لا تجد الثلاثينية أميمة خالد، التي تعمل في إحدى حضانات الأطفال، حرجاً من حمل صينية الكعك والبسكويت من منزلها متوجهة بها إلى "فرن شبيطة" القريب، فـ"الجيران معظمهم يفعلون ذلك من دون حرج" على حد وصفها، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أنها قامت بجولة سريعة على محال الحلويات، فوجدت أن "أسعار الكعك تفوق طاقة غالبية المصريين".
شاركت أميمة أفراد أسرتها في صنع وتشكيل البسكويت والكعك و"البيتي فور"، وتقول: "أعادت تلك الطقوس الأسرية إلينا البهجة، فخلال الالتفاف حول ماكينة صنع البسكويت، وأثناء تشكيل ونقش الكعك، يتبادل أفراد الأسرة الحكايات والشكايات والضحكات، وأحياناً يكتشفون أن هناك الكثير من الأمور التي لا يعرفونها عن بعضهم، بعد أن اقتصر اجتماعهم في المنزل على الوجود الجسدي من دون الروحي، فيما لكل منهم عالمه الخاص، إما منكفئا على شاشة الهاتف المحمول، أو معلقاً ناظريه على شاشات التلفاز لمتابعة المسلسلات".
مع تزايد الشكاوى من ندرة الوظائف أو توقف بعض الأعمال، يشكو راضي شبيطة، صاحب الفرن بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة، من تزاحم الزبائن خلال هذه الأيام، حد أن مخبزه يعمل بكامل طاقته على مدار الساعة لمحاولة تلبية طلبات الزبائن الذين عادوا للتوافد على المخبز بصواني المخبوزات المصنوعة منزلياً. يلتمس شبيطة العذر للناس في مسلكهم الرامي لتوفير ثمن الكعك عبر تجهيزه منزلياً بدلا من شرائه جاهزاً، ويقول إن "أسعار كعك العيد باتت خيالية مقارنة مع تراجع دخل معظم المصريين، إما بفعل التضخم، أو بسبب الغلاء. أبيع كيلوغرام الكعك بنحو 120 جنيها في المتوسط (نحو 4 دولارات)، أما (الغريبة) و(البيتي فور) فيتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها بين 130 إلى 150 جنيها، في حين يبلغ سعر كيلوغرام (القراقيش) الخشنة نحو 70 جنيها". يعترف شبيطة لـ"العربي الجديد"، بأن منتجاته معدة من السمن الصناعي وليس البلدي، وأنه يتعمد ذلك حتى يكون السعر في متناول قدرات الزبائن، أما من يشترطون أن تكون منتجات العيد بالسمن البلدي فـ"عليهم أن يدفعوا الضعف، أو يجلبوا بأنفسهم المواد التي يودون أن يصنع منها الكعك الخاص بهم إلى المخبز".
كعك العيد
تعمل سماح بائعة في أحد المتاجر، وهي أرملة أربعينية تربي ابنتين وابناً، ولم تستطع تدبير المبالغ المطلوبة لشراء مواد صنع الكعك منزلياً، فضلا عن عدم قدرتها على شرائه جاهزاً، غير أن الأطفال لم يُحرموا من بهجة الكعك. تقول لـ"العربي الجديد": "منحتني إحدى الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات شهرية لمحدودي الدخل علبة حلويات مشكلة من عدة أصناف، وتلك أول مرة تقوم فيها الجمعية بهذه الخطوة التي تسعد اليتامى والأرامل". وحددت وزارة التموين المصرية من خلال شركة مطاحن شمال القاهرة الكبرى، أماكن لبيع الكعك والبسكويت المخصص لعيد الفطر بأسعار مخفضة عن محال الحلويات، والتي يبلغ عددها نحو 20 منفذ بيع. ويبلغ متوسط الأسعار 50 جنيهاً للكيلوغرام الواحد. ووفقا لتصريحات مسؤولين حكوميين، فقد جرى طرح منتجات عيد الفطر من كعك وبسكويت وبيتي فور وغريبة مصنوعة بالسمن البلدي الخالص، مع عرض المنتجات بسعر التكلفة تيسيراً على المواطنين.
