كانت حادثة اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي الشهداء الفلسطينيين الثلاثة، أحمد زهران ومحمود حميدان وزكريا بدوان، من بلدة بدو شمال غرب القدس وسط الضفة الغربية، في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي؛ نقطة تحوّل لدى عائلاتهم للسير في نضال حقوقي من أجل استرداد جثامين أبنائهم، التي احتجزت منذ يوم الاغتيال في ثلاجات الاحتلال الإسرائيلي.
انضمت الأسر الثلاث إلى عشرات العائلات الفلسطينية التي تحرم من لحظة توديع أبنائها ودفنهم وفق عاداتهم وتعاليم دينهم.
منذ عملية الاغتيال، أقام الأهالي خيمة اعتصام دائمة في بلدة بدو، كما يقول جهاد حميدان عم الشهيد محمود حميدان لـ "العربي الجديد"، وبدأت الفعاليات على الأرض، حيث انطلقت مسيرات بعضها اندلعت خلالها مواجهات مع قوات الاحتلال كما وقع يوم الجمعة الماضي قرب جدار الفصل العنصري المقام على أراضي البلدة.
يقول حميدان إنّ العائلات الثلاث نشطت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي مع أهالي قرابة تسعين شهيدا آخر يحتجز الاحتلال جثامينهم، لم تتوقف مطالباتهم باسترداد الجثامين، لكن حادثة الاغتيال الأخيرة كانت نقطة لإعادة تفعيل الجهود وتنظيم مزيد من النشاطات المطلبية الحقوقية، كالدعوة للاعتصام أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ظهر اليوم الخميس.
عائلات عديدة حضرت محمّلة بصور أبنائها الشهداء الذين يعانون، كما تقول العائلات، من صقيع الثلاجات.
يوضح حميدان أن الأهالي قدموا اليوم لإيصال رسالتهم إلى الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية؛ "نريد تفعيل القضية على مستوى العالم، جئنا لنقول للصليب الأحمر بدنا ولادنا يروحوا، نريد أن يصل صوتنا إلى منظمات الأمم المتحدة وأي مؤسسات يمكن أن تضغط على الاحتلال لتسليم الجثامين".
والدة الشهيد أمجد العزمي، التي قدمت من جنين شمالي الضفة، تقول إنها أتت تحمل رسالة أمهات شهداء مخيم جنين، وخصوصا جميل العموري ونور جرار والأحمدين جرار، ففترة احتجاز الجثامين من أصعب ما يمر على الأهالي كما قالت؛ "لا يشعر بالوجع إلا صاحبه، تجب على الجميع محاولة مسح جرح الآباء والأمهات، هذا مطلب إنساني على كل المؤسسات الوطنية والإنسانية وكل المسؤولين الوقوف من أجل تحقيقه".
أمجد استشهد برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في 16 أغسطس/ آب الماضي في مخيم جنين، مع ثلاثة شهداء آخرين، إثر اشتباك وقع في المخيم مع قوات الاحتلال.
تؤمن والدة أمجد بقضاء الله كما تقول، لكنها في المقابل تؤكد حقها باحتضان ابنها، ولا تستطيع وصف ما تتخيله حين الحديث عن وجود ابنها محتجزا في ثلاجة لدى سلطات الاحتلال؛ "لا أتخيل ابني في الثلاجة يشعر بالصقيع، نحن نشعر بالصقيع مثلهم".
أما عدنان رواجبة، والد الشهيد بلال رواجبة الذي استشهد برصاص الاحتلال في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قرب حاجز حوارة جنوب نابلس، فهو يرى في حديث مع "العربي الجديد" أن المؤسسات الرسمية الدولية، وحتى الفلسطينية، لم تقم بما هو مطلوب منها لاسترداد جثامين الشهداء.
يتابع رواجبة: "لا يوجد لدى المؤسسات الرسمية الفلسطينية خطة عمل واضحة ومحكمة، والأداء في هذا الملف دون مستوى طموحاتنا".
وناشد رواجبة المؤسسات الفلسطينية، وعلى رأسها الحكومة، بالوقوف عند مسؤولياتها وبذل جهد أكبر لاسترداد جثامين الشهداء، وألا تقف عند الشجب والاستنكار، كما طالب المؤسسات الحقوقية بالعمل بشكل جدي وحثيث في هذه القضية الإنسانية، وتابع أنها تشكل الألم والدموع بشكل يومي وآهات مستمرة، وقد أحدثت، كما قال، عملية احتجاز الجثامين توقفا لإحداثيات حياة ذوي الشهداء.
وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز 89 جثمانا، في سياسة تجددت بعد هبة القدس في العام 2015، وقد احتجز الاحتلال المئات من الجثامين مدداً مختلفة، فيما يعود أقدم جثمان محتجز للشهيد عبد الحميد أبو سرور من بيت لحم منذ إبريل/نيسان 2016.