علي مدرة... مطعم تقليدي في تعز يحتفظ بنكهة تاريخية

07 مايو 2024
إعداد الطعام في مطعم علي مدرة (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مطعم علي مدرة في تعز اليمنية، يقع بالقرب من معالم تاريخية ويشتهر بطريقته التقليدية في الطهي باستخدام الحطب والأطباق المصنوعة من المدر، مما يوفر مذاقًا فريدًا للأطعمة.
- تأسس المطعم قبل أكثر من 65 سنة وورثت إدارته أربعة أجيال، محافظة على تقاليدها في الطهي والضيافة، ويبدأ يومه بتحضير الفول البلدي بمكونات تُهرس يدويًا لتضفي نكهة خاصة.
- يتميز بأسعاره المعقولة ويستقطب مختلف فئات المجتمع، حيث يقدم تجربة تناول الطعام الأرضية التي تعكس بساطة وأصالة الحياة اليمنية، بالإضافة إلى مخبز ودكان للقهوة والشاي يكملان تجربة الزوار.

حين تزور مدينة تعز اليمنية، وكي لا تكون زيارتك ناقصة، فلا بد من زيارة مطعم علي مدرة التقليدي والشهير، الذي يقع وسط مدينة تعز القديمة محاطاً بأبرز معالم تعز، ليصبح هو أيضاً من المعالم التاريخية للمدينة. والمطعم الشهير يقع في زقاق صغير داخل حي يعرف بحي اللقمة، وفي ركن بات يعرف بركن علي إسماعيل الذي يتوسط عدداً من المعالم التاريخية، مثل قلعة القاهرة وجامع ومدرسة الأشرفية وجامع المظفر وقبة الحسينية وباب موسى والباب الكبير وشارع الجمهورية وسوق الشنيني.
وكونه أحد أبرز معالم المدينة القديمة، فلا شك أن له عمراً يمنحه من الشهرة بمكان بحيث بات أقدم مطاعم تعز، إذ إن عمره أقدم من الثورة اليمنية التي اندلعت في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، وقد تعاقبت على إدارته أربعة أجيال. كما أنه المطعم الوحيد الذي لا يزال يستخدم الطريقة التقليدية في طهي الطعام، أي الحطب، رافضاً اعتماد التطورات الحديثة التي باتت تستخدم الغاز للطهي، إذ إن الحطب يعطي الطعام مذاقاً فريداً ومميزاً ونكهة قروية تعيد المتذوق إلى ذكريات العيش في القرى. يضاف إلى ما سبق أن المطعم لا يستخدم الأطباق الحديثة في تقديم الطعام، بل يستخدم الطبق اليمني المصنوع من المدر والذي يعرف بالمدرة أو الحرضة. من هنا جاءت تسمية المطعم بعلي مدرة.

عقب صلاة الفجر مباشرة، يفتح إبراهيم، الذي ورث المهنة عن أبيه، أبواب مطعم علي مدرة مشعلاً النار بالحطب، واضعاً الفول البلدي في المدر أو الحرض، مع تشكيلة خاصة من الخضار والبهارات والثوم تُهرس يدوياً لتضاف إلى مدرة الفول لتمنحه الطعم المميز والنكهة الخاصة التي تميزه عن أي فوال آخر في تعز وغيرها من المدن اليمنية.
ويكمن سر طعم فول علي مدرة في البهارات الخاصة التي لا تتغير، وتمنح أيقونة مذاقية تعيد المتذوق إلى ذكريات وأزمنة، فخصوصية الصنعة لا تتحول في النكهة المرتبطة بروح المدينة القديمة والبساطة، والمرتبطة أيضاً بألفة الطيبين والعمال والفلاحين والمثقفين والطلبة والجنود.
ويفتح المطعم أبوابه من بعد صلاة الفجر حتى الثامنة والنصف صباحاً فقط، ومعظم زبائن المطعم من العمال وخصوصاً عمال البناء الذين يصحون باكراً لممارسة أعمالهم، أو من المثقفين الذين يحنون لكل ما هو قديم ويجدون في هذا المطعم مبتغاهم، أو من عامة الناس. إبراهيم هزام، وهو طباخ المطعم الحالي، يقول لـ"العربي الجديد" إن عمر المطعم أكثر من 65 سنة أي من قبل قيام الجمهورية. أسس المطعم جدي واسمه ناجي ناصر هزام، واشتهر بعلي مدرة، وقد أدارت أربعة أجيال المطعم، ونحن سنورثه لأبنائنا ليديروه من بعدنا، لأن المطعم له شهرة ملء تعز، والسبب لذة الطبخ والكرم الذي اشتهر به جدي ناجي المشهور بعلي مدرة وأورثه لنا حيث كان يعطي الفقير والمحتاج".

