غازي أحمد... صانع كراسي "القش" في طرابلس اللبنانية

طرابلس

صهيب جوهر

avata
صهيب جوهر
طرابلس ــ صهيب جوهر
05 فبراير 2022
لبناني يبدع في صناعة كراسي "القش" في غرفة على السطح
+ الخط -

اعتاد الحاج غازي هاشم (أبو أحمد)، القاطن في منطقة باب الرمل في مدينة طرابلس شمالي لبنان، الاستيقاظ عند الفجر لتأدية الصلاة وشرب القهوة، ليبدأ يوم عمل طويل دأب على ممارسته منذ 56 عاماً. فالرجل الذي يبلغ من العمر 81 عاماً يعمل في مهنة صناعة كراسي "القش"، والتي قد يظن البعض أنها اندثرت.  
في منزله المتواضع كما تحب أن تصفه زوجته أم أحمد، يتجمع أفراد العائلة حول "شبة نار" أشعلتها من الفحم، لتضع عليها ركوة القهوة، إذ اعتاد أبناؤها وزوجاتهم والأحفاد يومياً التجمع في البيت لشرب قهوة الأم، فيما يلاعب أبو أحمد أحفاده، ويصفهم بـ"كنز الحياة". يروي لـ"العربي الجديد" أنه تعلم هذه المهنة عندما كان في الـ25 من عمره. وقبل ذلك، كان يعمل في معمل عند مدخل المدينة في صيانة مولدات الكهرباء. وفي وقت لاحق، وبعدما حلت المكنات محل الأيدي العاملة، طرد وعشرات العمال الآخرين. ويذكر أنه حين عاد إلى المنزل، نادته والدته التي كانت تتقن صناعة كراسي القش، وطلبت منه تعلم المهنة لترافقه طيلة حياته. 
يتذكر أبو أحمد دكانه الشهير في ساحة النجمة في طرابلس، الذي افتتحه مع صديق له مطلع ستينيات القرن الماضي وشهد حركة تجارية، إذ كان يصدر الكراسي إلى سورية والعراق والأردن وغيرها من الدول التي كان يقصده تجارها لعقد صفقات البيع معه. في ذلك الوقت، كانت التجارة في طرابلس مزدهرة.
ولا يغيب عن الرجل ذكرى إغلاق الدكان بعد تعرضها لقذيفة صاروخية خلال حرب طرابلس عام 1983، والتي تسمى حرب "أبو عمار" نسبة إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية "فتح" ياسر عرفات، الذي اتخذ من المدينة مقراً له عقب خروجه من العاصمة بيروت. ويقول إن المشهد ما زال عالقاً في ذهنه وكأنه اليوم. لم ينس حجم الضرر النفسي والمادي والمعنوي الذي سببه إغلاق المحل الذي تحول إلى رماد. 
بعد الحادثة، قرر أبو أحمد نقل عمله إلى دارته في باب الرمل. أصلح سطح منزله وبنى غرفة صغيرة تحولت إلى مصنع لصناعة كراسي القش وغيرها من المنتوجات التي تعتمد على القش. ومن خلال هذه المهنة، استطاع تربية أولاده الثمانية ومساعدة جزء آخر من عائلته. 

غازي أحمد (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وفي ما يتعلق بالمواد الأولية للمهنة، يقول إنه يشتري القش الأصلي من محلات معينة في العاصمة، ويحرص على التأكد من نوعية القش قبل شرائه. وعادة ما يتوجه إلى بيروت مرتين أسبوعياً أو أكثر إذا ما اضطر إلى ذلك، أي إذا كانت هناك "بيعة" (عملية بيع) كما يصفها. 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان تطاول مختلف المجالات، إلا أنه يقول: "الحمد لله على كل شي"، مؤكداً أن عمله لم يتوقف، وخصوصاً أن العديد من المقاهي والمطاعم باتت تعتمد على الطاولات والكراسي المصنوعة من القش. وبات هو الوحيد الذي يمارس هذه المهنة في طرابلس. 
وعن توريث المهنة التي قد تندثر بعد وفاته، يقول أبو أحمد إنه يعلمها لأبنائه العاطلين عن العمل بسبب الأزمة، على أمل أن يستمروا بالعمل بها بعد وفاته، لافتاً إلى أنه لن يموت قبل أن يكون أحد أبنائه "شيخ الكار" (متمرس في المهنة)، لأن المهنة يجب أن تورث كالأخلاق والسمعة الحسنة.

غازي أحمد (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

لا يخفي أبو أحمد أن الأزمة الاقتصادية أثرت على أسعار البضائع التي يبيعها للمحال أو الزبائن. ويذكر أنه قبيل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي، كان سعر ربطة القش ثمانين ألف ليرة لبنانية. أما اليوم، فبات سعرها سبعمائة وخمسين ألف ليرة لبنانية، أي نحو عشرة أضعاف سعرها السابق. أما الكرسي الذي كان يباع بثلاثين ألف ليرة،  فصار يباع بمائتين وخمسين ألف ليرة لبنانية، الأمر الذي ضاعف الأزمة على التجار وعليه وعلى الزبائن.

ويشير أبو أحمد إلى أن العديد من الطلبيات في الغرفة الصغيرة التي يعمل بها صيفاً وشتاءً من دون توقف ألغيت، بسبب الارتفاع الجنوني والمستمر بسعر صرف الدولار في مقابل الليرة اللبنانية، موضحاً أن عدم الاستقرار يؤثر على تجارته ويؤدي إلى خسائر يصعب تعويضها. أما عن المعوقات الأخرى، فيتحدث عن انقطاع التيار الكهربائي، إذ غالباً ما يضطر إلى التوقف عن العمل بانتظار عودته.  
في نهاية اليوم، ينزل أبو أحمد إلى بيته في الطابق الأرضي حيث أبناؤه وأحفاده وزوجته التي تزوره في مشغله مرات عدة في اليوم حرصاً على أن يتناول زوجها طعامه. وعند المغيب، يجلس على أريكته ويحتسي كوباً من "الزهورات" (أعشاب) ويتلحف بغطاء سميك. 

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون