شهداء مجهولو الهوية... عائلات غزة لا تعرف مصير أبنائها

06 اغسطس 2024
لم يتم التعرف إلى أي من الجثامين المستلمة (محمد الحجار)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إدارة ملف المفقودين**: يدير جهاز الدفاع المدني في غزة ملف المفقودين الذين يتجاوز عددهم 10 آلاف، لكن التعرف على هوياتهم صعب بسبب تحلل الجثامين. تسلمت السلطات الفلسطينية 80 جثماناً متحللاً من الاحتلال الإسرائيلي، مما زاد من حزن العائلات.

- **معاينة الجثامين**: فحص الفريق الطبي الجثامين التي وصلت عبر معبر كرم أبو سالم ووجدها متحللة ومقطعة الأشلاء، مما زاد من توتر العائلات. الاحتلال لم يكشف عن هوية الجثامين أو المناطق التي أخذت منها.

- **دفن الجثامين**: دفنت الجثامين الثمانين في مقبرة جماعية في خانيونس، وبلغ عدد الجثامين المنتشلة من المقابر الجماعية 454 جثماناً. وزارة الصحة تعتقد أن الجثامين تعود لأشخاص استشهدوا في توغلات إسرائيلية، مما يزيد من معاناة العائلات.

يدير جهاز الدفاع المدني ملف المفقودين في قطاع غزة، والذين يتجاوز عددهم 10 آلاف مفقود، لكن التعرف إلى هويتهم غاية في الصعوبة حال العثور على الجثامين، إذ تكون غالبيتها متحللة.

كانت عشرات عائلات الشهداء والمفقودين الفلسطينيين تترقب وصول عدد من جثامين الشهداء، والتي أعلن الاحتلال الإسرائيلي تسليمها إلى الجانب الفلسطيني يوم الأحد الماضي بعد تنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، على أمل إيجاد أفراد أسرهم المفقودين من بينهم، لكن تلك الآمال تبددت صباح الاثنين، وتحولت إلى حزن كبير بعد أن تم تصنيفهم جميعاً باعتبارهم من مجهولي الهوية كون الجثامين متحللة، ولا يبدو عليها أي دليل يثبت شخصية صاحبها.
قام الفريق الطبي التابع لوزارة الصحة في قطاع غزة، بمن فيهم أطباء شرعيون وطواقم فنية طبية بمعاينة أسباب الوفاة عبر فحص الجثامين الثمانين عند وصولها في شاحنة كبيرة عبر معبر كرم أبو سالم باتجاه مدينة خانيونس، لكنهم وجدوها متحللة، وبعضها جثامين وضعت في كيس بلاستيكي، وكانت مقطعة الأشلاء، لتتزايد أزمات العديد من العائلات التي ترغب في دفن جثامين أبنائها الذين استشهدوا قبل مصادرة جثامينهم، وآخرون يرغبون في معرفة مصير أبنائهم المفقودين. 

لا يكشف الاحتلال عن هوية الجثامين أو المناطق التي أخذت منها

كانت عائلة عمر زقوت (26 سنة) واحدة من العائلات التي تترقب معرفة مصير نجلها، والذي اختفى أثناء إحدى مجازر الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة، وتحديداً في أحياء جنوبي المدينة، وعندما علموا بتسليم الجثامين، توجه اثنان من أشقائه للتعرف إليه إن كان من بين تلك الجثامين، لكن تم منعهم من مطالعتها نظراً لكونها متحللة بالكامل، ولا يمكن التعرف إلى أصحابها عبر النظر، كما أخبرتهم الطواقم الطبية.
يقول سائد زقوت (35 سنة)، إنه كان موجوداً بالقرب من الشاحنة التي تحمل الجثامين، وطلبت منه الطواقم الطبية الابتعاد، وأنه في حال التعرف إلى ملامح واضحة، سيحضرون العائلات للتعرف إلى الجثامين من دون الاقتراب منها، لكن بعد انتظار دام نحو ساعة، علم أنه لا تظهر أيّ ملامح على أيّ من الجثامين، وبالتالي لا يمكن السماح للعائلات بمطالعتها للتعرف إلى ذويهم. 

