تحكي الحاجة فاطمة (68 عاماً)، عن ابنها بحسرة، بعد أكثر من عام على مغادرته بيت العائلة في قرية أولاد موسى في مدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، سعياً للوصول إلى أوروبا عبر الشواطئ الليبية من دون أن تعرف عنه شيئاً حتى اليوم. وتشعر بالقلق بشأن مصير ابنها المجهول منذ غادر البلاد في 27 مارس/ آذار عام 2021 على أمل الوصول إلى إيطاليا. ولم تستجب الحكومة لمطالب عائلات المغاربة الذين ما زالوا في عداد المفقودين خلال محاولتهم الهجرة السرية إلى أوروبا انطلاقاً من المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو تركيا.
وتقول لـ"العربي الجديد: "لا يعلم بحالنا ومعاناتنا إلا الله. نعيش حزناً وعذاباً يومياً في ظل غياب أي معلومات عن وجوده في تونس أو ليبيا. وعلى الرغم من إغلاق كل الأبواب في وجهنا، نتمسك بمعرفة الحقيقة والكشف عن مصيره".
إلى ذلك، وجدت سهام نفسها فجأة مسؤولة عن طفلين بعدما انقطعت أخبار زوجها الذي غادر المنزل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عبر قوارب الموت على أمل الوصول إلى إسبانيا وتحسين أوضاع عائلته، تقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بالضياع وعبء المسؤولية وقد صرت مضطرة إلى اتخاذ القرارات وحدي وإعالة طفلين"، وتتألم كلما سألها ابنها الأصغر عن مصير أبيه، وتشير إلى أن مطلبها الوحيد من السلطات هو العثور على زوجها حياً أو ميتاً.
وتفيد الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بأن عائلات المهاجرين السريين المغاربة الذين اختفوا خلال محاولات الهجرة عبر قوارب الموت سعياً للوصول إلى أوروبا انطلاقاً من المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو تركيا تعيش "واقعاً أليماً في ظل غياب أجوبة تتعلق بمصير أبنائهم، على الرغم من مساعي بلدان أخرى لكشف مصيرهم".
وما زال مصير عشرات المهاجرين السريين مجهولاً، علماً أن البعض منهم قد يكون معتقلاً. وقد يواجه المهاجرون السريون خطر الموت في أيّ لحظة على أيدي مليشيات مسلحة أو شبكات إجرامية أو الغرق.
ويقول رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق للإنسان إدريس السدراوي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك معطيات تؤكد أن العديد من الشباب المغاربة وصلوا إلى إسبانيا واختفوا في السجون أو سقطوا ضحايا شبكات الاتجار بالبشر، في حين أعيد مهاجرون إلى بعض البلدان المجاورة من قبل خفر السواحل.
ويلفت السدراوي إلى أنه على الرغم من غياب إحصائيات رسمية حول عدد المهاجرين الذين اختفوا خلال محاولات الهجرة السرية، إلا أن العدد يبقى "كبيراً جداً"، موضحاً أن الظروف الاجتماعية والتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا الجديد ساهمت في لجوئهم إلى الهجرة السرية انطلاقاً من المغرب. وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أعلنت في تقرير أصدرته في إبريل/ نيسان الماضي أن أكثر من 3000 شخص توفوا أو كانوا في عداد المفقودين، العام الماضي، أثناء محاولتهم الهجرة السرية عبر المتوسط والمحيط الأطلسي نحو أوروبا، أضاف: "تم الإبلاغ عن وفاة أو فقدان 1924 شخصاً وسط البحر الأبيض المتوسط وغربه، في حين لقي 1153 شخصاً حتفهم أو فقدوا على الطريق البحري لشمال غرب أفريقيا المؤدي إلى جزر الكناري".
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت منظمة رصد الجرائم الليبية عن مقتل 3 مهاجرين مغاربة كانوا محتجزين في مركز احتجاز للمهاجرين في منطقة الماية، شمال غرب ليبيا، وهو ما اعتبره حقوقي مغربي مجرد "غيض من فيض". وقالت المنظمة في بيان، إنها وثقت مقتل المهاجرين الثلاثة، مشيرة إلى أن أحدهم توفي تحت التعذيب في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، فيما عزت وفاة الثاني إلى أسباب صحية من دون الإشارة إلى تاريخ أو سبب وفاة الثالث. أضاف البيان أن جثث المهاجرين نقلت إلى مستشفى الزهراء العام، وقد حملت المنظمة "المجلس الرئاسي الليبي المسؤولية القانونية الكاملة حول هذه الجريمة وغيرها من الانتهاكات المتكررة والمروعة ضد المهاجرين".
وفي السياق، أعلن المركز المغربي لحقوق الإنسان أن "نحو مائتي مغربي غرقوا في عرض البحر منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدما أبحروا نحو الشواطئ الإيطالية"، مستنكراً "تقاعس الحكومة في حماية المواطنين خارج أرض الوطن". ويشير السدراوي إلى أن الحكومة المغربية مطالبة بالتدخل لدى الدول المعنية بملف المهاجرين السريين، منها إسبانيا والجزائر وتونس وليبيا، للكشف عن مصير المهاجرين المغاربة، مع تحمل المسؤولية في استرجاع الجثث وإعادة المحتجزين، ويلفت إلى أن منظمته تفكر في مراسلة الحكومات المغاربية والحكومة الإسبانية للمطالبة بتسريع عودة هؤلاء المفقودين إلى المغرب، وخصوصاً أن هذه الدول صادقت على الاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى رفع شكوى إلى اللجنة الأممية المعنية بالاختفاء القسري، كما يطالب الحكومة المغربية بالاعتراف بهذا الملف بسبب وجود مئات المفقودين.