حوّل صيّادون كثر في غزة قوارب الصيد خاصتهم إلى قوارب نزهة بعد تعثّرهم في مرّات كثيرة في تأمين رزقهم، نتيجة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتعريض أنفسهم للخطر في عرض البحر إلى جانب قلّة الأسماك المتوفّرة في مساحة الصيد المتاحة لهم.
من بين قوارب النزهة تلك، ينشط قارب أحمد أبو ريالة (39 عاماً) في ميناء مدينة غزة منذ بداية يونيو/ حزيران الماضي، بعدما حوّل قاربه الخاص بالصيد إلى "العمل السياحي"، فزوّده بمقاعد خشبية.
وإذ يشير أبو ريالة إلى أنّ رحلة الصيد الأخيرة التي قام بها كانت في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، يخبر أنّه تعرّض لتهديدات من قبل قوات الاحتلال مرّات عدّة، وكاد أن يُصاب برصاصة بندقية واحد من عناصرها في مرّة. لكنّ الإصابة طاولت قاربه فحسب، وكانت هذه الحادثة نقطة تحوّل أجبرته على تحويل وجهة قاربه الذي ورثه عن والده وصار مصدر رزقه هو وأطفاله الأربعة. وهو كان يعمل مع أشقائه الستة ووالدهم الذي ترك لهم ثلاثة قوارب، فاشترى حصّة شقيقه بميراث أحدها ليعمل عليه. لكنّ القارب أُصيب في خلال عامَين ثلاث مرّات بطلقات نارية استهدفته بها قوات الاحتلال حتى لا يتقدّم اكثر في البحر في خلال رحلات صيد.
ويقول أبو ريالة لـ"العربي الجديد": "أنت تركب البحر إذاً تركب الموت. قبل عام 2010، لم أكن متزوّجاً، وكنت مجازفاً لا تهمني الانتهاكات الممارسة من قبل الاحتلال ولا إطلاقه النار أو غير ذلك، لأنّ هذا واقعنا. أمّا اليوم فقد اختلف الأمر، وليس لأطفالي أحد غيري. والمهن كلّها خطرة من حولنا، وأنا لا أعرف غير الصيد، لذا ارتأيت أن أحوّل قاربي إلى العمل في النقل السياحي مع ما يتوفّر من رزق من خلال ذلك، حتى لا أعرّض نفسي للخطر ويصير أبنائي أيتاماً".
بدوره، حوّل أحمد بكر (29 عاماً) قاربه إلى وجهة سياحية، قبل ثلاثة أشهر، بعدما اصطدم "طرّاد" للاحتلال به في بداية العام الجاري، وأصيب على أثرها برضوض في كتفه وساقه. لكنّ بكر لا يخفي أنّه يخرج للصيد في بعض الأيام، مع أبناء عمّه على متن قاربهم الكبير. ويقول بكر لـ"العربي الجديد" إنّ "الجولات السياحية البحرية تنشط في الوقت الحالي، فنصطحب مثلاً عائلة في جولة لقاء 10 شواقل فقط (نحو ثلاثة دولارات أميركية)، نصفها يذهب ثمناً للوقود".
يضيف بكر: "نبدأ بالعمل في الصباح، عند شروق الشمس، لنعود بعد العصر. ونحاول الاستفادة من هذا الموسم السياحي قدر الإمكان، إذ لا نعرف كيف يكون الأمر في الشتاء. بالتاكيد سوف يتراجع عدد السياح، لكنّ ذلك يبقى أفضل من الصيد والموت". ويشير بكر إلى أنّ "أصحاب قوارب صيد كثيرة يحاولون العمل في مجال السياحة الى جانب الصيد، وهو ما يؤثّر على التنافس في ما بينهم. ويعيش الصيّادون في ظروف صعبة على الرغم من أنّ ذروة الصيد تأتي في هذا الوقت، ما بين نهاية فصل الربيع ونهاية فصل الخريف. فالانتهاكات الإسرائيلية مرتفعة في الوقت الحالي وتدفع كثيرين إلى البحث عن أيّ وسيلة رزق جانبية".
وقد راحت الاعتداءات الإسرائيلية تشتدّ على الصيّادين بشكل كبير منذ عام 2007، مع بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، علماً أنّهم كانوا قبل الحصار يتعرّضون إلى اعتقالات وإصابات عقب انتفاضة الأقصى في عام 2000. يُذكر أنّ سجلات وزارة الزراعة التابعة للسلطة الفلسطينية قبل عام 2000 كانت تبيّن أنّ القطاع يضمّ أكثر من 10 آلاف صيّاد، فيما تقلّصت أعدادهم كثيراً مع مطلع عام 2022 لتصل إلى نحو ثلاثة آلاف و600 صيّاد يعملون على أكثر من 650 قارب.
وبحسب ما يفيد نقيب الصيّادين نزار عياش، فإنّ أكثر من 60 ألف شخص يعتاشون من صيد الأسماك وبيعها، ويلفت إلى أنّ نسبة من القوارب صارت سياحية، خصوصاً مع تصاعد الانتهاكات في فصل الربيع عندما يكون الصيد وفيراً وفي فصل الصيف مع توجّه الناس إلى السياحة البحرية. يضيف عياش أنّ أكثر من 2000 عامل مسجّلون في قطاع الصيد غير قادرين على كسب قوتهم من البحر، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المواد اللازمة لإصلاح مئات من القوارب غير المستخدمة، لافتاً إلى أنّ إغلاق البحر والتلاعب بمساحة الصيد لا ينطويان فقط على منع الصيّادين من كسب قوتهم إنّما يؤثّران كذلك على التطوير السياحي وتمكين القوارب من خوض رحلات صيد وفيرة.
ويتابع عياش أنّ "قطاع الصيد يشكّل في غزة نحو 15 في المائة من إجمالي ناتج الاقتصاد، في أفضل الحالات. لكنّ الصيّادين بالنسبة الكبرى منهم صاروا فقراء. ومن بين هؤلاء من ورث مثلي ومثل غيري مهنتهم عن آبائهم، وثمّة عائلات كبيرة تضمّ صيّادين راحوا يلجأون إلى القوارب السياحية مؤقتاً... لكن كيف يعتاشون بعدها"؟