دُفنت الجثامين المسلّمة في مقبرة جماعية (محمد الحجار)
دُفنت الجثامين المسلّمة في مقبرة جماعية (محمد الحجار)

وزاد قرار تسجيل الجثامين باعتبار أنها لشهداء مجهولي الهوية من توتر العديد من العائلات، والتي حضرت على أمل التعرف إلى ذويهم، وحمل جثامينهم لدفنها.
يقول سائد زقوت: "شاهدت أحد الجثامين التي فُتح الكيس الذي كان يضمها أمامي، وكانت عبارة عن أشلاء، وتميل إلى اللون الأسود، ولا يوجد أي مدلول على صاحبها. كانت لدى الأسرة بعض الآمال في التعرف إلى مصير شقيقي، لأننا علمنا أنه كان في شارع الصناعة وقت القصف الإسرائيلي، وقد انتشلت الطواقم الطبية منه العديد من الشهداء خلال شهر يوليو/تموز الماضي، لكن جثمان عمر لم يكن بينها".
ويضيف لـ"العربي الجديد": "قرر شقيقي البقاء في مدينة غزة برفقة أصدقائه لحراسة المنازل، لكن نتيجة الأضرار التي لحقت بمنزلنا طلبنا منه محاولة النزوح إلى جنوبي القطاع، لكن كان يخشى النزوح، فالاحتلال كان يعتقل الشبان في مثل عمره على الحواجز، ويتعامل معهم كمقاومين كما حصل مع كثيرين، وقد اعتقل الاحتلال أصدقاء له على حاجز نتساريم".
يتابع زقوت: "علمنا أن شقيقي عمر كان في المنطقة التي توغلت فيها قوات الاحتلال بحي تل الهوا، وبعدها علمنا بقصف المنطقة، وأخبرنا البعض أنه كان مصاباً، وقال آخرون إنه استشهد في المنطقة مع كثيرين، فأصبحنا في حيرة من أمرنا، ولا نعرف إن كان استشهد أم أنه مصاب أم معتقل. عندما وصلت شاحنة الجثامين كنت أدعو الله ألا أراه بينها، والآن حزني أكبر لأنني لم أتمكن من التعرف إليه، وأمي منهارة نفسياً".

تسجيل الشهداء كمجهولي هوية أحزن العائلات (محمد الحجار)
تسجيل الشهداء كمجهولي هوية أحزن العائلات (محمد الحجار)

الحال نفسه تعيشه نعيمة بركة، والتي قطعت عدة كيلومترات مشياً على قدميها للوصول إلى المكان للتعرف إلى جثمان ابنها الذي علمت أنه استشهد قبل شهرين في أحد شوارع بلدة بني سهيلا، ولم يتم انتشال جثمانه حينها بسبب ملاحقة طائرات "كاود كابتر" لمن يحاولون انتشال جثامين الشهداء، ولم يتم لاحقاً العثور على جثمانه في المنطقة التي أبلغت العائلة باستشهاده فيها. 
تقول بركة لـ"العربي الجديد: "ابني استشهد، لكني أريد تكريمه كشهيد، وسأقوم بدفنه بنفسي بعد استشهاد زوجي في الشهر الأول من العدوان. كان ابني رجلاً حقيقياً، وأريد دفنه في مدينة خانيونس حتى أتمكن من زيارة قبره، لكننا تعرضنا للمزيد من الخذلان وكسر الخاطر، ولم نتمكن من التعرف إلى الجثامين".
وكانت الجثامين التي سلمت أخيراً للجانب الفلسطيني من ضمن المئات من الجثامين التي لم يكشف الاحتلال عن هويتها أو حتى المناطق التي نقلت منها، حتى أنه لم يستجب لاستفسارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتولى التنسيق مع الجانب الفلسطيني.
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن عدم التصريح بأماكن نقل الجثامين أو هوية أصحابها هدفه محاولة الاحتلال إخفاء جرائمه بحق المدنيين، وكذا التعمية على جريمة مصادرة الجثامين من داخل المستشفيات والمنازل، وحتى المقابر التي قام بنبشها. 
ويقول مدير دائرة الإمداد بالدفاع المدني، محمد المغير، إنه يجري التعرف إلى عدد من الجثامين، ومعرفة مصير بعض المفقودين بعد كل مجزرة إسرائيلية، إذ ينشر نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور الشهداء الذين تم انتشالهم أو دفنهم كي يتعرف ذووهم إلى هويتهم.

درجة تحلل الجثامين تمنع التعرف عليها (محمد الحجار)
درجة تحلل الجثامين تمنع التعرف عليها (محمد الحجار)

ويوضح المغير لـ"العربي الجديد": "الجثامين التي وصلت أخيراً من الاحتلال كانت متحللة تماماً، وأحد الأكياس كانت فيها قرابة 22 جثة، وقد استغرقنا وقتاً طويلاً لإحصاء عدد الشهداء فيه، وقد صدمنا هذا الكيس بشكلٍ كبير، إذ لم تكن توجد فيه جثة واحدة كاملة. ملف المفقودين معقد جداً، وقد يطول العمل عليه لسنوات مقبلة". 
كان الطبيب الشرعي محمد سعيد أحد أفراد الطواقم الطبية المكلفة بفحص الجثامين، وقد صدمته بشاعة المشهد، فالجثامين جاءت في شاحنة كبيرة، وبدت في الظاهر منظمة في أكياس بلاستيكية، لكن تبين أن الاحتلال يريد تجميل الصورة عبر إظهار ترتيب الجثامين قبل تسليمها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 
يوضح سعيد لـ"العربي الجديد": "الجثامين لأشخاص من أعمار مختلفة، وبعضهم أطفال، وآخرون من كبار السن، وهناك جثامين لسيدات، وقد أثارت استغرابنا مصادرة جثامين السيدات، حتى أن بعضهن كبيرات في السن، وهو ما لم نجد له مبرراً منطقياً. كل الجثامين متحللة، وهي متحللة أكثر من جثامين جرى تسليمها سابقاً، والتحلل الكبير يجعلنا لا نعرف ماذا فعل بها الاحتلال، كما أنهم سلموها من دون أي معلومات، وهذا مخالف للقانون الدولي الإنساني. كانت هناك عائلات كثيرة تنتظر التعرف إلى شهدائها، لكنها عادت مكسورة الخاطر".
ويضيف: "أصحاب هذه الجثامين استشهدوا قبل شهر أو شهرين وفق درجة التحلل، ونعتقد أن منهم من تم وضعه في ثلاجات بعد مصادرة الجثامين من أجل أهداف غير معروفة، والكثير من الجثامين جرى تشريحها قبل تسليمها، ما يشير إلى إمكانية سرقة أعضاء بشرية، لأن هناك تفاصيل غير منطقية". 

وتعتقد وزارة الصحة في غزة أن الجثامين الـ80 تعود لأشخاص استشهدوا في مناطق شهدت توغلات إسرائيلية في شمالي القطاع ومدينة غزة، وكذلك مناطق أخرى في وسط القطاع، والتي سُجلت فيها أعداد كبيرة من المفقودين، وشوهد فيها كثير من الجثامين الملقاة على الأرض، وحين عاد السكان إلى تلك المناطق لاحقاً لم يجدوها.
ودفنت جثامين الشهداء الثمانين في مقبرة جماعية تم حفرها عبر جرافات في المنطقة التي تُعرف بـ"المقبرة التركية"، وهي تقع خلف الحي النمساوي في جنوب غرب مدينة خانيونس، وتم دفن عدد من الجثامين التي سلمها الاحتلال الإسرائيلي سابقاً فيها.
وبلغت أعداد جثامين الشهداء المنتشَلين حتى الآن من المقابر الجماعية في القطاع إلى 454 جثماناً، وكان هؤلاء مدفونين في مقابر جماعية أنشأها الاحتلال، وغالبيتها بالقرب من مستشفيات القطاع التي جرى اجتياحها، كما انتشلت الطواقم الطبية ما يزيد على 400 جثة، بعضها لم يتم التعرف إلى أصحابه، وأخرى انتشلتها طواقم الدفاع المدني من دون معرفة أصحابها، وكلها جرى تسجيلها باعتبارها مجهولة الهوية.

المساهمون