تطلّب الأمر بعض الوقت قبل أن يتم التعرّف إلى الشهيد منفّذ العملية الفدائية التي استهدفت عناصر من الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من المسجد الأقصى، أوّل من أمس الخميس. لكنّه وبعد فترة قصيرة، تبيّن أنّ الشهيد هو عامر حسام بدر حلبية البالغ من العمر 20 عاماً من بلدة العيزرية جنوب شرقي القدس، علماً أنّ حلبية تُعَدّ كبرى العائلات في البلدة.
والشهيد عامر هو نجل حسام بدر طبيب الأعصاب المشهور على مستوى فلسطين، ووالدته طبيبة كذلك، وهو شقيق توأم لمجد رفيقه على مقاعد الدراسة في كلية الهندسة المدنية بجامعة بيرزيت. كذلك له شقيق في العاشرة من عمره، وشقيقته هي الكبرى وقد اقتيدت مع والدتها للتحقيق بعد اقتحام منزل العائلة الثاني في بلدة بيت حنينا شمالي القدس.
لم يفوّت الشهيد، بحسب ما يفيد من عرفه، مناسبة وطنية إلا وكان حاضراً فيها. ولعلّ حضوره الدائم هذا كان سبباً في في أن يتعرّض للإيذاء من قبل الاحتلال، سواء أكان ذلك بالاعتقال أو بالتنكيل مثلما حدث قبل شهور حين اعتُقل على خلفية مشاركته في الاحتجاج على استباحة المستوطنين مسجد الأقصى. بالإضافة إلى ذلك، هو تعرّض أكثر من مرّة للتنكيل من قبل جنود الاحتلال على مدخل باب العامود، إذ الجنود هناك يتصيّدون الشبّان ويحتجزونهم ويوقفوهم ويعتدون عليهم.
قال الناشط محمد ربيع مسؤول حركة فتح في بلدة العيزرية مسقط رأس الشهيد لـ"العربي الجديد" إنّ "البلدة عرفت عامر بروحه الوطنية الوثابة، وبما اشتهر به من خلق وطني وحماسة وعشق للمسجد الأقصى الذي طالما كان حاضراً في ساحاته للدفاع عنه، وهو ما عرّضه للاعتقال مرّات عدّة قبل استشهاده".
من جهته، لفت محمد حلبية، وهو قريب الشهيد، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "عامر كان توأم روح مجد، لكنّه كان أكثر حضوراً من مجد في ما يجري في محيطه، خصوصاً ما يحدث يومياً في القدس والضفة الغربية من قتل واقتحامات. ولم يتردّد عامر بزيارة قبور الشهداء الذين اغتالهم الاحتلال من أمثال الشهيد إبراهيم النابلسي والتقاط صور له هناك على تلك القبور. كذلك لم يفوّت زيارة عائلاتهم والتضامن معها".
ولفت آخرون من أقارب عامر أنّه وعلى الرغم من بحبوحة العيش التي تنعم بها أسرته، اختار طريقاً آخر بالاعتماد على الذات والخروج للعمل في كلّ فرصة تُتاح له لتأمين مصدر دخل له يعينه في حياته الجامعية وفي تأمين مصاريفه اليومية.
وكان والد الشهيد الدكتور حسام بدر حلبية قد استقبل نبأ استشهاد نجله بثبات ورباطة جأش. وقال لـ"العربي الجديد": "لا نملك إلا أن نترحّم عليه، وندعو الله أن يتقبّله شهيداً. لقد اختار الطريق الذي أراده، ولا اعتراض على حكم الله"، لافتاً إلى أنّ "شعبنا يعيش أوضاعاً صعبة وشبابنا هم الأكثر تأثّراً بما يحدث، وعامر كان واحداً منهم".
وذكر أحد أقارب الشهيد أنّ والد عامر كان كان يجري عملية جراحية معقّدة لأحد المرضى، لحظة ارتقاء نجله، ولم يكن بالتالي سهلاً الاتصال به وإبلاغه بما حصل. وبعدما أُبلغ بذلك بعد انتهائه من العملية، اعتقلته شرطة الاحتلال وفتّشت منزل العائلة في العيزرية قبل أن تتوجّه إلى منزل العائلة الثاني في بيت حنينا لتعتقل والدة الشهيد وشقيقته.
والدة الشهيد التي اقتادتها قوات الاحتلال إلى التحقيق، لم تصدّق استشهاد عامر. وقال أفراد من عائلتها إنّها "ما زالت تعيش حالة صدمة في منزل العائلة الثاني في بيت حنينا، والتي استقرّت فيه قبل سنوات بعد أن حصل الوالد حسام على إقامة دائمة في القدس".
الألم الذي تعيشه العائلة، خصوصاً والدة الشهيد، يبدو مضاعفاً اليوم بحسب عائلتها، مع استمرار الاحتلال في احتجاز جثمانه، خصوصاً مشاهد ما جرى لعامر والتنكيل به وهو ملقى على الأرض بعد أن أصيب بعشر رصاصات في أنحاء مختلفة من جسده ثمّ استشهاده. فهذه مشاهد لن تنسى أبداً.
من جهته، يعيش مجد توأم الشهيد عامر ألماً آخر. فهو شاركه كذلك مقاعد الدراسة في جامعة بيرزيت، فيذهبان معاً إلى الجامعة ويعودان إلى منزل العائلة سواء في بيت حنينا أو في العيزرية. وأكّد قريبهما محمد أنّ "مجد كما والدته يعيشان الصدمة، وهو يرفض الحديث والتعليق، ويمضي وقته صامتاً لا يصدّق ما حدث".
وفي جامعته، يشهد زملاء عامر على وطنيته وحسن خلقه، وقد أكّدوا أنّه كان متأثراً بما يحدث في القدس والمسجد الأقصى، وكذلك بأحداث نابلس وجنين واغتيال الاحتلال عدداً من المقاومين، وهو ما عبّر عنه عامر على صفحته على موقع "فيسبوك".
في سياق متصل، وبعد استشهاد عامر، كتب الأستاذ الجامعي عبد الرحيم الشيخ في منشور أنّه "في الفصل الدراسي السابق، سُجّل في مساق فلسطين: الهوية والقضية الأَخوان مجد بدر وعامر بدر - الذي صار اليوم الشهيد عامر بدر. كان عامر زاهداً في الحضور، لكنّه أعدّ سيرة مؤثّرة عن حياته في القدس، أكمل اليوم سطرها الأخير، بغير الحبر، وخارج الأوراق المسطَّرة. في الامتحان النهائي (منتصف يونيو/ حزيران 2022)، وكانت قاعة الامتحان في ملحق كلية التجارة مكتظة، داعبت الأخوَين، اللذَين جلسا على مسافة قريبة، مقترحاً أن يجيبا الامتحان سويّة، وأقسم العلامة على اثنَين. وحين أيقنا جدية اقتراحي، ابتسم عامر بصمت، فيما قال مجد: أُعطي من علامتي لأخوي. وها هو عامر اليوم يردّ الجميل، ويوزِّع العلامات علينا جميعاً، في جامعة بيرزيت وخارجها".