يُواصل الاحتلال الإسرائيلي قصف قطاع غزة من دون أية اعتبارات للمستشفيات والكنائس والمساجد والمدنيين. يومياً، يرتفع عدد الشهداء والجرحى وغالبيتهم من الأطفال والنساء. في هذا الإطار، يقول الصحافي وسام المقوسي المتحدر من مدينة غزة، والمقيم في العاصمة اللبنانية بيروت: "أعمل مذيعاً للأخبار في قناة فلسطين اليوم وأدرس الصحافة والإعلام في جامعة بيروت العربية. كنت أعمل في قناة فلسطين اليوم في مكتب غزة قبل المجيء إلى لبنان منذ حوالى عام. ووسط هول العدوان الإسرائيلي والقتل والتدمير والتخريب وقصف المنازل، ووجود عائلتي في أماكن قريبة من المناطق التي تتعرض لقصف مكثف، وتعرض منازل قريبة من منزلي للدمار، وتضرر منزل عائلتي، اضطر أهلي للذهاب إلى مكان آخر. ومنذ أيام، قطع الاتصال بيني وبينهم. وحتى اللحظة، لم أتمكن من الحديث مع والدتي ووالدي وأشقائي بسبب انقطاع وسائل الاتصال والإنترنت. ولا أعلم شيئاً عنهم".
يتابع المقوسي: "كنت على الهواء في تغطية إخبارية مباشرة حين تلقيت خبر استشهاد أسرة ابن عمي المؤلفة من سبعة أفراد، وقد قضوا بسبب قصف منزلهم من دون سابق إنذار. استشهد جميع أفراد الأسرة وخرجت العائلة من السجل المدني. وفي مرة أخرى كنت أقرأ نشرة الأخبار فوصلني خبر يفيد بقصف إحدى العائلات، ليتضح أنها عائلة زوج أختي. وبفضل الله لم تكن أختي في المنزل. وحتى اليوم، لم أتمكن من التواصل مع شقيقتي ولا أعرف مصيرها ومصير أبنائها وزوجها".
ويخبر أيضاً: "قدمت عائلتي حتى اللحظة ثمانية شهداء وعشرات الإصابات. ودمر الاحتلال عدداً كبيراً من المنازل، عدا عن تشرد أفراد عائلتي". يتابع: "فجأة، تلقيت خبر اغتيال زميلي في مكتب غزة الصحافي محمد بعلوشة. كنت على الهواء مباشرة وكانت صدمة مروعة".
ويقول: "لم أتوقع أن أفجع بأي خبر يتعلق بأسرتي وأنا على الهواء. أقضي ساعات طويلة وأنا أحمل هاتفي الجوال بانتظار أية رسالة أو اتصال لمعرفة أحوال عائلتي. لم أعرف النوم منذ بدء الحرب. فإذا نمت، أشعر وكأنني خذلت أهلي وأمي وأبي وإخوتي وشعبي. أعيش حالة انتظار مستمرة". يضيف: "واكبت أربع حروب، وأعرف كيف هو حال أهلي وأبناء شعبي في هذا الوقت العصيب. كلّنا في غزة نتوق للحرية. لا نحب الموت ونحب الحياة، لكن هذا العالم ومعه إسرائيل يريدون لنا الموت. أسرتي في غزة هي واحدة من آلاف الأسر التي تتعرض لهذا الظلم. وكلي أمل بالله ألا أرى مكروهاً في أهلي ولا حتى في أبناء شعبي. دمر الاحتلال منزل عمي المؤلف من أربع طبقات، وشرد أكثر من خمسين شخصاً من أقاربي الذين لا أعرف عنهم أي خبر".
يتابع: "دمر منزل خالتي وشردت هي وأسرتها. نزحوا إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واستشهد ابن عم والدتي مع أسرته المؤلفة من خمسة أفراد. حين أشاهد صور المنازل والطرقات والأماكن التي أعشقها وتربيت ونشأت في كنفها، أشعر بغصة كبيرة. الاحتلال قضى على كل ما هو جميل. حين أعود إلى غزة، لن تكون كما غادرتها قبل عام. تغيرت الملامح والمشاهد والشوارع والموت ينتشر في كل جنباتها شاهداً على أبشع احتلال عرفه التاريخ".
ويقول المقوسي: "الاحتلال استخدم الأسلحة الثقيلة والمحرمة دولياً في قتل الناس، ومنع إمدادات الطعام والغذاء، وقطع الكهرباء والمياه والاتصالات. يمارس إبادة وجرائم جماعية مروعة بدعم من أميركا. لكننا نواجه هذه العدوان الصهيوني بكل قوة وإيمان بالنصر، وسنستمر في المقاومة والصمود والتمسك بالأرض، ولن نغادرها بالمطلق وحتماً سننتصر وسيزول هذا الكيان الطارئ. فما جرى في السابع من أكتوبر سيخلده التاريخ".
من جهته، يقول أبو حسام، وهو أحد أبناء قطاع غزة وابن مخيم جباليا، والمقيم في مخيم المية ومية في مدينة صيدا: "يُقيم أخوالي في السودانية بالقرب من بيت لاهيا، وأولاد عمي في مخيم جباليا، وأختي نجلاء في خان يونس، وأولاد أخوالي في حي التفاح وحي الزيتون بالشجاعية. كنت أتواصل معهم قبل العدوان. لكن مع بدايته، وبسبب خروجهم من بيوتهم إلى المدارس أو إلى أماكن يعتقدون أنها آمنة، وبسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، بات الاتصال بهم شبه معدوم. أضطر لإجراء مكالمة دولية للاطمئنان عليهم. أوفق في ذلك أحياناً".
يتابع: "بيت أختي وبيت ابنتها دمرا وسويا بالأرض. كما دمر منزل أولاد خالي في بيت لاهيا، بالإضافة إلى مصنع الأقمشة الخاص بهم. لا أعلم شيئاً عن أولاد عمي بجباليا وفي مخيم الشاطئ، وأولاد خالي بحي التفاح وحي الزيتون. يعيش 48 شخصاً من عائلتي في غرفة واحدة في مدرسة تابعة للأونروا. يعيشون معاناة مستمرة. لا مياه ولا نظافة. قالوا لي: لا نعرف مكانًا نذهب إليه. ننتظر دورنا لنموت". ويختم حديثة قائلاً: "لا أستطيع وصف شعوري. خليط من الحزن والغضب والقهر لما يحصل لأبناء شعبنا في غزة".
بدورها، تقول سميحة رمضان لطفي المتحدرة من جباليا البلد، والمقيمة في مخيم البداوي شمال لبنان: "جميع أقاربي يقيمون في جباليا. ومنذ اليوم الثالث للحرب، انقطعت الاتصالات بيننا ولم أعد أعرف عنهم شيئاً. يلازمني شعور مستمر بالقلق حيالهم. لا أنام. أشاهد الأخبار طوال الوقت علني أعرف شيئاً عنهم".