فتحت المواجهات التي وقعت في الرابع من يونيو/ حزيران الجاري، بين مواطنين في عزبة نادي الصيد في حي محرم بك في محافظة الإسكندرية، وقوات الأمن المصرية، ملف إدارة المناطق العشوائية على مصراعيه، وكيفيّة إدارة هذا الملف بالعصا الأمنية. وتظاهر الآلاف من أهالي عزبة نادي الصيد في حي محرم بك في محافظة الإسكندرية في مصر، يوم الجمعة الماضي، ضد مخطط لتهجيرهم من المنطقة التي يقطن فيها نحو 16 ألف نسمة، وتقع على مساحة نحو 51 فداناً، رافعين شعار "تطوير لا تهجير".
وفي مارس/ آذار 2020، أطلق محافظ الاسكندرية اللواء محمد الشريف، إشارة البدء في ما قال إنه "تطوير منطقة نادي الصيد" التابعة لحي وسط، بكلفة تقدّر بـ 115 مليون جنيه (7 ملايين و329 ألف دولار)، وعلى مدى 12 شهراً. وفي ذلك الوقت، قالت المحافظة إن خطة التطوير تمول بـ 90 مليون جنيه من صندوق العشوائيات التابع لرئاسة مجلس الوزراء، تنفيذاً للبروتوكول الذي تم توقيعه في ديسمبر/ كانون الأول 2019 مع الصندوق لتطوير 7 مناطق غير مخططة في المحافظة، بالإضافة إلى إدخال مشروع الغاز الطبيعي إلى المنطقة، والذي تبلغ كلفته التقديرية 25 مليون جنيه (مليون و593 ألف دولار)، طبقاً لأولويات المحافظة.
وللوقوف على حقيقة ما دار من مواجهات عنيفة من قبل قوات الأمن ضد المواطنين، لا بد من الإشارة إلى أن عملية تطوير تلك المنطقة تقع ضمن اختصاص الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، وليس المحافظة، الأمر الذي يؤكده مصدر مسؤول في الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وهي الجهة التي تعمل في الأساس كاستشاري للدولة في مجال التنمية العمرانية، وعلى وضع الخطوط العريضة لتنمية وتطوير المناطق العمرانية القائمة (أقاليم ومدن وقرى والمناطق العشوائية).
وغالباً ما يتم تطوير العشوائيات في مصر بتنسيق مباشر بين الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وصندوق تطوير العشوائيات، ووزارتي الإسكان والمرافق والمجتمعات العمراني والتنمية المحلية، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتحدة)، إلا أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة دخلت على الخط.
ويشرح المصدر المسؤول الطبيعة الجغرافية للعزبة وأهميتها اللوجستية للدولة، الأمر الذي يجعلها مصرة على إخلاء المنطقة تماماً ونهائياً من سكانها. ويقول المصدر إن منطقة عزبة نادي الصيد تقع في آخر حي محرم بك ناحية الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية، وهي منطقة قريبة جداً من الطريق الساحلي الدولي الذي يربط مصر بحدودها الغربية، ومن مطار الإسكندرية، ومن محور التعمير الجديد. بالتالي، فإن لهذه المنطقة تحديداً أهمية لوجستية كبيرة تدفع الحكومة إلى التمسك بها.
ويعزو سبب تحرّك الناس يوم الجمعة الماضي، إلى إقدام الهيئة الهندسية على حصر عدد المباني التي تشملها المنطقة، بالإضافة إلى العائلات. وفي الغالب، تتمّ آلية الحصر في المناطق العشوائية، من خلال عدّادات الكهرباء والمياه، للوصول إلى تحديد عدد الأسر المقيمة، وليس عدد الأفراد القاطنين. مع ذلك، نفى المصدر علمه بآلية الحصر التي تتبعها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية. كما أن الأخيرة تستحوذ على البدائل والخيارات الممنوحة للسكان.
على الرغم من ذلك، تشير مصادر إلى أن الهيئة الهندسية لن تتيح الكثير من البدائل للسكان، بالمقارنة بأعمال تطوير أخرى جرت في محافظة الإسكندرية خلال الفترة القريبة الماضية، مثل منطقة غيط العنب في حي كرموس. وكان الخيار أمام السكان هو الانتقال إلى مساكن بشاير الخير التي أنشأتها الدولة لنقل سكان المناطق العشوائية في الإسكندرية. حتى الآن، لم تشرع الحكومة في الإخلاء والتهجير، وكل ما جرى كان نتيجة لبدء آلية الحصر فقط.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن عزبة نادي الصيد في حي محرم بك في محافظة الإسكندرية من دون ذكر اسم النائب السابق في البرلمان، هيثم الحريري، المحسوب على المعارضة المصرية، والذي أزيح عن العملية الانتخابية بعد تلفيق تهمة رشوة له نجا منها، وذلك بهدف ضمان خسارته معركة دائرة محرم بك خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وفي الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، كتب الحريري على موقعه على "فيسبوك": "في مارس/ آذار 2020، أعلن محافظ الإسكندرية البدء في تطوير منطقة نادي الصيد (محرم بك) بكلفة 115 مليون جنيه، وتم بالفعل تطوير البنية التحتية (صرف صحي ومياه للشرب) وصرفت ملايين الجنيهات، ثم فوجئ أهالي نادي الصيد منذ أشهر بتوقف أعمال التطوير".
