غادة غابري... البهاق زادها جمالاً رغم تنمّر المجتمع

06 مارس 2021
باتت تحبّ وجهها وترى فيه تميزاً (العربي الجديد)
+ الخط -

في منطقة المكناسي في محافظة سيدي بوزيد في وسط تونس، تعيش الشابة غادة غابري، وقد تآلفت مع مرضها، البهاق، الذي باتت ترى فيه جمالاً وتميّزاً. اليوم، تتحدّى من خلال بشرتها ذات الألوان المختلفة تنمّر مجتمع ما زال يحدّد مقاييس الجمال في صفاء الوجه وبياضه وخلوّه من أي عيوب، بحسب معاييره. 
تقول غابري إنّها أُصيبت بمرض البهاق منذ كانت في السادسة من عمرها. في ذلك الوقت، لم تفهم طبيعة مرضها وذلك التغير الذي تراه في وجهها ويديها. ولم تكن قادرة على مواجهة التنمّر نتيجة مرضها. تضيف: "كلّما رأيت تلك البقع تزيد في جسدي ووجهي، لاحظت تغيّر نظرة من حولي إليّ بسبب شكلي، وبات كثيرون يبتعدون عني مخافة الإصابة بالعدوى، إذ إنّ غالبية الناس لا يعرفون أنه مرض غير معد. ولم أكن أستطيع حتى الرد على ما أسمعه من كلمات وتصرفات جارحة". 
والبهاق مرض يسبّب ظهور بقع يفقد فيها الجلد لونه. وعادة ما يزيد حجم هذه البقع فاقدة اللون مع الوقت، التي يمكن أن تصيب الجلد في أي جزء من الجسم. ويحدث البهاق عندما تموت الخلايا التي تفرز الميلانين (يحدّد لون الشعر والجلد)، أو يتوقف عن أداء وظيفته. ويمكن أن يصيب البهاق أي بشرة، لكنه قد يكون أكثر وضوحاً لدى الأشخاص ذوي البشرة الداكنة. 
وعلى الرغم من أنه مرض غير وراثي وغير معد، إلا أنّ العديد ممن أصيبوا بهذا المرض يعانون من التنمر في مجتمع لا يتقبّل كل من هو مختلف عنه. كانت غادة تتعرض للتنمّر من قبل زملائها في المدرسة وحتى في الشارع. تقول: "في البداية، لم أتقبل تغيّر شكلي ولم أستطع تجاوز سخرية الناس بسبب لون بشرتي. كنت أبكي كلّما عدت إلى غرفتي، وأصبحت فتاة تُفضل العزلة عن عامّة الناس أو الوجود في الأماكن العامة. لم يكن من السهل تقبّل الأمر.

أصابني البهاق في عمر صغير. بداية، لاحظت نقطة بيضاء تحت عيني لتتّسع في مناطق أخرى من وجهي. وصار التباين في لون بشرتي يظهر أكثر فأكثر، الأمر الذي جعلني أخفي وجهي ما استطعت حتى لا يراني أحد، ولم أعد أستطيع النظر في عيون الناس".
تضيف غادة: "تحوّل مرضي إلى هاجس لدى عائلتي، التي باتت تخشى من تأثيره على نفسيتي، واحتمال أن يغيّر حياتي إلى الأسوأ. حاول والدي البحث عن علاج للمرض حتى لو اقتضى الأمر السفر إلى خارج البلاد. لكن محاولاته باءت بالفشل". يشار إلى أنه يمكن علاج البهاق من خلال مجموعة من الكريمات التي تحتوي على مادة بسورالين النباتية، التي تزيد من حساسية الجلد للأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى العلاج بـ"الضوء ب".

غادة غابري (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وتشير غادة إلى أن مشكلة مرضها تكمن في كونه ظاهراً للعيان، الأمر الذي كان يعرضها للتنمر. هي ليست المصابة الوحيدة بالمرض ولن تكون الأخيرة. لكن على الرغم من إدراكها الأمر، تقول: "حاولت الانتحار مرتين، إذ لم أستطع تقبل تلك التغيرات التي كنت ألاحظها باستمرار في لون بشرتي، ولا نظرات الناس إلي وتعليقاتهم وسخريتهم مني. كما لم أتقبل نظرات الشفقة وكأنّني مصابة بمرض خطير".  
تتابع غادة: "عندما بلغتُ السابعة عشرة من العمر، تغيّرت نظرتي إلى نفسي. بتّ أكثر تقبلاً لمرضي، بل أكثر من أي يوم. وقد ساعدني أن أصدقائي في ذلك العمر كانوا أكثر وعياً وأقل تنمراً بالمقارنة مع زملائي في المراحل الدراسية الأولى. بدأتُ أرى مدى جمال وجهي في عيون أصدقائي، وبتّ أكثر قوة. تحولت إلى الفتاة التي لا تبالي بما تسمعه أو تراه في عيون الناس، بعدما باتت ترى نفسها جميلة ومتميزة عن الآخرين".  

في تلك المرحلة، جرّبت غادة وضع مساحيق التجميل لأول مرة، إلا أنها لم تعمد إلى توحيد لون بشرتها من خلالها كما قد يفعل الكثير من المصابين بالبهاق لتجنب نظرة الناس السلبية إليهم. وتقول: "بدأت أحبّ الاختلاف في درجات لون بشرتي. وتلك البقع البيضاء التي زادت في وجهي لم تعد تزعجني كما في السابق. في الوقت نفسه، فإن ذلك لم يمنعني من وضع بعض مساحيق التجميل كغيري من الفتيات". 
وعمدت صديقتها إلى نشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار أهتمام كثيرين، وخصوصاً أنها تقبّلت مرضها وواجهت تنمّر المجتمع. هنا، تُشدّد على ضرورة أن يتقبّل المجتمع الاختلاف مهما كان، هي التي باتت ترى في مرضها جمالاً يميزها عن غيرها من الناس.  
في الوقت الحالي، تواصل غادة دراسة تخصص القانون في الجامعة، وقد تصالحت مع شكلها تماماً. وهي ليست وحيدة، بعدما شكّل المرض حافزاً للكثير من المصابين به لتحدي المجتمع وتحقيق أحلامهم، حتى في عالم الموضة والأزياء.  

دلالات