غزة: "لدغات" طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تترك إعاقات قاسية

04 فبراير 2023
يعيش ذوو الإعاقات في غزة أياماً سيئة (محمد الحجار)
+ الخط -

قبل 14 عاماً أصيب محمد عايش خلال العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة. حينها كان يخلي مع أفراد أسرته المنزل في بلدة بيت لاهيا، وكان يحاول نقل حقائبهم فأصيب بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع إسرائيلية على باب المنزل.
استشهد في الحادث شخصان كانا يركبان دراجة نارية، وأصيب محمد في ساقه اليمنى التي بترت أربعة أصابع فيها، وتعرضت لكسر وتفتت في العظام. وبعدها عاش نحو عامين معتمداً على الأسياخ البلاتينية في ساقه، بات لاحقاً من ذوي الإعاقة الدائمة.
لا تكاد طائرات استطلاع الاحتلال الإسرائيلي تغيب عن سماء قطاع غزة خصوصاً في ساعات المساء، ما يزيد التوتر لدى عياش الذي حُرم من الاستمرار في لعب كرة القدم في نادٍ بالدرجة الأولى ضمن دوري القطاع، علماً أنه كان يعمل كبائع في سوق مخيم جباليا شمالي القطاع.

يقول عياش لـ "العربي الجديد": "أعيش أياماً سيئة وأحاول التنقل باستخدام عكازين في مناطق شمال قطاع غزة والبحر، لكن كلما أردت أن أنسى ما حصل لي أسمع أصوات طائرات استطلاع".
في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي نشر مركز الميزان لحقوق الإنسان معلومات عن أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي يطلق عليها الفلسطينيون اسم "الزنانة" قتلت خلال 22 سنة 2146 شخصاً في قطاع غزة، بينهم 378 طفلاً و86 امرأة جراء استهدافهم بصواريخ خلال الفترة الممتدة من عام 2000، أي بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، إلى نهاية عام 2022.
ووصف التقرير الصواريخ المتفجرة الي تحملها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بأنها "شديدة الخطورة لأنها قتلت 349 شخصاً داخل منازلهم، بينهم 103 أطفال، و54 امرأة، وباتت بالتالي أداة لقتل الغزيين الذين أصابت مئات منهم بإعاقات دائمة أيضاً، وفرضت عيشهم في توتر دائم مع تزايد أصواتها في سماء غزة.

تجعل أصوات طائرات الاستطلاع المعوقين في توتر دائم (محمد الحجار)
تجعل أصوات طائرات الاستطلاع المعوقين في توتر دائم (محمد الحجار)

وفي بلدة بلدة بيت حانون شمالي غزة يمارس الشاب سعيد الزعانين (22 عاماً) حياته الجامعية في شكل طبيعي، لكنه يشعر بضيق كلما يسأله شخص من خارج عن سبب بتر يده اليمنى، كما لا يفضل النظر إلى السماء كي لا يرى طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي يتسبب وجودها بقلق كبير له.
وبترت اليد اليمنى لسعيد وتعرض جسمه لتشوهات في الصدر والكتف حين قصفت طائرات الاستطلاع إسرائيلية هدفاً داخل سيارة أجرة عبرت الشارع حيث يتواجد منزل أسرته خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014 حين كان يبلغ 13 عاماً. 

لا تغيب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية عن سماء غزة (محمد الحجار)
لا تغيب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية عن سماء غزة (محمد الحجار)

وقد تلقى سعيد علاجاً كثيفاً شمل جلسات نفسية وصحية، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أكتب باليد اليمنى بعدها أمضيت فترة صعبة في تلقي علاج نفسي وصحي، وأصبحت أكتب باليد اليسرى بصعوبة، وفي البداية كنت أتعامل بحساسية مفرطة مع الأسئلة عن سبب بتر يدي، وأعود للبكاء في المنزل، لكنني حالياً أفضل من السابق، رغم أنني حزين بسبب ما فعلته طائرة استطلاع إسرائيلية صغيرة، وأعلم أن الناس ينظرون أولاً إلى يدي وليس إلى وجهي".
ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة. ورصد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في آخر إحصاء رسمي أجراه عام 2017 وجود أكثر من 48 ألف معوق في القطاع.

تتسبب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بتفجيرات كبيرة (محمد الحجار)
تتسبب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بتفجيرات كبيرة (محمد الحجار)

وتشير مؤسسات حقوقية في غزة اليوم إلى أنّ الرقم الفعلي للمعوقين أعلى بكثير بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي، وتطوير الأدوات والأسلحة المستخدمة ضد المدنيين، مثل الرصاص المتفجر الذي رفع عدد الإعاقات خصوصاً خلال مسيرات العودة على الحدود الشرقية في عامي 2018 و2019. وبين الأسلحة أيضاً صواريخ المدفعيات والطائرات بينها تلك للاستطلاع.

لا حدود لدمار عمليات طائرات الاستطلاع الإسرائيلية (محمد الحجار)
لا حدود لدمار عمليات طائرات الاستطلاع الإسرائيلية (محمد الحجار)

ويخبر سامح ابو حامد (50 عاماً) "العربي الجديد" أنه أصبح مقعداً بسبب قصف إسرائيلي استهدف سيارة كانت قرب محل بقالة كان يشتري منه أغراضاً لمنزله في مدينة خانيونس، وذلك خلال العدوان الإسرائيلي في مايو/ أيار 2021. وتسبب القصف في تطاير هيكل السيارة الأمامي وإصابة جسده مباشرة. وهو أجرى عدة عمليات جراحية، قبل أن يستسلم جسده لمصير الشلل النصفي.

وقد تضرر منزل أبو حامد في هذا العدوان بعدما استهدف بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع أيضاً شقة مجاورة، ما صدم أسرته باعتبار أن التفجير كان كبيراً، ودمّر الأثاث والنوافذ في المنزل.
ويقول: "طائرات الاستطلاع الاسرائيلية أشد خطورة لأنها مثل لدغة أفعى لا ندري بأنها ستحصل وقاتلة. انقلبت حياتي كلها بسبب الزنانة. كنت أعمل سائق شاحنة سابقاً، أما اليوم فأصبحت مُقعداً وفقيراً اعتمد على المساعدات، وأنا أحاول يومياً الخروج إلى أمام المنزل لرؤية الناس والحياة، واشتاق للمشيّ والتنقل".

المساهمون