تدفع الأوضاع المعيشية الصعبة في قطاع غزة نساء فلسطينيات إلى العمل في تربية الطيور والحيوانات، بهدف توفير مصدر دخل يُمكّنهنّ من توفير المتطلبات الحياتية اليومية لأسرهنّ في ظلّ ارتفاع معدّلات البطالة والفقر في القطاع الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيلي.
وتبرز مشاريع صغيرة عديدة على الرغم من صعوبتها، وتتنوّع كذلك، إذ إنّها قد تشمل تربية الطيور من بطّ وحمام ودجاج، فيما تتّجه نساء أخريات إلى تربية الأرانب والأغنام، علماً أنّ هذه المجالات كانت حكراً على الرجال، غير أنّ الحال تبدّلت بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة.
شيرين شخصة، من حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة، واحدة من هؤلاء النساء، وتخبر "العربي الجديد" أنّها بدأت مشروعها الخاص في تفريخ الحمام وتربيته، قبل أنّ تتحوّل إلى تربية أنواع أخرى مثل الدجاج والبطّ، تبيعها لإعالة أسرتها المكوّنة من ستّة أفراد.
وتوضح شخصة أنّها صارت المعيلة الوحيدة لأسرتها بعد اضطرار زوجها إلى التوقّف عن عمله في مجال الدهان، بعد خضوعه إلى عملية جراحية في عنقه وعدم تمكّنه بالتالي من مواصلة العمل. ولا تخفي أنّ مشقّة العمل الذي تقوم به كبيرة، غير أنّه لا مفرّ منه.
ويقوم مشروع شخصة على تربية 40 زوجاً من الحمام في غرفة مخصّصة لذلك قبل بيعها، علماً أنّها تستفيد كذلك من "الزغاليل"، فراخ الحمام، إذ تُعَدّ وجبة محبّبة بالنسبة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة.
من جهتها، تربّي الفلسطينية لينا الشريف، من مخيّم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، الدجاج البلدي والبطّ. وتخبر الشريف "العربي الجديد" أنّ عملها بدأ في تربية الدواجن مع تدهور أوضاع أسرتها المادية.
وتبيع الشريف بيض الدجاج المُنتَج يومياً من أجل توفير الاحتياجات الأساسية للبيت، خصوصاً بعد قطع راتب زوجها الموظّف وعدم توفّر مصدر دخل آخر يُمكّنها من توفير المتطلبات اليومية لأسرتها المكوّنة من ستة أفراد، أو الأدوية الخاصة بطفلها.
وبسبب ارتفاع التكاليف وغلاء أسعار الأراضي المستأجرة أو تلك التي يُمكن للنساء إقامة مشاريعهنّ الصغيرة عليها، تتّجه النساء إلى تخصيص مساحات مُحدّدة في بيوتهنّ لإقامة مشاريعهنّ الصغيرة عليها، فيتمكنّ بالتالي من توفير مصدر ثابت للدخل من دون دفع تكاليف إضافية، باستثناء بعض أساسيات المشروع، أي مستلزمات تجهيز المكان المُخصّص له والأعلاف المخصّصة للطيور أو الحيوانات، إلى جانب تكاليف الرعاية الدورية بتلك الكائنات للحفاظ على سلامتها واستمرار المشروع بصورة آمنة.
في سياق متصل، تتّجه نساء إلى المؤسسات النسوية أو المؤسسات التي توفّر قروض المشاريع الصغيرة، إذ في إمكانها أن تُساعدهنّ في توفير المستلزمات الأساسية التي تُعَدّ مكلفة، نظراً إلى أوضاعهنّ الصعبة. وفي حال عدم تمكنّهنّ من الحصول على المنحة أو القرض، يتّجه بعض منهنّ إلى الاستدانة أو إلى بيع مقتنيات غير ضرورية للتمكّن من البدء بمشروع يوفّر الاكتفاء، وإن من خلال دخله البسيط والثابت.
هالة الجبيري امرأة فلسطينية أخرى استفادت من مشروع خاص، فبدأت بتربية الأرانب والطيور لإعالة أسرتها المكوّنة من ثمانية أفراد، لا سيّما بعد توقّف زوجها عن العمل وعدم حصول أيّ من أولادها على فرصة عمل.
وإذ تشير الجبيري إلى أنّ مشروعها بحاجة إلى جهد واهتمام كبيرَين، تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تطمح من خلال مشروعها الذي تُقيمه في منطقة المُغراقة، وسط قطاع غزة، إلى بناء بيت وتعليم أبنائها، إلا أنّها تواجِه تحديات عديدة من قبيل التقلبات الجوية، لا سيّما ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب غلاء الأعلاف، الأمر الذي يُبقي المشروع في خانة توفير الحاجيات الأساسية والمتطلبات الضرورية للبيت والأسرة.
تجدر الإشارة إلى أنّ قطاع غزة، الذي يخضع لحصار الاحتلال الإسرائيلي منذ 17 عاماً، يواجه مجموعة تحديات، في مقدّمتها التحديات الاقتصادية التي أرخت بظلالها على كلّ ملامح ومناحي الحياة، وأدت إلى تضاعف نسب البطالة التي تخطت حاجز 65 في المائة، ونسب الفقر التي تخطّت 70 في المائة، علماً أنّ نسبة اعتماد الناس على المؤسسات والمعونات يتخطّى 80 في المائة.