خلال الأعوام الأخيرة، نَمَت أعمال الشبان الغزيين على مواقع العمل الحرّ، وبدت نافذة لهم لتقديم خدماتهم عن بُعد، في المجالات التكنولوجية وغيرها. لكن في العامين الماضيين تحديداً، برز عمل شابات في مجال التصميم الغرافيكي، والرسوم المتحركة، ورسوم القصص الإلكترونية والورقية. هؤلاء الشابات أكدن وجودهنّ على مواقع العمل، وكذلك من خلال عملهن مع زبائن من خارج قطاع غزة.
وحصلت مصممات ورسامات غزيات على تقييمات عالية في مواقع العمل الحرّ، التي تتيح الفرصة للباحثين عن عملاء بمشاهدة تميزهنّ في إنجاز المشاريع. الكثيرات منهن اقتحمن هذا المجال، بناءً لمهاراتهن الفنية، رغم اختلاف تخصصاتهنّ الجامعية، كحال محاسن الخطيب، التي باتت معروفة في مجال عملها، كرسامة شخصيات، ومصممة غرافيك.
تخصصت محاسن الخطيب (28 عاماً) في الرياضيات في الجامعة الإسلامية. كانت تملك موهبة الرسم وترغب بدراستها لولا رفض أسرتها. تقول الخطيب لـ "العربي الجديد": "كان طريقي صعباً، ما بين رغبة العائلة وميولي الفنية. تعلّمت الرسم بشكل متقن جدّاً مع إحدى الشركات في غزة، ثم تقدمت لوظيفة مصممة غرافيك، وعملت في الشركة لأربع سنوات".
خلال عملها مع الشركة المحلية، بدأت تروّج لعملها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالفعل، بدأت بتنفيذ أعمال لصالح عملاء من السعودية والكويت وعُمان وقطر والإمارات. ونظمت دورات إلكترونية لرسم الشخصيات لطلاب من دول عربية ودورات مماثلة على المستوى المحلي.
من جهتها، تخصصت نفين أبو سليم في رسم القصص الإلكترونية. انطلقت في ذلك عام 2008، لكنها لم تقتحم العمل عن بُعد لصالح عملاء من خارج قطاع غزة إلا في العام الماضي. تحمل في جعبتها الكثير من الأعمال القصصية، وسبق أن رسمت مع إحدى دور النشر في غزة رسومات لرياض الأطفال، وعدد من القصص المحلية على مدار 8 سنوات، رغم أنها درست في كلية فلسطين التقنية، اختصاص تصميم الأزياء.
تقول أبو سليم لـ "العربي الجديد": "أحبّ الرسم منذ طفولتي، لكن عندما تنهي دراسة الثانوية العامة، يقودك المجتمع للتفكير في تخصص تحصل من خلاله على وظيفة. هذه الثقافة تغيّرت مع التطور التكنولوجي. أرسم شخصيات وعناصر، لكنّ شغفي هو في رسم القصص. أعيش نص القصة وجميع تفاصيلها، وأتسلم النص الذي يناسب رؤيتي في الرسم".
وتزامناً مع انتشار فيروس كورونا في قطاع غزة، وعند تسجيل أولى الإصابات به، عملت أبو سليم على سلسلة من القصص التوعوية للوقاية من هذا الفيروس، انتشرت على نطاقٍ واسع.
وساهمت هذه القصص بوصول أعمالها إلى خارج قطاع غزة، بالإضافة إلى اهتمام الإعلام المحلي والعربي في محتواها. وقررت حينها أن تنشر العديد من أعمالها السابقة. وقد استطاعت بناء شبكة علاقات لأعمالها مع دور نشر في السعودية ولبنان، لرسم قصص الأطفال. ترى أبو سليم، أنّ العمل عن بُعد بالنسبة للشابات في غزة، لا سيما في مجال الرسم بأنواعه والتصميم الغرافيكي، مطلوب منهنّ بشكلٍ كبير.
بدورها، تخرجت نور الدريملي (28 عاماً) من الجامعة عام 2015، وتعمل في مجال التصميم الغرافيكي مع عدد من العملاء في الخليج العربي، وكذلك في تركيا. استطاعت إنتاج مئات التصاميم لصالح شركات ومنتجات مختلفة عربية ودولية. بالنسبة إليها، يشكل العمل عن بُعد فرصة جيّدة في ظلّ انخفاض فرص العمل في القطاع، خصوصاً في مجال الغرافيك، إذ لا يتمّ الدفع كثيراً مقابل التصاميم.
بدأت الدريملي العمل من خلال منصات العمل الحرّ، مثل منصة مستقلّ وغيرها. وتواصلت مع العملاء للعمل خارج المنصات وبشكل مستمرّ. تعتبر أنّ أهم إيجابيات العمل الحرّ هو "توفير فرص عمل والاطلاع على الثقافات المختلفة"، بالرغم من أنها في المقابل تجد معوقات في التواصل في بعض الأحيان، لإيضاح وجهة النظر للعميل بشكل مباشر، وتعاني من صعوبة في تحصيل مستحقاتها المالية، خصوصاً في ظلّ حظر تحويل الأموال إلى غزة من بعض الحسابات المالية. تقول الدريملي لـ "العربي الجديد": "أعتقد أنّ التصميم والرسم يعتمدان في الأساس على الخيال والذوق باختيار الألوان، وهذه الصفات متوفرة لدى الفتيات أكثر من العقلية البرمجية التي نجدها عند الشبان بشكلٍ أكبر، تمكنت الشابات في غزة من اقتحام الأعمال الحرة بقوة، في الفترة الأخيرة، وحاولن مواكبة حداثة التصميمات والرسومات".