عادة ما يشكو أهالي الأطفال المصابين بالتوحد من صعوبة تربية أبنائهم وتوفير الرعاية المناسبة لهم، لكنّ قصة الطفل التونسي مهدي الزهاني مُلهمة، فهي عنوان للنبوغ وتحدي المرض وكل المفاهيم والإشاعات المرتبطة به.
نجح الزهاني الذي لم يتجاوز الـ 12عاماً من عمره في تأليف كتاب بعنوان "بصمة في حياتي"، لخّص من خلاله تجربته مع مرض التوحد، والمشاكل التي اعترضته في المجتمع، وعزّزها ببعض النصائح للأطفال الذين يعانون من هذا المرض، ليكون دليلهم ويساعدهم على تجاوز بعض العراقيل والصعوبات.
برزت موهبة الزهاني في الكتابة والتعبير منذ صغره، فقد بدأ في كتابة عدة خواطر منذ سن 8 سنوات، ويستعد لإصدار كتاب ثان قريبا، سيركز فيه على مرض التوحد وكيفية التغلب عليه ومساعدة المرضى به.
تقول والدته ريان الحكيمي لـ"العربي الجديد"، إنها "اكتشفت أن طفلها مريض بالتوحد في عمر السنتين، وقررت منذ ذلك الحين ترك عملها والتفرغ للاهتمام به، وتلقت تكوينا وتدريبا في التعامل مع أطفال التوحد لتتمكن من مساعدة ابنها، فركزت على السلوك وعلى المشاكل التي تعترض طفلها"، مشيرة إلى أن "الأمر لم يكن سهلا وكانت هناك عدة صعوبات، من ذلك أنها رفضت مدّ طفلها بأي دواء يعالج اضطرابات السلوك لإيمانها بأن الدواء لا يعالج المشكل الحقيقي بل يمنح سكينة مؤقتة للطفل ثم سرعان ما ستعود للظهور، والتالي كان لا بد من العمل على المشكل الحقيقي".
وتضيف "كان ابني يعاني من التوحد من الدرجة الثالثة أي العميق، وكانت لديه صعوبة في الكلام، لكنني مع ذلك كنت أحدثه طويلا، وفي سن ثماني سنوات طلبت منه كتابة ما يريد قوله لتتمكن من التواصل معه، وبذلك اكتشفت قدرته على الكتابة والتعبير والتي كانت تفوق سنه، فقد كان محباً لكتابة الخواطر والشعر".
وتوضح والدته، أنّ ابنها انطلق من تجربته وكتب ما كان يمر به من مضايقات، من ذلك التعنيف الذي كان يطاوله عند بعض المختصين المكلفين بعلاجه، إذ كانوا يصرخون عليه ويعاقبونه بمجرد أن أغادر العيادة، لافتة إلى أن مهدي فضّل التحدث عن تجربته الشخصية، ثم تقديم نصائح فكانت "بصمة في حياتي"، هو العنوان الذي اختاره لمجموعته التي تضمنت 80 صفحة وتطرق خلالها للألم والأمل، والأنا والإنسانية.
وتبيّن المتحدثة أنها وبحكم تجربتها مع طفلها فقد اختارت أن تساعد بقية الأطفال المرضى، وكانت تحاول تقديم النصائح اللازمة للأمهات، مبينة أن معالجي أطفال التوحد بإمكانهم الاستعانة بكتاب "بصمة في حياتي" لأنه سيرشدهم إلى عدة مسائل.
وعن طموحات طفلها، فتقول إنها أكبر من الكتابة بل يأمل بعلاج مرضى التوحد، وقد ركز على ذلك في كتابه الثاني من خلال نصائح لمعالجة سلوك الطفل المتوحد، وأن يقدم تجربته ونصائحه لبقية الأطفال، ليس في تونس فقط، بل في كل العالم.
وتوضح الأم أن ابنها يطمح للتواصل مع مختصين في الخارج، وهو متأكد أنه سيترك بصمته، فقد تقبل مرضه ولم يعد لديه إشكاليات في أن يكون مختلفا، كما أنه سريع التأقلم في المجتمع، ومحبوب من قبل أغلب من يعرفه.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني شخص من بين كل 160 من اضطرابات طيف التوحد، وتتباين قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد ويمكن أن تتطور مع مرور الوقت. قد يتمكن بعض الأشخاص المصابين بالتوحد من التمتع بحياة مستقلة، ولكن بعضهم الآخر يعاني من إعاقات وخيمة وبحاجة للرعاية والدعم مدى الحياة.
ويتعرض الأشخاص المصابون بالتوحد في كثير من الأحيان للوصم والتمييز وانتهاك حقوق الإنسان. ومن الضروري أن تكون الرعاية التي تستهدف المصابين بالتوحد مصحوبة بإجراءات اجتماعية ومجتمعية لمزيد من التيسير والشمول والدعم.