لا يفارق الحزن والألم الممزوجان بملامح البراءة الطفلة الفلسطينية سوزي اشكنتنا من مدينة غزة، على الرغم من مرور عام كامل على استشهاد والدتها وجميع أشقائها في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. فذلك العدوان الذي يصادف اليوم الثلاثاء في العاشر من مايو/ أيار ذكرى انطلاقه، خلّف الكثير في نفس الصغيرة كما في نفوس كثيرين من أطفال غزة عموماً.
وتتقاسم الطفلة الفلسطينية البالغة من العمر ثمانية أعوام، مع والدها، تفاصيل ذكريات أسرتها التي استشهد معظم أفرادها في لحظة واحدة، عندما استهدفت طائرات حربية إسرائيلية المبنى السكني حيث كانوا يقيمون في مسكن مستأجر.
تعود قصة عائلة اشكنتنا إلى فجر السادس عشر من مايو 2021، حين استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المعادية شارع الوحدة في حيّ الرمال غربي مدينة غزة، ودمّرت عشرات الشقق السكنية من دون أن يوجَّه مسبقاً أيّ تنبيه للمدنيين حتى يتّخذوا الحيطة والحذر، مثلما كانت تجري العادة في بعض الأحيان. بالتالي، دُمّرت المباني السكنية فوق رؤوس ساكنيها، مُخلّفة ما يزيد عن 42 شهيداً وشهيدة، معظمهم من النساء والأطفال.
وقبل أيام، حلّ عيد الفطر للمرّة الثانية على سوزي الصغيرة في غياب والدتها وشقيقتَيها دانا ولانا وشقيقَيها يحيى وزين. كذلك الأمر بالنسبة إلى الوالد رياض. ويمكن الجزم بأنّ الحزن والصدمة اللذَين كانا واضحَين عليها مذ أنقذها ووالدها رجال الدفاع المدني، ما زالا يلازمان الصغيرة. يُذكر أنّ إنقاذهما أتى بعد ساعات طويلة قضياها تحت أنقاض شقتهما السكنية التي دمّرتها غارات إسرائيلية ضخمة.
وما زال الشوق يكوي قلب الطفلة الغزية، فهي تقول وتكرّر إنّها مشتاقة لوالدتها، ولا تتوقّف عن ذكرها وعن رؤيتها في أحلامها. وهي ما زالت حتى اللحظة تخشى البقاء وحدها أو ذكر تفاصيل ما حدث في ليلة المجزرة.
ويخبر الوالد المكلوم رياض "العربي الجديد" أنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية، و"في غمضة عين"، حوّلت المنطقة إلى ساحة حرب ودمار بعدما قُصفت المباني السكنية التي يقطنها المدنيون بشكل جنوني وغير مسبوق، وكذلك كلّ الشوارع والطرقات والمفترقات المؤدية إليها. ويحكي عن قصف "مفترق بالميرا ومفترق التايلندي والشوارع الواصلة بين المنطقة ومجمع الشفاء الطبي"، بهدف عرقلة جهود الإنقاذ والإسعاف وإلحاق الأذى بأكبر عدد ممكن من المدنيين.
ويحاول رياض وصف المشهد حينها، قائلاً إنّ "الركام والدمار في كلّ مكان"، وهو لا يشيح بنظره عن صور أفراد أسرته التي "أبيدت بفعل الصواريخ الإسرائيلية". ويؤكد: "لم نتصوّر للحظة أن تُقصَف العمارتان المتلاصقتان لعائلة أبو العوف"، حيث كان يستأجر شقة، فيما ألحق القصف الضرر كذلك بـ"عمارة ثالثة لعائلة الكولك... وكانت مجزرة بمعنى الكلمة".
ولا يخفي رياض أنّه أصيب بعدد من الجروح في مختلف أنحاء جسده نتيجة القصف، وقد بقي نحو خمس ساعات محتجزاً داخل حفرة خراسانية وقدمه معلّقة بعمود إسمنتي ويده بعمود آخر. أمّا ابنته سوزي التي ظلّت محتجزة لنحو عشر ساعات، فقد خرجت بكدمات في مختلف أنحاء جسدها الذي كان مغُطّى كذلك بالأتربة والغبار لحظة إنقاذها.