لَفَت الرجُل الطويل (المُهرّج) نظر الطفلة راما أبو عصر بحركاته البهلوانية، بينما كانت تلهو مع رفيقاتها في مجموعة من الألعاب التنشيطية، التي تُحاول الترفيه عن أطفال قِطاع غزة، في ظل الأوضاع الصعبة التي يمُر بها سُكانه منذ الحصار الإسرائيلي عام 2006.
وتتنوع الأنشطة المُبتكرة التي تُشارك فيها الطفلة أبو عصر، ومعها عشرات الأطفال، وينفذها أعضاء فريق "سيرك غزة" مجاناً لأطفال قِطاع غزة، ما بين ألعاب الخِفة، والتهريج، والألعاب التنشيطية، كذلك اللهو مع الرجُل الطويل، وكافة ألعاب السيرك المتنوعة، وتلك التي يتشارك فيها الصغار مع أهاليهم.
ويُحاوِل فريق سيرك غزة استغلال الإجازة الصيفية، والتي تبدأ في شهر مايو/ أيار، من خلال تنظيم الأنشطة الترفيهية المجانية للأطفال بحلول شهر يونيو/ حزيران، في ظل ظروفهم الصعبة، بهدف التخفيف من الأعباء النفسية السيئة التي يتسبب فيها الحِصار الإسرائيلي المُتواصل منذ سبعة عشر عاما.
وتقول الطفلة راما أبو عصر لـ "العربي الجديد"، إن الأنشطة التي يتم تقديمها للأطفال "حلوة، وغير تقليدية ويندمج فيها الصغار، وتُساهِم بتغيير الأجواء عليهم، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها أطفال غزة".
أما الطفل عبيدة خطاب من مدينة غزة، فيُشارك في الأنشطة التفاعلية برفقة أقاربه وشقيقته، ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه مُعجب بالأنشطة الجميلة التي يتم تقديمها للأطفال، والتي تُحَسِّن من حالتهم النفسية، وقد تشارك مع أقرانه في كل الأنشطة.
وتفاعلت الطفلة سما الكيالي مع الأطفال في المسابقات التفاعلية، إذ شاركت مع فريق المهرجين في جمع القِطع البلاستيكية المُلونة، وتسليمها إلى والدها، وفق قوانين المُسابقة التي تتطلب أن يقوم الطفل بتسليم والده أو والدته ما يتم تجميعه من قِطع بلاستيكية، بلون مُحدد.
وبعد تجهيز الأدوات اللازمة، ينطلق الفريق منذ اللحظة الأولى لوصوله المكان المُراد تنفيذ الأنشطة فيه (متنزهات عامة غالبا)، للمُناداة على الأطفال وتجميعهم على وقع أغاني الأطفال، وعبارة "ستبدأ عروض السيرك بعد قليل"، وبعد تجمعهم تبدأ الأنشطة التفاعلية، وباقي الفقرات الترفيهية، والتي تتخللها المُسابقات، وتوزيع الهدايا.
ويقول عضو فريق سيرك غزة محمد سالم، ويلعب دور الرجل الطويل، ويلقِبه الأطفال باسم "عمو تيتو"، إن الأطفال يشعرون بالمُتعة لحظة التعامل مع الرجل الطويل لغرابة المشهد، موضحا أنه يشعر كذلك بالسعادة حين يرى الفرحة على وجوه الأطفال، المُحتاجين لأنشطة الدعم النفسي، كما الكِبار.
أما عضو فريق سيرك غزة، جهاد أبو منصور والذي يُقدم للأطفال فقرة الحركات البهلوانية على الحِبال، فيبين لـ"العربي الجديد" أن فقرته تتميز بإبهار المُشاهدين، من حيث لحظات السقوط، وتشكيل النجمة، وفتح الحوض، فيما تعتمد بشكل أساسي على التمارين، واللياقة البدنية، موضحًا أن الفقرة تحظى بتفاعل كبير عند الأطفال، لتميزها، وغرابتها، خاصة أنهم يشاهدون العروض على الطبيعة، بعد أن كانت تقتصر مشاهدتها على جهاز التلفاز.
وتتفرع تخصصات وأنشطة السيرك التي تضمنتها العروض المُقدمة للأطفال، مثل ألعاب (الغومبلير) أو التوازن، واللعب بأكثر من كُرة، أو أكثر من حَلَقَة مع الحفاظ على عدم سقوط أي منها، كذلك عروض (إيريال سيلك) وهي لعب شخص أو أكثر على الحِبال المعلقة في الهواء بحركات بهلوانية مُثيرة.
كذلك تتضمن العروض، فقرة (الإيريال هوب) وهي دائرة مُعلقة يؤدي عليها شخص حركات بهلوانية مُتقَنَة، مثل الحركات التي يتم تأديتها على (الروب) ولكن بحبل واحد، والحركات التي يتم تأديتها على الأرجوحة المُعلقة (الترابيس)، إلى جانب تقديم عروض (الأكروبات) وحركات الجمباز، والأهرامات البشرية، وفقرات المهرجين الكوميدية.
ويقول مسؤول فريق سيرك غزة أحمد مشتهى، إن الفريق المكون من 20 فردا من مختلف الفئات العمرية، يقوم بتنفيذ الأنشطة المُتنوعة، وبأساليب مُبتكرة يُمكنها أن تجذب انتباه الأطفال والأهالي، خاصة في ظل انعدام وجود الأنشطة الترفيهية، وإتاحتها لأطفال قِطاع غزة بشكل مجاني.
ويُبين مشتهى لـ"العربي الجديد" أن الأنشطة التي تقدّم متنوعة، وترتكز على عروض الدُمى، والمهرجين، والرجل الطويل، والسيرك الأرضي، والسيرك الهوائي، واللعب بالنار، علاوة على المسابقات الخاصة بالأطفال وذويهم، بهدف خلق جو تفاعلي.
وتنبع أهمية تلك الأنشطة الترفيهية، والتي يتم تقديمها بقوالب لافِتة لنظر واهتمام الأطفال، وفق المتحدث، لاتباعها أحد الأساليب الهامة في التفريغ النفسي عن الأطفال، والتي تُساعدهم في الخروج من حالة الكبت، والأجواء المشحونة، بفعل الاحتلال الإسرائيلي، وحُروبه المُتتالية على مدينتهم المُحاصرة، والتي أثّرت كذلك على الحالة النفسية للأهالي، وبالتالي على الأطفال، ما يستدعي التحرك بغرض دعمهم نفسيا.
ويعيش قِطاع غزة حالة استثنائية بسبب تغير الأوضاع الأمنية بشكل متواصل بفعل الاحتلال الإسرائيلي، وتصعيداته المتواصلة، وفق تعبير مشتهى الذي يُببن أن السيرك، ومن خلال أنشطته الفريدة، يحرص على تواصل الأنشطة، في مختلف المناطق، خاصة في ظل عدم سماح الظروف الاقتصادية لأهالي بعض الأطفال باصطحابهم إلى الأماكن الترفيهية مدفوعة الثمن، فتصل إليهم الأنشطة، لتدخل الفرحة على قلوبهم.