لطالما شكّلت مرحلة الدراسات العليا هدفاً أساسيّاً للطلاب الراغبين بمتابعة تحصيلهم الجامعي خارج لبنان، لا سيّما في الجامعات الأميركية والأوروبية. إلا أنّ هذا الطموح اصطدم لدى بعض طلاب الجامعة اللبنانية بعوائق الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار من جهة، وجائحة كورونا التي أدّت إلى تأخير الامتحانات وإصدار النتائج النهائية من جهة أخرى.
ففي وقت تمكّن عددٌ من الطلاب المتفوّقين من نيل منح جزئية أو كاملة ضمن برامج المنح المشتركة، حُرم زملاؤهم المقبولون خارجاً والمجتهدون بدورهم من هذه الفرصة، لعجز ذويهم عن تأمين كلفة التسجيل والدراسة والسفر ومتطلّبات العيش، بعدما باتت العملة الصعبة أسيرة المصارف والسوق السوداء، وتحوّلت رواتبهم إلى أجورٍ زهيدة في وقت تأثرت بعض المهن الحرة.
تقول المنسّقة العامّة لمكتب العلاقات الخارجية في الجامعة اللبنانية الدكتورة زينب سعد، في اتصال مع "العربي الجديد"، إنّه لدى الجامعة "العديد من البرامج المشتركة الخاصّة بالمنح الجامعية خارج لبنان، وذلك ضمن اتفاقياتٍ موقّعة مع جهاتٍ أكاديمية وعلمية داخلية وخارجية، يستفيد منها المتفوّقون. ومن بين هذه البرامج، تلك المعقودة مع المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS)، والوكالة الجامعية الفرنكوفونية (AUF)، وغيرهما، والتي تشترط الالتزام بتواريخ محدّدة لتقديم أسماء المستحقّين".
وتقول: "سعينا بجهد مع الجهات المعنيّة والجامعات الخارجية لتفادي حرمان أيّ طالب مستوف للشروط من هذه الفرصة. وبناءً على ذلك، تمّ اختيار الطلاب وفق علامات الفصل الأول من هذه السنة، بينما كنّا عادة ننتظر نتائج الفصل الأخير. وقد اعتمدنا الآلية نفسها في برنامج المنح المشترك مع السفارة الفرنسية، واشترطنا على الطلاب المستحقّين إتمام الفصل الثاني بنجاح واستيفاء المعدّل المطلوب". وتنفي أن يكون "أيّ طالب متفوّق قد حُرم من منح الجامعة اللبنانية، سواء بسبب أزمة الدولار أو جائحة كورونا، كما أنّنا لم نقم بإلغاء أيّ برنامج منح من جرّاء تأخّر الامتحانات. على العكس، حصلنا على 7 منح من السفارة الفرنسية من أصل 10 على صعيد لبنان، بالإضافة إلى 5 منح من الوكالة الجامعية الفرنكوفونية من أصل 7، و4 منح من المجلس الوطني للبحوث العلمية، إلى جانب منحٍ أخرى، ليراوح عدد المنح هذه السنة ضمن البرامج المشتركة ما بين 18 و20 منحة، معظمها إلى فرنسا".
وتتحدّث سعد عن "برنامج وحيد ما زال ينتظر النتائج النهائية، كونه يشترط اختيار أسماء الطلاب بعد إنهاء العام الدراسي، وهو برنامج منح غير مشترك خاص بالجامعة اللبنانية ومموّل من الدولة اللبنانية، غير أنّ النتائج لن تتأخّر وستصدر أواخر الشهر الجاري، علماً أنّ طلاب الدكتوراه يسافرون عادةً خلال شهرَي نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول"، لافتةً إلى أنّ "برامج المنح المموّلة من قبل الاتحاد الأوروبي لم تتأخر، فهي لا تخضع لوقت محدد ولا إشكالية حولها". تضيف: "بمجرد التوقيع عليها من الجامعة والاتحاد، تمنح للطلاب المستحقين، خصوصاً أنّ أموال هذه المنح تأتي من الخارج ولا تقع على عاتق الجامعة".
وتكشف سعد أنّ "الجامعة اللبنانية بادرت، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية، إلى الالتزام بكل الاتفاقيات الموقّعة والمتعلّقة بمنح الدكتوراه للطلاب الذين حصلوا عليها منذ سنة أو سنتين. وقامت بتحويل المبالغ المخصّصة إلى حساباتهم في الخارج وفق سعر صرف 1550 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي". وإذ تؤكّد أنّ "عدد طلاب الماجستير في الخارج ضمن برامج المنح المشتركة، هو عدد قليل جداً"، تشدّد على أنّ "الجامعة حريصة على أن تكون قيمة كل منحة كافية لكل طالب، غير أنّه لا علاقة للجامعة بالطلاب الذين يسافرون للتخصّص على نفقتهم الخاصة، ولا حتّى بالجامعات الخارجية التي لم نبرم أيّ اتفاقية معها".
في هذا الإطار، تقول ديالا، وهي طالبة في الجامعة اللبنانية، إنّها كانت تنوي السفر إلى فرنسا مطلع شهر مارس/ آذار الماضي لمتابعة دراسة الماجستير على نفقتها الخاصّة. إلا أن بعض الأوراق المطلوبة دفعتها للتأجيل، قبل أن يتمّ إقفال المطار وإلغاء الرحلات من جرّاء تفشي فيروس كورونا. وتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أرغب بالتقدم إلى منحة دكتوراه بعد وصولي إلى فرنسا، قبل أن أخسر فرصة إتمام درجة الماجستير. على الرغم من كل التكاليف، اضطررت إلى إنجازها في لبنان". وتضيف: "قدّمت لاحقاً على منحة دكتوراه لدى الجامعة اللبنانية عبر الوكالة الجامعية الفرنكوفونية، لكنّني طلبتُ إلغاءها بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، كون قيمة المنحة لا تتجاوز ألفي يورو على مدى 6 أشهر، والوضع الاقتصادي لأهلي لا يسمح بتأمين مبلغ إضافي، خصوصاً أنّه يجب أن يكون بالعملة الصعبة".
أمّا حنين الحاج سليمان، وهي طالبة في الجامعة اللبنانية أيضاً، فتمّ قبولها من إحدى جامعات فرنسا لإكمال درجة الماجستير في هندسة الصناعات الغذائية على نفقتها الخاصّة. لكنها حُرمت بدورها من هذه الفرصة نتيجة لاغلاق المطار بعد يومين من حصولها على التأشيرة. تقول لـ"العربي الجديد": "زيادة حدّة الأزمة الاقتصادية والمعيشيّة دفعتني إلى عدم التفكير بالسفر في ظل صعوبة تحويل الدولار إلى الخارج. لذلك، ثابرتُ على إكمال رسالة الماجستير في لبنان"، آملةً بالحصول على منحة دكتوراه في الخارج تكون مموّلة بالكامل، حتى لا تترتّب أيّ أعباء مادية على أهلها.
وبينما تبقى أزمة الطلاب الذين ينوون بدء الدراسة في الخارج قائمة ولا حديث عن حلّ لها، تتجه أزمة الطلاب الذين يدرسون أساساً في الخارج منذ العام الماضي إلى الحلّ الجزئي، إذ وقع رئيس الجمهورية ميشال عون، يوم الجمعة الماضي، القانون الرامي إلى إلزام المصارف العاملة في لبنان، بصرف مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة لبنانية)، عن العام الدراسي 2020 – 2021، للذين يدرسون في الخارج قبل العام المذكور، وهو ما يعرف بـ "الدولار الطالبي"، وذلك بعد إقراره في مجلس النواب، في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، ما يحررهم من رحمة صرف الدولار في السوق السوداء لتغطية دراستهم، الذي بلغ سعره 7500 ليرة لبنانية أمس الثلاثاء.