة الطبية التي يقودها سليمان، كانت تحت سقف منظمة "الرحمة حول العالم" (رحمة وورلدوايد) الإنسانية التي تتّخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقراً لها.

"ذوو جذور فلسطينية" حجّة إسرائيلية للتضييق

وذكرت الشبكة التلفزيونية أنّ الطبيب المتخصّص في جراحة العظام، المولود في ولاية أوهايو الأميركية، سبق أن قاد بالفعل مهمّتَين إلى القطاع المحاصر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تاريخ اندلاع الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، لكنّه لم يكن يعلم أنّ استعداداته الأخيرة ستكون بلا جدوى. ففي اليوم السابق لموعد عبور الفريق الطبي إلى قطاع غزة، تلقّى سليمان بلاغاً مفاده بأنّ "وحدة تنسيق أعمال الحكومة (الإسرائيلية) في المناطق" لم يمنحه الإذن بالدخول. يُذكر أنّ هذه الوحدة التابعة لوزارة دفاع الاحتلال تنسّق الشؤون المدنية (بما في ذلك المساعدات) في "المناطق" أي في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، والمقصود بذلك التنسيق ما بين حكومة الاحتلال وجيشه والمنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والسلطة الفلسطينية.

وعبّر سليمان عن شعوره بالإحباط إزاء ما حدث، وصرّح في حديث لشبكة "سي أن أن": "قالوا: ممنوع عليك (الدخول إلى قطاع غزة) بسبب هويّتك الفلسطينية". أضاف: "أن تمنع شخصاً من الدخول إلى منطقة حرب لأداء مهمّة لمجرّد أنّ أصوله فلسطينية، أمر مزعج ومؤذٍ ومكدّر جداً". وبحسب ما تبيّن، فإنّ منع دخول سليمان إلى قطاع غزة، في إطار المهمة الإنسانية التي يشرف عليها، يأتي من ضمن سياسة مستجدّة أُبلغت بها أخيراً البعثات الطبية المتوجّهة إلى قطاع غزة. وبموجب القيود التي تفرضها هذه السياسة، يُمنَع دخول العاملين الأميركيين في مجال الرعاية الصحية وكذلك من جنسيات أخرى، إن كانوا ذوي جذور فلسطينية أو من أصول فلسطينية، بحسب ما ورد في المذكّرات الداخلية لمنظمة الصحة العالمية التي اطّلعت عليها "سي أن أن".

ولم يخفِ سليمان أنّ بعد ذلك "توقّفت عن تطويع أو تشجيع أيّ طبيب فلسطيني في العالم على المجيء (إلى قطاع غزة) لتقديم المساعدة"، مشدّداً "لا أستطيع تطويعهم لأنّني بذلك سأخسر وظيفة (في الفريق)". وتابع: "حتى لو كان الأمر يتعلّق بطبيب واحد أو ممرّضة واحدة فقط، فإنّني سأخسر وظيفة، لأنّني أعلم أنّهم سيُمنعون (من الدخول إلى قطاع غزة) وأنا في حاجة إلى كلّ فرد وكلّ طبيب للذهاب إلى قطاع غزة".

وأشارت الشبكة الأميركية، في تقريرها الصادر اليوم الأربعاء، إلى أنّها تواصلت مع أطباء ينشطون في إطار منظمات إغاثية مختلفة، أفادوا بأنّ السياسة الإسرائيلية الجديدة أجبرت المنظمات على تجنّب تطويع أيّ عاملين في المجال الطبي ذوي جذور فلسطينية في مهماتها الإنسانية. وبحسب ما أوضح هؤلاء الأطباء، فإنّ رفض منح إذن الدخول يأتي في اللحظة الأخيرة، في كثير من الأحيان، الأمر الذي لا يتيح المجال أمام المنظمات لملء الشواغر ويضطرهم إلى دخول قطاع غزة بمجموعة عمل غير مكتملة.

في هذا الإطار، صرّح مدير البرامج لدى جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) في بريطانيا سمير صاح لشبكة "سي أن أن": "في الواقع، يتوجّب علينا إعلام الأشخاص من أصول فلسطينية أو الفلسطينيين الذين يحملون جنسية أخرى" بأنّ من غير الممكن بالنسبة إليهم دخول قطاع غزة. أضاف أنّ ذلك "يدفعنا إلى التمييز ما بين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، وهذا أمر غير صحيح أخلاقياً، وغير صحيح لجهة القوانين الإنسانية، وهو غير إنساني".

وقد أتى هذا التغيير في السياسة، بحسب شبكة "سي أن أن"، بعد الهجوم البري المدمّر الذي شنّته إسرائيل على رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، في مايو/ أيار الماضي، فسيطرت بالتالي على معبر رفح الواصل ما بين مصر وقطاع غزة ودمّرت الجانب الفلسطيني منه. وهكذا، اضطرت فرق الإغاثة الطبية، التي كانت تعتمد على معبر رفح للدخول إلى قطاع غزة، إلى استخدام معبر كرم أبو سالم الذي كان يُستخدَم سابقاً للسلع التجارية، من أجل الوصول إلى جنوب غزة انطلاقاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948.

وقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان في إمكان العاملين الطبيين في حال كونهم فلسطينيين أو ذوي جذور فلسطينية الذين يحملون جوازات سفر أخرى، التقدّم بطلبات إلى السلطات الإسرائيلية للدخول إلى قطاع غزة، ولم تكن تُعرقَل الموافقة على طلباتهم. وهؤلاء كانوا يدخلون إلى القطاع من خلال معبر بيت حانون (إيرز) الفاصل ما بين الداخل الفلسطيني المحتل وشماليّ قطاع غزة، علماً أنّ هذا المعبر أُغلق بعد السابع من أكتوبر.

المساهمون