ملابس الأطفال
لا يشكو شعبان محمد، وهو صاحب محل بقالة بمنطقة فيصل، من أسعار الكعك وحده، وإنما تزعجه الأسعار المشتعلة في سوق الملابس، إذ لم يجد بداً من اصطحاب أطفاله إلى "وكالة البلح" لشراء مستلزمات العيد، وهو سوق شعبي يختلط فيه اللباس المستعمل بالجديد الرخيص. يقول شعبان لـ"العربي الجديد": "لم يدرك الأطفال أين هم تحديداً، ولو أدركوا طبيعة السوق لغضبوا. كانوا يشيرون نحو ما يعجبهم فأشتريه، ولو كنا في محل لبيع الملابس الجديدة، وأشاروا إلى ما يعجبهم لما استطعت شرائه". كانت تلك الأسواق في السابق وجهة الطبقات الدنيا من المجتمع، لكنها صارت وجهة مزيد من أبناء الطبقة الوسطى. يؤكد هشام مصطفى، وهو موظف بإحدى شركات قطاع الأعمال بالقاهرة، أنه لم يعد يستطيع الذهاب إلى الأسواق الشعبية أو متاجر الملابس المستعملة، كون أبناؤه يدركون الفارق، وسيرفضون، ما يجعله يتفادى التعرض لهذا الموقف المحرج". يضيف لـ"العربي الجديد" أن "هناك أزمة أخرى، فراتب الشهر الحالي تأجل إلى ما بعد إجازة (شم النسيم)، وهي مناسبة سنوية تتزامن مع حلول الربيع، ونظراً للإجراءات البيروقراطية المعتادة، سيتأجل الراتب إلى نهاية الأسبوع السابق على العيد، ويعني ذلك تأجيل الشراء حتى يوم (الوقفة)، ما أدى إلى عدم التمكن من إيجاد بعض لوازم العيد لنفادها، وشراء بعضها الآخر بأسعار مبالغ فيها".
سفر بالعيديات
قرر الخمسيني خالد رشاد، وهو معلم في الأزهر، التعامل مع أزمة الغلاء عبر السفر مع أسرته إلى مسقط رأسه في محافظة أسيوط (جنوب)، ليشارك بقية عائلته هناك فرحة العيد، لكنه وقع في مأزق من نوع مختلف، وهو تدبير كلفة تذاكر السفر، والتي تبلغ نحو خمسمائة جنيه. فوجئ رشاد بأن المال المتوفر معه قد لا يكفي نفقات السفر بعد ارتفاع أسعار تذاكر القطارات، رغم أنه قام قبل أيام باستبدالها بعملات من فئة العشرين جنيهاً جديدة، كي يمنحها عيديات لأبنائه وأبناء أشقائه وشقيقاته. يتوجب عليه الآن حجز تذاكر السفر بهذه الأموال، وإلا فلن يتمكن من السفر، ويقول: "في كلا الخيارين قد يخسر الأطفال، فإن أبقيت المال لن يستمتع أطفالي بفرصة العيد مع العائلة الكبيرة، وإن اشتريت التذاكر فلن يتبقى أي مال للعيديات. قررت في النهاية السفر، واللجوء إلى حيلة انتظار تقديم أشقائي العيديات لأبنائي، وأخذها منهم، ثم إعادة تقديمها لأبناء أشقائي".
كان خالد قد تملص من شراء الكعك لأسرته المكونة من خمسة أفراد، بحجة رداءة الموجود في السوق، لكنه نجح في شراء ملابس العيد في مطلع شهر رمضان، قبل الزحام وارتفاع الأسعار. يقول: "نجحت في التعامل مع أكبر أزمتين من بين مجموعة الأزمات التي أضطر لمواجهتها كل عام، وعسى أن تكون الأوضاع في عيد الأضحى أفضل".