أضاف: "في أواخر مايو/ أيار الماضي، انتشرت أخبار عن وجود لجان سوف تقوم بحصر الوحدات السكنية الموجودة داخل نادي الصيد حتى يتسنى تسليم الأهالي وحدات سكنية جديدة، ولم يتم بناء أي وحدات سكنية جديدة داخل منطقة نادي الصيد، فكان هناك تخوف ورفض من أهالي المنطقة لنقلهم خارج منطقة نادي الصيد - محرم بك".
وتابع: "بدأت اللجان حصر الوحدات السكنية، وأعلن عن ضرورة التوجه لاستكمال الأوراق المطلوبة؛ كل هذا في ظل عدم وجود حد أدنى من الشفافية مع المواطنين وإعلامهم بخطة الحكومة بشأن منطقة نادي الصيد، الأمر الذي أثار كثيراً من اللغط والغضب والسخط لدى المواطنين".
وطالب الحريري المسؤولين باحترام حقوق أهالي نادي الصيد وإعلان التفاصيل الكاملة بشأن المنطقة، مع التأكيد على أن غالبية أهالي نادي الصيد يرحبون ويدعمون قرار الحكومة تطوير المنطقة مع عدم نقلهم خارج نادي الصيد أسوة بما حصل في محافظات عديدة ومناطق شعبية وغير مخططة كثيرة.
على الرغم من ذلك، توضح مصادر صحافية أنّ غالبية الاعتراضات هي من سكان الجزء المتطور في العزبة في مقدمتها، ويملك غالبية هذا الجزء الأمامي من العزبة أصحاب ورش ومحال تجارية، ولديهم أسباب اقتصادية تدفعهم للتمسك بالبقاء في هذه المنطقة القريبة من الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية، والقريب من المجمع التجاري الضخم في هذه المنطقة، فضلاً عن معرفتهم بأهمية هذه المنطقة تحديداً بعد إتمام شبكة الطرق السريعة على حدودها.
وتؤكد مصادر صحافية أن باقي سكان الجزء الخلفي من العزبة يعيشون في بيوت بعضها آيل للسقوط، نتيجة انهيار البنية التحتية للمنطقة، وعدم وجود شبكات صرف صحي أو خطوط مياه فيها، فضلاً عن البناء العشوائي، الأمر الذي يجعل بعض المباني تغرق مع هطول الأمطار شتاء. وتضم العزبة جزءاً آخر من المباني هي عبارة عن عشش وأكشاك من صفيح.
بعض سكان هذه المنطقة يفرضون الإتاوات، ويرفضون الاعتراف بالدولة، ولا يسجلون أبناءهم في السجل المدني، ولا يرسلونهم إلى المدارس، فيما تعمل غالبية الفتيات والنساء في تنظيف المنازل. ويسمى أهالي هذا الجزء "الغجر"، تحكمهم "فتوة" تتولى فرض الإتاوات على السكان والعمل لصالحها.
هذه التركيبة السكانية لعزبة نادي الصيد، تختلف عن التركيبة السكانية لباقي المناطق العشوائية في محافظة الإسكندرية؛ فسكان حي الماكس على سبيل المثال، ممن أجبروا أيضاً على إخلاء المنطقة والانتقال إلى مساكن بشاير الخير، هم في الغالب من أهالي الصيادين، كان ضررهم الحقيقي في الانتقال من محل إقامتهم إلى مكان آخر في الظهير الصحراوي للمحافظة، بمثابة مسألة حياة أو موت.
وعلى عكس سكان عزبة نادي الصيد، فالعزبة تقع بالقرب من مشروع بشاير الخير المخصص لنقل سكان المناطق العشوائية، من ناحية الغرب. وبدأت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تنفيذ مشاريع تطوير المناطق العشوائية بالإسكندرية عام 2015، لتوفير نحو 25 ألف وحدة سكنية جديدة للقضاء على أزمة العشوائيات بالإسكندرية. البداية كانت عام 2015 في منطقة غيط العنب، وتم تسليم وافتتاح "بشاير الخير - 1" في عام 2016، فيما تم تسليم وافتتاح "بشاير الخير- 2" عام 2018، وأخيراً تسليم وافتتاح "بشاير الخير- 3" عام 2020.