عيد الميلاد في بيت لحم: لا بهجة وسط الحرب

20 ديسمبر 2024
للعام الثاني الطفل يسوع وسط الركام في مغارة عيد الميلاد في بيت لحم، 8 ديسمبر 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير الحرب على احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم: تأثرت احتفالات عيد الميلاد بغياب الزينة والحجاج بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وزيادة نقاط التفتيش التي منعت الفلسطينيين والسياح من الوصول، مما أثر سلباً على الاقتصاد المحلي المعتمد على السياحة.

- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: القيود على الحركة أدت لتراجع الزوار وإغلاق المتاجر، مما زاد من الصعوبات الاقتصادية ودفع بعض العائلات للهجرة بحثاً عن فرص أفضل، وهو ما يشمل جميع سكان المدينة.

- الأجواء الكئيبة وتأثيرها: اقتصرت الفعاليات على الطابع الديني دون الاحتفالات المعتادة، مع غياب شجرة العيد في القدس، مما زاد من شعور السكان بفقدان الفرح والأمل وسط الحديث عن ضم الضفة الغربية.

مع اقتراب عيد الميلاد الذي يحلّ للعام الثاني وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، غابت الزينة كما الحجّاج المسيحيون عن ساحة المهد في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة. ويبدو ذلك واضحاً في وقت شدّد فيه الاحتلال إطباقه على المدينة، وقد زاد عدد نقاط التفتيش التي راحت تمنع حتى الفلسطينيين من الدخول إليها. في العادة، يتوجّه آلاف السياح إلى ساحة كنيسة المهد في هذا الوقت من العام، لكنّ داخل الكنيسة اليوم فارغ كما حال ساحتها، ولا تُسمَع إلا ترانيم الرهبان الأرمن التي تتردّد من أمام موقع المغارة التي وُلد فيها يسوع المسيح. ويقول حارس الكنيسة محمد صبح إنّه "في مثل هذا اليوم، نجد في العادة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف شخص في داخل الكنيسة".

وفي خضمّ الاعتداءات الإسرائيلية، التي تعمّ مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بقيت بيت لحم هادئة إلى حدّ كبير، على الرغم من أنّ خسائر فادحة لحقت بها. وقد توقّفت بصورة شبه كاملة زيارات السياح الأجانب الذين يقوم عليهم انتعاش اقتصاد بيت لحم، ليس بسبب الحرب فحسب، إنّما بفعل زيادة القيود المفروضة على الحركة نتيجة نقاط التفتيش التي "حاصر" من خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي المدينة، الأمر الذي أدّى كذلك إلى منع كثيرين من أبناء الوطن الفلسطيني من الزيارة. ويبيّن صبح أنّ "المسيحيين في مدينة رام الله التي تبعد 22 كيلومتراً (من بيت لحم) والقريبة من مدينة القدس المحتلة، لا يستطيعون المجيء، لأنّ ثمّة نقاط تفتيش كثيرة، ويعاملنا الجنود الإسرائيليون عندها بطريقة سيّئة جداً"، مشدّداً على أنّ "هذا أمر خطر ويتسبّب في اختناقات مرورية طويلة".

من جهته، يقول رئيس بلدية مدينة بيت لحم أنطون سلمان، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ "الجيش الإسرائيلي أقام، بالإضافة إلى نقاط التفتيش التي كانت قائمة بالفعل، حواجز جديدة على الطرقات حول بيت لحم، الأمر الذي يمثّل عقبة أمام الأشخاص الراغبين في زيارة المدينة". ويضيف أنّ عدداً من هؤلاء الأشخاص "ربّما ينجح في الوصول إلى بيت لحم، لكنّ آخرين يواجهون البوابات ونقاط التفتيش التي تقيمها إسرائيل".

الصورة
راهبة مسيحية أمام مغارة ميلاد يسوع المسيح في كنيسة المهد - بيت لحم - 17 ديسمبر 2024 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
راهبة أمام المغارة حيث وُلد يسوع المسيح في كنيسة المهد، بيت لحم، 17 ديسمبر 2024 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

عيد الميلاد "ليس كما المعتاد" في أرض المسيح

ولا يخفي سلمان أنّ "من شأن الأجواء الكئيبة التي أشاعتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أن تجعل احتفالات عيد الميلاد بلا بهجة"، مضيفاً "نحن نريد أن نُظهر للعالم أنّ بيت لحم لا تحتفل بعيد الميلاد كما المعتاد". وفي عيد هذا العام، سوف تُقام الصلوات، وسوف يأتي بطريرك الكنيسة اللاتينية إلى بيت لحم من القدس كما المعتاد، لكنّ الاحتفالات سوف تقتصر على الطابع الديني الصرف، فيما تغيب الأجواء الاحتفالية التي لطالما تميّزت بها المدينة. كذلك سوف يغيب هذا العام الموكب الاستعراضي المعتاد ومسيرة الكشافة، وتختفي التجمّعات الكبيرة من الشوارع.

