ما زالت الموروثات القبلية والمفاهيم الخاطئة تسيطر على الكثير من الأسر العراقية حتى يومنا هذا، من بينها حرمان النساء من الميراث، إذ يرى الأشقاء الذكور أنه لا نصيب للمرأة في ميراث الوالدين وهو حقّ للذكور فقط، وخصوصاً إذا كانت متزوجة، على اعتبار أن ما تحصل عليه النساء سيذهب إلى الغريب أي الزوج. كما ترى بعض الأسر أنّ مطالبة المرأة بحقها من أموال أبيها أو أمها أمر معيب للأسرة ولسمعة الأولى.
وإن لوحظ خلال السنوات الأخيرة نيل نساء حقوقهن في الميراث في ظل التمدن وإندماجهن في سوق العمل ونضالهن، إلا أن كثيرات ما زلن محرومات من هذا الحق وخاضعات للسلطة الذكورية، وخصوصاً في المجتمعات القبلية التي تعرف بكونها قاسية.
ويقول عضو مجلس شيوخ عشائر بغداد عبد العظيم الكربولي لـ "العربي الجديد" إن "حرمان النساء من الإرث تراجع بالمقارنة مع زمن آبائنا وأجدادنا بشكل كبير، وخصوصاً بين سكان الأرياف والبادية". يضيف: "يرى البعض أنه لا حق للمرأة في الحصول على الميراث. وعلى الرغم من هذا، كانت عائلات تلتزم بهذا العرف المتوارث وتوزع الإرث بحسب الشرع (الدين الإسلامي)".
ويوضح الكربولي أنّ "شيوخ العشائر اليوم أكثر بعداً عن التقاليد التي تخالف الشريعة. وأرى أن المجتمع القبلي شهد ثورة ثقافية كبيرة. ولا أعرف شيخ قبيلة اليوم يقبل أن يظلم أحد أفراد قبيلته النساء ومخالفة الشرع، بل جميعهم ينصحون باللجوء إلى الشرع أولاً ثمّ العرف القبلي". يضيف: "لا يمكن فرض الرأي على الجميع إذ ما زال البعض متمسكاً بالعرف القبلي". ويشير إلى أن بعض العائلات تحرم المرأة من الإرث طمعاً بالمال أو العقار. إلا أنه يتوقع انتهاء هذا الأمر خلال السنوات المقبلة في ظلّ تطور وعي المرأة والمجتمع.
إلى ذلك، تولي الكثير من العائلات أهمية للذكور في المناطق الريفية وخصوصاً في محافظات جنوب وشمال وغرب البلاد، الأمر الذي يجعل كثيرات مرغمات على الصمت.
وتقول المحامية فاطمة الزهيري لـ "العربي الجديد" إنها لن تقف مكتوفة اليدين أمام أي قضية من هذا النوع، وستدافع عن الضحية أمام القضاء لجلب حقوقها، وإن تشر إلى أنها لم تتقدم بشكوى للدفاع عن حق والدتها المسلوب. وتوضح: "لم نستغرب أن يحرم أخوالي والدتي وخالاتي من إرث والدهم وهي 7 أراض زراعية تتجاوز مساحتها الألف دونم في محافظة ذي قار جنوبي العراق. كما أن موقع بعضها يعد مميزاً. وتقدر كلفتها بنحو تسعمائة مليون دينار (أكثر من 600 ألف دولار). حدث ذلك منذ نحو ثلاثة أعوام. كلّنا ندرك أن هذا غير جائز لكن والديّ اختارا الصمت علماً أنهما يدركان أنّه لا يمكن تجاوز بعض التقاليد. لذلك، ليس بيدي أية حيلة".
ولا يوجد خلاف بين والدة فاطمة وأشقائها، بل إن العلاقات والزيارات مستمرة. لكن ليست جميع الحالات متشابهة إذ إن هناك سلبا لحقوق النساء رغماً عنهن وبالقوة، كما أنهن يخشين التقدم بشكوى لدى القضاء خوفاً من عاقبة أشد وأقسى قد تقع عليهن".
من جهتها، تقول شيرين حمة كريم لـ "العربي الجديد" إن حصتها من ميراث والدتها كانت تقدر بنحو 200 ألف دولار، هي التي كانت تملك مزرعة وثلاث دور ومحال تجارية وقطيعا من الأغنام والأبقار. شيرين التي تسكن مع أسرتها في منزل متواضع في محافظة ديالى شرقي البلاد، تعود أصول عائلتها إلى محافظة أربيل شمالي العراق. وعلى الرغم من أن عشيرتها تلتزم بإعطاء الأنثى حقوقها من الميراث لكن إخوتها لم يفعلوا هذا، عازية السبب إلى "امتلاكهم القوة". تضيف: "لدى إخوتي علاقات قوية مع أجهزة الأمن فضلاً عن امتلاكهم الجرأة لتنفيذ أي عمل مسلح من خلال موظفيهم الذين يعملون في مشاريعهم. هدّدوني بخطف زوجي وأبنائي في حال لم أرض بقسمتي من إرث والدتي، لكن ليس استناداً إلى الشرع بل تقديراتهم التي اقتصرت على نحو 35 ألف دولار. لذلك، رضيت بما قسمه لي أخوتي حفاظاً على سلامة زوجي وأولادي".
من جهته، يوضح عضو رابطة أئمة وخطباء العراق الشيخ أحمد النعيمي أن رأي الشرع "واضح وجلي" في ما يتعلق بتقسيم الميراث وإعطاء حقوق الأنثى، لكن يصعب تطبيقه أحياناً بسبب الفساد الحكومي. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "النزعة القبلية الجاهلية يمكن أن تعود في ظل عدم وجود مظلة قانونية رسمية تحمي القوانين الإنسانية التي شرعتها الديانات السماوية، وهي مشكلة يواجهها العراق. إذ إن بعض من يغتصبون الحقوق يستظلون بالفساد الحكومي".
يضيف أنه في أحيان كثيرة، يعجز أصحاب الحقوق المسلوبة عن التقدم بدعاوى لاستعادة حقوقهم نتيجة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وسطوة السلاح"، مشيراً إلى أن "كثيرين يتنازلون عن حقوقهم أو يتراجعون عن الشكاوى في المحاكم بسبب تهديدهم. والجميع يعلم أن من يهدد اليوم يملك قوة التنفيذ من دون أن يحاسب".