تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سورية من فقر شديد في المنشآت الطبية، خاصة تلك التي تعالج الأمراض الخبيثة مثل السرطان والأورام. وترسل المؤسسات الطبية التي تعمل في هذه المناطق المصابين بهذه الأمراض إلى تركيا لتلقي العلاج، لكن دخولهم إلى البلد المجاور بات يحتاج إلى إجراءات طويلة، كما يواجه من يسمح بدخولهم صعوبات كبيرة خلال تلقي العلاج. وفيما تستمر جمعية الأمل لمكافحة السرطان، إحدى أبرز هذه الجمعيات في سورية التي تعنى بعلاج هذا المرض منذ أن تأسست عام 2005، في تقديم الخدمات الطبية في هذا المجال، نقلت جهودها أخيراً إلى الشمال السوري حيث افتتحت عيادة متنقلة للكشف المبكر عن الأورام الخبيثة، علماً أنها تملك أيضاً مراكز عدة في تركيا.
يقول مدير المشروع الصحي في الجمعية الطبيب أسيد الهارون لـ"العربي الجديد": "ولدت فكرة العيادة المتنقلة للكشف المبكر عن السرطان بعد ملاحظة دخول عدد كبير من المرضى الأراضي التركية لتلقي العلاج، ومعاناتهم من صعوبات هناك بسبب القيود التي أوجدها انتشار فيروس كورونا، علماً أن معظم الحالات التي جرى كشفها في المراكز الموجودة في تركيا كانت في مراحل متقدمة، لذا كانت نسبة شفائها ضئيلة وارتفعت كلفة علاجها".
ويشير إلى أن "نسبة شفاء أنواع من السرطانات قد تصل إلى 95 في المائة في حال كشفت في وقت مبكر، خاصة سرطان الثدي وعنق الرحم، لذا جرى تجهيز العيادة المتنقلة بأحدث معدات الكشف المبكر، وزوّدت بقسم للأمراض النسائية إلى جانب مخبر للتحاليل وغرفة خاصة بالأمراض الداخلية والأورام. وقد بدأت عملها بالتجول في ريف الشمال مطلع العام الحالي.
ويحدد الهارون إحدى مهمات العيادة المتنقلة "بتثقيف الناس صحياً من خلال فريق ينفذ برامج توعية، ويعمل على حث السكان على إجراء فحوص مبكرة. ويضم الفريق طبيبة نسائية وقابلة قانونية وطبيب أشعة وآخرين للأورام الدم وللأمراض الداخلية والغدد، إضافة إلى ممرضين وفنيي مختبر. وتقدّم العيادة أيضاً بعض الأدوية للمرضى، علماً أن عدد المستفيدين من خدماتها يتجاوز 200 حالياً. والعيادة نواة لمشروع إنشاء مركز لعلاج السرطان في المنطقة، باعتبار أن جميع المرضى الذين يحتاجون إلى علاج يتوجهون إلى تركيا حالياً".
من جهته، يتحدث المنسق العام للجمعية في تركيا والداخل السوري غياث مارتيني لـ"العربي الجديد" عن أن "الجمعية كانت تتخذ من ريف إدلب مركزاً لها قبل أن تنقل عملها إلى تركيا عام 2013 نتيجة قصف طيران قوات النظام السوري، وهي تقدّم الآن خدمات الأكل والشرب والمسكن والعلاج للمرضى الذين يدخلون عبرها إلى مراكز علاج في ولايات غازي عنتاب وأضنة وأنطاكيا وإسطنبول وأنقرة".
ويكشف أن "الجمعية لا تحصر رعايتها بمرضى السرطان رغم أنها توليهم اهتمامها الأكبر، فقائمة المستفيدين تضم مرضى قلب وكبد وكلى. والاهتمام بمرضى السرطان يعود إلى عدم توفر علاج خاص بهم في سورية، وسماح تركيا بدخول 10 مرضى فقط يومياً. وقد تخلت تركيا أخيراً عن تقديم الضمان الصحي لهم في الآونة الأخيرة، أما إجمالي عدد مرضى السرطان الذين يستفيدون من المراكز في تركيا فيتجاوز 10 آلاف".
ويشير مارتيني إلى أن "الجمعية تعتمد على مبادرات لمتبرعين غير دائمين، ما يؤخر مشاريع كان يفترض أن تنفذها في الداخل السوري خاصة في مدينة أعزاز بريف حلب. وقد تقلّص تمويلها كثيراً خاصة بعد صدور قرارات منع التحويلات المالية إلى سورية أو إلى المنظمات السورية بدعوى مكافحة الإرهاب".
وتقول فاطمة الأحمد (42 عاماً) التي تقيم في مدينة عفرين لـ"العربي الجديد": "سمعت أن المرأة يجب أن تجري فحصاً للثدي بعد سن الأربعين خوفاً من وجود سرطان، وهو مرض منتشر كثيراً في المنطقة، فقصدت العيادة المتنقلة عندما استقريت في قرية بزاعة بريف حلب، وأجريت الفحص الذي جاءت نتيجته سلبية.
وتشير إلى أن المشرفات والممرضات في العيادة المتنقلة وجّهن نصائح وإرشادات لها للوقاية من السرطان، وأعطينها رقماً للتواصل والاستشارة في حال واجهت أي عارض، كما طلبن منها حث النساء القريبات منها على التوجه إلى العيادة لإجراء الفحص الروتيني البسيط.
ويدخل الأراضي التركية سنوياً نحو 2000 مريض بالسرطان قادمين من الشمال السوري، وأحصى مكتب الإحصاء في معبر باب الهوى الحدودي دخول 1700 مريض إلى تركيا لتلقي العلاج عام 2021.
وكان مدير الأمراض السارية في وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام، جمال خميس أعلن منتصف العام الماضي، أنّ عدد المصابين بالسرطان عام 2020 بلغ 17,300، وأوضح أنّ معدّل الإصابة بالسرطان بلغ 90 لكل 100 ألف شخص، فيما تسجل وفاة واحدة بالسرطان بين كل ست وفيات في سورية. وأضاف أنّ "أكثر سرطان الثدي الأكثر شيوعاً لدى النساء وسرطان الرئة الأكثر شيوعاً لدى الرجال".
وكانت الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية أفادت في تقرير أصدرته في سبتمبر/ أيلول 2018، أنّ "سورية احتلّت المركز الخامس من بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بأمراض السرطان قياساً إلى عدد السكان. وثمّة 196 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف سوري، و105 وفيات من بين كل 100 ألف".