في هذا الإطار، تقول المرشدة السياحية في بيت لحم سعاد حنظل إنّ للمدينة "خصوصية كبيرة في عيد الميلاد بالأراضي المقدسة"، إذ إنّ "المسيح وُلد هنا". لكنّها تبيّن لوكالة فرانس برس أنّ "الوضع سيّئ جداً في الوقت الراهن، إذ إنّ اقتصاد المدينة يعتمد على السياحة". من جهته، يخبر جوزيف جقمان، صاحب متجر في بيت لحم يقع عند حدود ساحة المهد، أنّه لا يفتح محلّه حالياً إلا مرّة أو مرّتَين في الأسبوع "من أجل تنظيفه"، بسبب قلّة الزبائن. ولا يخفي عبود، صاحب متجر آخر للهدايا التذكارية في بيت لحم، أنّ "عائلات كثيرة خسرت أعمالها بسبب غياب السياح".

بدورها، لم تتزيّن مدينة القدس المحتلة بمناسبة عيد الميلاد كما العادة، ولم تنصب بلديتها شجرة العيد الشهيرة عند الباب الجديد، أحد أبواب المدينة التي تبعد ثمانية كيلومترات عن مدينة بيت لحم، وقد اقتصر الأمر على إقامة مغارات عيد الميلاد في البيوت. ويشير غابي عبد الله، مدير شركة سياحية في القدس، إلى أنّه "في الحقيقة، لا شيء يدعو إلى الفرح". ويؤكد أنّ "الفرحة مسروقة وقلوبنا مكسورة، لذا لن أزيّن شجرة عيد الميلاد في بيتي ". يضيف: "لا سبب في القدس يدعو إلى انتعاشها، فلا أشغال ولا سيّاح"، قائلاً "يعتدون على الزوّار (في إشارة إلى عناصر الشرطة الإسرائيلية)، والسياحة في المدينة معدومة، ولا بهجة خاصة بعيد ميلاد المسيح".

شبّان فلسطين عاجزون عن التخطيط للمستقبل

وقد تسبّب تشديد الأمن حول مدينة بيت لحم منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أكثر من 14 شهراً، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية، في دفع أعداد من سكان المدينة إلى مغادرتها. ويقول رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان: "عندما لا يستطيع المرء أن يوفّر لابنه احتياجاته، أعتقد أنّه لن يتوقّف عن التفكير في كيفية القيام بذلك"، مؤكداً أنّ هذا الواقع "دفع كثيرين إلى ترك المدينة في العام المنصرم"، مبيّناً أنّ نحو 470 عائلة مسيحية انتقلت من منطقة بيت لحم الكبرى.

لكنّ الهجرة لا تقتصر فقط على المسيحيين، الذين يمثّلون نحو 11% من سكان المنطقة البالغ عددهم نحو 215 ألف نسمة في عام 2017. ويقول الكاهن الكاثوليكي السرياني في أبرشية بيت لحم فريدريك ماسون إنّ "المسيحيين وغير المسيحيين على حدّ سواء كانوا يغادرون بيت لحم منذ مدّة طويلة، لكنّ الأحداث الأخيرة (الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة) عجّلت العملية وفاقمت حدّتها". ويوضح ماسون لوكالة فرانس برس أنّ "عدداً كبيراً من الناس يغادر، خصوصاً من الشبّان الذين لا يستطيعون التخطيط للمستقبل"، مضيفاً "عندما يُصار إلى مصادرة مستقبلك (...) فإنّ ذلك يقتل الأمل". وفي هذا الإطار، ترى مديرة جمعية الثقافة الفرنسية في بيت لحم "أليانس فرانسيز" فيروز عبود، أنّ "الأمل صار أكثر إيلاماً من اليأس في الوقت الراهن"، ولا سيّما مع تزايد كلام السياسيين الإسرائيليين عن ضمّ الضفة الغربية المحتلة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون