يحتفظ عيد الأضحى بمكانته الخاصة لدى التونسيين مهما اشتدت الظروف والأزمات، وارتفعت أسعار الأضاحي. تسارع ربات البيوت إلى إعداد التوابل وشراء الخضار وتحضير لوازم العيد، ويحرص الآباء على شراء لحوم المشاوي ولوازم الفحم و"الكانون" المعد من الطين، فيخصص الصغير منه لوضع البخور والكبير للشواء.
ورغم مشاغل الحياة بقيت اللمّة العائلية في عيد الأضحى ضرورية، إذ تجتمع العائلات ويعايد الأبناء ذويهم، وتفضل بعض الأسر الاحتفال بهذا اليوم على طريقتها، فيطبخ البعض "القلاية" التي تتضمن اللحوم والكبدة، ويجري تقطيعها إلى أجزاء صغيرة. ويعد آخرون طبق "الكسكسي بالعصبان"، وهي عادة تونسية تلحظ تنظيف ما يعرف بـ "الدوارة"، أي أحشاء الخروف، ووضع خضار ولحوم وبهارات. وتكاد هذا الأكلة لا تغيب عن طاولات التونسيين في يوم العيد.
تخبر الستينية لطيفة حمودة، وهي أرملة تعيش مع ابنتها لـ"العربي الجديد": "نتحضر لعيد الأضحى قبل نحو أسبوع من موعده، ونجلب بهارات ونعناعا وحبقا وأواني جديدة لوضع اللحم. والأكلة المميزة في اليوم الأول للعيد هي الكسكسي بالعصبان، أو البرغل المعد من القمح".
تضيف: "تحرص أسر على اللمّة العائلية، ويرغب البعض في البقاء مع أبنائهم بمفردهم، فالأجواء اختلفت عن أيام زمان حين كان بيت الجد يجمع الكل في عيد الأضحى من أبناء وأحفاد، وتفوح رائحة البخور من البيوت والأحياء ما يجعل الأجواء مميزة، لكن الكثير من هذه اللمّات والأجواء زالت".
وحول الأسعار، تشدد لطيفة على أنها "مرتفعة جداً هذا العام، لذا تبقى التحضيرات رهن الإمكانات والميزانيات، لكن في كل الأحوال لا مناسبة تضاهي عيد الأضحى، حتى على صعيد الأجر العظيم، فيوم عرفة يوم بركة، وأنا سعيدة بالعيد الذي انتظره بفارغ الصبر".
ويؤكد عبد الله (74 عاماً) في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أجواء عيد الأضحى لا مثيل لها، فالمناسبة مميزة، ويعلو فيها ذكر الله". يضيف: "لا تزال أجواء العيد موجودة، ففي حين نستيقظ على إيقاع الطبل الذي يعلن قدوم العيد، والناس يتسارعون لاقتناء مستلزماته قبل أسبوع، وتجتمع العائلات، ويذبح أفرادها الأضاحي معاً، ويتقاسمون التكاليف".
يتابع: "لا أكلات خاصة بالعيد، فكل أسرة تطبخ ما تراه مناسباً خاصة في اليوم الأول، أما الأكلات المميزة التي تحضر في ثاني أيام العيد فهي الكسكسي بالعصبان الذي لا يغيب عن أي بيت. وفيما يتزامن العيد مع فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة يحفظ الخروف بسرعة خوفاً من فساد اللحم".
من جهته، يرى منصور العباسي (61 عاماً)، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المميز في عيد الأضحى هو التقاء العائلات، وذبح أفرادها الخرفان معاً، فيما يحرص كل منهم على اقتناء مستلزمات العيد من سكاكين ومشاو. وبين التحضيرات التي تسبق يوم العيد، جلب أفراد الأسر المعدات الناقصة، وشراء ربات البيوت تحديداً البهارات والأواني. وبعد ذبح الخروف يحمل كل منهم أضحيته إلى بيته، وتتولى ربات البيوت تنظيف أحشاء الخروف، وقد تطبخ العائلات أكلات مشتركة، وتفطر معاً، ولا شيء يضاهي فرحة ولمّة عيد الأضحى".
ويرى عز الدين (50 عاماً)، وهو فلاح وبائع أضاح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ما يجعل الأسعار مرتفعة هذا العام هو غلاء العلف والشعير، ولا يخفى وجود ضعف كبير في شراء الأضاحي مقارنة بالسنوات الماضية، فالرواتب باتت لا تكفي لاقتناء خروف سعره بين 200 و300 دولار، وقد ينتظر البعض اليومين الأخيرين من العيد للشراء بأمل تراجع الأسعار، والحصول على ثمن مناسب".
ويظل للأطفال نصيب من فرحة العيد، حيث يحرص وسيم البالغ 7 سنوات على اختيار الخروف بنفسه كل عام، ويقول لـ"العربي الجديد": "أحب الحصول على خروف بقرنين لينافس بقية الخراف. أحمل خروفه في جولة وسط الحي حيث تجمع الخراف، وتجري منافسات لمعرفة من الأقوى". وفي يوم العيد، تقص والدة وسيم اللحم الذي يعده هو نفسه عبر وضع البهارات المناسبة.
وتنشط في العيد بعض المهن، حيث يحرص شباب على تقديم خدمات شواء رؤوس الخراف، ويجلسون على قارعة الطرقات وأمامهم مستلزمات الشوي من غاز ونيران وسط تكدس عشرات من رؤوس الخرفان أمامهم. وتستنجد ربّات البيوت بهم لتنفيذ المهمات، ما يجعلهم يوفرون عبر هذه الأعمال البسيطة التي تزدهر مصروف الجيب، ثم تجوب شاحنات الأحياء لأخذ الجلود واستعمال صوفها لاحقاً.