استمع إلى الملخص
- **قصص معاناة الأسر الفقيرة:** تعاني الأسر الفقيرة من صعوبات كبيرة، مثل فادي أبو حجر الذي لم يسدد ديونه، وهمام أبو بيض الذي يعيش في خيمة نزوح، وهدى قزعاط التي تحتاج إلى الأدوية وحليب الأطفال.
- **تحديات توزيع المساعدات:** تواجه وزارة التنمية الاجتماعية صعوبات في توزيع المساعدات بسبب الظروف القائمة، لكنها قدمت دعماً مالياً لنحو 10 آلاف أسرة ومساعدات طارئة لأكثر من 172 ألف أسرة.
يعيش جميع سكان قطاع غزة ظروفاً كارثية منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إذ فقد معظمهم إن لم يكن جميعهم ممتلكاتهم ومدخراتهم، لكن أوضاع الأسر الأشد فقراً أصعب لعدم تسلم الدعم المالي المقرر لهم.
لا يعرف الآلاف من سكان قطاع غزة مصير الدعم المخصص من قبل وزارة التنمية الاجتماعية للأسر الأشد فقراً، والذي كانوا يحصلون عليه قبل بدء العدوان الإسرائيلي كل ثلاثة أشهر، لكنهم منذ بداية العدوان لم يحصلوا على شيكات الدعم.
ويصل عدد الأسر المستفيدة من الدعم المالي إلى أكثر من 86 ألف أسرة مسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية، في حين يحصل قرابة 40 ألف موظف تابعين للسلطة الفلسطينية على مرتباتهم رغم صعوبات الوصول إلى السيولة المالية بسبب قلة الصرافات البنكية الآلية ومحدودية عددها.
وكانت العائلات الفقيرة تعتمد على مبالغ الدعم الحكومية في توفير بعض المواد التموينية الأساسية، أو الأدوية الضرورية، وكذلك الحاجيات الأسرية مثل شراء الأثاث أو الفرش الموسمي بالتقسيط، وكذلك الأجهزة الكهربائية مثل المراوح والغسالات، وبطاريات تخزين الطاقة التي تعد أساسية في المنازل في ظل أزمة الكهرباء المتواصلة مع تواصل سنوات الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006.
وكان كثيرون منهم يشترون أغراضهم بالدين من المحال التجارية والبقالات القريبة من منازلهم، مع الاتفاق على أن يتم تسديد جزء من الدين كل ثلاثة أشهر حين يحصلون على "شيك الشؤون" بحسب ما يطلق على مبالغ الدعم بين سكان غزة.
صعوبات متفاقمة في تحديد نقاط توزيع المساعدات المالية في غزة
لم يسدد فادي أبو حجر (53 سنة) ديون البقالة منذ أكثر من عام، وهو ينتظر الحصول على المبلغ المالي المخصص له في الدعم للتسديد، ومثله العشرات ممن يتبعون أسلوب الاستدانة والسداد عند تسلم "شيك الشؤون". يقول لـ"العربي الجديد": "عائلتي مكونة من سبعه أفراد، وأحصل على مبلغ 1500 شيكل (399 دولاراً) كل ثلاثة أشهر، وتعتبر عائلتي من بين الأسر الأشد فقراً في غزة، كما أحصل على دعم من مؤسسة إنسانية لأن لدي أطفالاً في المدارس. حياتي صعبة مثل الكثير من أهل القطاع، لكني لا أملك أدنى مقومات الحياة منذ بداية العدوان، وعندما أحصل على صندوق من الطعام أشعر بسعادة غامرة لأنني سأتناول طعاماً حقيقياً، حتى لو كان ذلك ليوم أو يومين فقط".