الطهي على نار الحطب في المطعم (العربي الجديد)
الطهي على نار الحطب في المطعم (العربي الجديد)

ويمتاز المطعم برخص سعر الوجبة فيه ما جعله قبلة لجميع فئات المجتمع، وفي مقدمتها الفئات الأشد فقراً، وخصوصاً القادمين من القرى، والذين ارتبط المطعم بذكرياتهم عن المدينة. وكانت مدينة تعز محصورة في المدينة القديمة قبل أن تتوسع خارجها مع موجة التوسع العمراني الذي رافق قيام الجمهورية في البلاد.
ومن ميزات المطعم أن الزبون يقوم بتقديم الطلب لنفسه عبر الذهاب إلى الطباخ وإحضار مدرة الفول إلى المكان الذي اختاره للجلوس، حيث يفترش الزبائن الأرض ويقعدون عليها دون الحاجة لاستخدام كراسي وطاولات. وإلى جانب المطعم، يوجد مخبز قديم لا يزال يستخدم الحطب أيضاً في إعداد الخبز التعزي الذي تضاف إليه حبة السوداء، ما يعطيه نكهة مميزة، ويستخدم الخبز لتناول الفول الذي يقدمه علي مدرة.
كما يوجد دكان صغير لإعداد القهوة اليمنية والشاي الأحمر والشاي المفور، ويستخدم الشولة القديمة لإعداد الشاي والبن، اللذين يُشربان مع تناول الفول.

من ميزات المطعم أن الزبون يقوم بتقديم الطلب لنفسه (العربي الجديد)
من ميزات المطعم أن الزبون يقدم الطلب لنفسه (العربي الجديد)

ومن ميزات مطعم علي مدرة أنه يقع في قلب المدينة القديمة، وعلى مقربة من محال بيع المنتجات التقليدية ومحل بيع الطرمبا، وهي حلوى ذات أصل تركي تعلمها أبناء تعز وأتقنوا صناعتها حتى باتت الحلوى الأشهر في تعز وكل اليمن، وكذلك محال بيع الجبن البلدي أو ما يعرف بالجبن التعزي الشهير ومحال بيع الوزف والحَلَص والبهارات والنباتات العطرية وغيرها من المنتجات التقليدية.
ويقول القاص اليمني هشام محمد لـ"العربي الجديد" إنه في مدينة مثل تعز، يمثل أبناء القرى فيها النسبة الأعظم من رواد مقاهيها وشوارعها. ووسط زحام وضجيج المدينة، يمثل مطعم علي مدرة وجهة رئيسية للأكل على طريقة القرية، سواء لزوار المدينة من القرى أو للقرويين الذين يعملون في المدينة. وتعد مدينة تعز ريفية بامتياز". يضيف القاص: "في الصباح الباكر وفي الشارع المؤدي إليه، تلمح الوجوه التي استيقظت من النوم لتوها واستعدت ليوم عمل شاق، وهي تهرع مسرعة نحو الدكان الصغير الذي كتبت على مدخله لافتة صغيرة: اشر نفسك بنفسك وادفع الحساب مقدماً". يضيف: "تجد أمامك أناساً يفترشون الأرض وينهمكون في تناول إفطارهم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير محمد إلى أن تنوع الوجوه والأزياء لرواد المكان يوحي باختلاف المهن وتفاوتها، لكن من السهل ملاحظة أن كل رواد المكان هم من ارتبطوا وجدانياً بطقوس القرى، وهي تناول الإفطار في وقت باكر، وتذوق الأكل في القدور المصنوعة من الفخار، والبساطة التي ترى عدم استخدام الآخرين في خدمة النفس بالذات إحضار الأكل، والأخيرة صفة صارت نادرة المصادفة بعدما صار من المعتاد الانتقال اليومي من الريف إلى المدينة والعكس، والتعود على طريقة وجود النادل في تقديم الأكل. لكن مطعم علي مدرة لا يزال الوحيد الذي يقف في وجه موجة تسليع الإنسان ويجعل الجميع يخدم نفسه بنفسه، فلا أحد مميز مهما كان مركزه الاجتماعي أو الوظيفي أو طبيعة ملبسه".

المساهمون