يعاني أبو حجر إعاقة في الساق، ما يجعله عاجزاً عن العمل، وقد ناضل لعامين من دون مساعدات من وزارة التنمية، في انتظار معاينة حالته، حتى تم إقرار صرف مساعدات له في عام 2017، ضمن دعم الأسر الأشد فقراً، لكنه ظل يصارع مع الحياة حتى تحصل زوجته على فرصة عمل، ولو مؤقتة، في وكالة "أونروا" أو أي من البرامج الحكومية، كي يتمكنا من إعالة أسرتهما، وقد حصلت الزوجة على عقد عمل مؤقت لمرة واحدة. يوضح: "كنا نتعرض لإذلال كبير طوال سنوات الحصار الإسرائيلي، وقبل إعاقتي كنت أعمل في النجارة، ثم سرحت من عملي، وأصبحت عامل مياومة، وكنت أحصل على ما يكفيني لتوفير الطعام، ثم أصبت في العدوان على القطاع عام 2014، وبعدها كنت أحصل على دعم من إحدى المؤسسات، ثم توقف الدعم، فصارعت للحصول على مساعدة من وزارة التنمية، والآن أعتبر من فئة المطحونين، وباتت الأسر الأشد فقراً أفضل من أسرتي".
تتكون عائلة همام أبو بيض (56 سنة) من 10 أفراد، وهي ضمن قائمة الأسر الأشد فقراً بحسب سجلات وزارة التنمية الاجتماعية، وكانت العائلة تحصل على مساعدات مالية منذ قرابة 10 سنوات بعد أن خسر رب الأسرة مصدر رزقه في مجزرة حي الشجاعية خلال عدوان عام 2014، ويعيشون حالياً على انتظار صرف الدعم المالي الحكومي، فالمبلغ المالي يتيح لهم شراء بعض المواد التموينية.
نزحت العائلة منذ بداية العدوان أكثر من 10 مرات، ويصف همام لـ"العربي الجديد"، ما عايشه خلال أشهر العدوان الماضية بأنه "إذلال متعمد متكرر للحصول على المساعدات بطلوع الروح"، ويؤكد أنه حاول التواصل مع العديد من العاملين في وزارة التنمية الاجتماعية للسؤال عن موعد استئناف صرف الدعم، وكانت جميع الردود تفيد بأنه لا شيء محدداً في ظل الحرب، ولا يمكن معرفة متى يمكن صرف المساعدة المالية.
توقف دعم وزارة التنمية الاجتماعية لعدد كبير من أسر الأيتام في غزة
يضيف: "أخبرني أحد العاملين في وزارة التنمية أنهم قد يستبدلون المساعدات المالية بمساعدات عينية طارئة مثل الطرود الغذائية وغيرها مما يتلقونه من دول إقليمية وأجنبية، لكنني حصلت علي مساعدات من وكالة أونروا وبرنامج الأغذية العالمي فقط، وكان شقيقي ممن نزحوا إلى مبنى وزارة التنمية الاجتماعية في دير البلح، والذي تعرض لقصف إسرائيلي في مايو/أيار الماضي".
يقول: "كنت أحصل على مبلغ 1800 شيكل كل ثلاثة أشهر من وزارة التنمية، وهذا المبلغ كان يمكنني من سداد بعض الديون، وتوفير قدر من حاجات أسرتي من المواد التموينية مثل الأرز والدقيق والسكر، وبعض البقوليات التي يمكن تخزينها لفترات طويلة، لكن مع استمرار العدوان أصبحنا نعيش تحت رحمة المساعدات الشحيحة، والتي لا تكفي لسد جوع أسرتي التي تعيش داخل خيمة نزوح في وضع صعب".
وكان عدد كبير من أسر الأيتام يحصل على دعم مالي من وزارة التنمية الاجتماعية. من بين هؤلاء هدى قزعاط (58 سنة) التي تعيش مع خمسة من أبنائها منذ وفاة زوجها قبل أكثر من 15 عاماً، وهي تعاني أمراضاً مزمنة، وتحتاج إلى قيمة مساعدات الشؤون الاجتماعية لشراء الأدوية والمواد التموينية. تقول قزعاط لـ"العربي الجديد": "يتيح المال لي شراء الأدوية، وتوفير حليب الأطفال لحفيدي الذي يعاني سوء التغذية، وهو كذلك في حاجة إلى مياه معدنية للشرب. مهما حصلنا على مساعدات فإنها لا تكفي، وأصبحنا نعيش تحت رحمة المحسنين، وفي هذا مذلة، وفي بعض الأحيان أعيش من دون أدوية لأسابيع، وقد أفارق الحياة في أي لحظة، وعادة أنتظر أكثر من 10 أيام للحصول على حليب للطفل، والذي دخل إلى المستشفى مرتين جراء سوء التغذية، بينما بقية أفراد العائلة يعانون تبعات الجوع".
وشعر كثيرون بالغضب بعد تصريح لوزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، سماح حمد، تحدثت فيه عن صرف دفعة كاملة من مخصصات الأسر الفقيرة المستفيدة من برنامج التحويلات النقدية في الضفة الغربية في السادس من أغسطس/آب الحالي، تشمل أكثر من 27 ألف أسرة مستفيدة، بمبلغ إجمالي يتجاوز 60 مليون شيكل بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع منظمة "يونيسف"، وذكرت أنه تم صرف مساعدات مالية لنحو 60 ألف أسرة من أصل 86 ألف أسرة مسجلة في قطاع غزة.
ويؤكد القائم على برنامج التنمية في الوزارة، محمد خلف، أنهم يواجهون صعوبات في تحديد نقاط توزيع المساعدات المالية في ظل الظروف القائمة، إلى جانب الضغوط التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية بشأن التحويلات المالية، ومحاولات الاستفزاز من الجانب الإسرائيلي، وتكرار تعطيل مخصصات السلطة من أموال المقاصة، إلى جانب عدم وجود آلية لفتح البنوك لصرف شيكات المساعدات.
يوضح خلف لـ"العربي الجديد" أن "الإجراء المعمول به هو توقيع الأسر المستفيدة من الأموال، وتلك الآلية لا يمكن تنفيذها حالياً في قطاع غزة، فضلاً عن عدم حصر أعداد الأسر التي استشهد جميع أفرادها، أو استشهد رب الأسرة المستفيدة من الدعم، ولا يمكن تجاهل قصف غالبية مقار الوزارة في محافظات غزة الخمس، لكننا استطعنا توفير دعم مالي لنحو 10 آلاف أسرة في غزة، من أصل أكثر من 45 ألف أسرة ستصلها مخصصات طارئة خلال شهر سبتمبر/أيلول القادم".
يضيف: "نعلم أن الكثير من الأسر تعيش أزمة غير مسبوقة، وأن الظروف غاية في الصعوبة، ولا يمكن للغالبية توفير السيولة المالية، لكن الوزارة تبذل أقصى ما في وسعها، وتحاول بكل السبل الممكنة توفير الموارد المالية اللازمة لمساعدة أهلنا في غزة، وفي الضفة والقدس، وكل الأراضي الفلسطينية التي يحاول الاحتلال عزل سكانها مالياً، وحرمانهم من أي ارتباط مع السلطة الفلسطينية، مع مواصلته قرصنة أموال المقاصة، والاقتطاعات الأخيرة غير مسبوقة".
ويشير إلى أن الوزارة قدمت مساعدات طارئة لأكثر من 172 ألف أسرة في قطاع غزة، استفاد منها أكثر من مليون ومئتي ألف فرد، ما يشكل 55% من عدد سكان القطاع، وكانت تلك المساعدات تضم طروداً غذائية وألبسة ومفروشات وغيرها، لكن نتيجة النزوح المتكرر، وقصف أماكن النزوح، لم يتمكن كثيرون منهم من الاستفادة كثيراً من تلك المساعدات".