تتبع مدرسة الفاخورة الواقعة في قلب مخيم جباليا للاجئين في شمالي قطاع غزة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وترفع علم الأمم المتحدة، لكنها كانت إحدى أكثر المدارس التي طاولها القصف الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة التي شهدت تكرار العدوان على القطاع.
تضم المدرسة حالياً آلافاً من النازحين الذين قرروا عدم تركها رغم تهديدات جيش الاحتلال بقصفها. في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، قصفت طائرات الاحتلال منزلاً ملاصقاً للمدرسة، ما خلّف 15 شهيداً وقرابة 60 جريحاً، من بينهم نازحون إلى المدرسة كانوا موجودين على بوابتها بسبب شدة الازدحام بالداخل، أو خارجين لتأمين الماء والطعام.
أصيب الطفل أحمد شاهين (13 سنة)، في ساقه اليسرى نتيجة القصف، ويقول والده جمال شاهين إن أحمد يخضع حالياً للعلاج مع احتمال بتر ساقه اليسرى، مضيفاً أن ابنه كان خارج المدرسة برفقة مجموعة من الأطفال يبحثون عن مكان للعب، فأصيب عدد منهم في القصف الذي ألحق أضراراً بمن كانوا يجلسون بالقرب من بوابة المدرسة، وبالفصول الأمامية التي تكتظ بالنازحين.
نزحت عائلة جمال شاهين من الجانب الشرقي لمخيم جباليا إلى مدرسة الفاخورة رافضين النزوح إلى جنوبي القطاع رغم المنشورات التهديدية التي أسقطها الاحتلال عليهم منذ بداية العدوان، وقد استهدفت عائلة ابن عمه خلال نزوحها في شارع صلاح الدين، فاستشهد اثنان من أفرادها وأصيب ستة آخرون.
يقول شاهين لـ"العربي الجديد": "لجوؤنا إلى المدارس ليس لأنها محمية من الأمم المتحدة، فأهل قطاع غزة كلهم يعرفون أنه لا توجد حماية أممية، وأن القوانين الدولية لا تستطيع حمايتهم من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ونحن نلجأ إلى المدارس حتى نحتمي بعضنا ببعض، ورغم أن الضرر يكون أكبر في حال قصف مراكز الإيواء، لكن الواقع أن قطاع غزة صغير، وكله تحت القصف، فأين نهرب؟".
نزح 1.5 مليون شخص في مختلف أنحاء قطاع غزة منذ 7 أكتوبر
وعقب القصف، غادر عدد من النازحين مدرسة الفاخورة باتجاه شارع صلاح الدين، ثم ساروا على الأقدام باتجاه وسط وجنوبي قطاع غزة، ومعظمهم من الأسر التي لديها أطفال، بينما توجه عدد من المصابين إلى مجمع الشفاء الطبي نظراً لعدم استيعاب المستشفى الإندونيسي أعداد المصابين.
ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن القصف الإسرائيلي استهدف خمس مدارس تأوي نازحين في شمالي القطاع ووسط مدينة غزة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، وأن القصف ألحق حتى الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني، دماراً بـ237 مدرسة، بعضها تتبع لوكالة أونروا، وأخرجت عن الخدمة 60 مدرسة معظمها تتبع لأونروا، وكانت تأوي نازحين.
وكشفت (أونروا) في بيان، يوم الخميس، عن مقتل 3 من موظفيها في غزة، ما يرفع عدد موظفيها الذين قتلوا في غزة منذ بداية الحرب إلى 92 شخصاً، بينما وصل عدد المصابين بسبب القصف الإسرائيلي إلى ما لا يقل عن 26 شخصاً منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويشدد البيان على أنه "أكبر رقم لعدد من موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين يقتلون في صراع في تاريخ الأمم المتحدة"، فضلاً عن تعرض 48 من منشآت الوكالة في أنحاء قطاع غزة لأضرار من جراء القصف، ومعظمها من المدارس. وتابع البيان: "فقد العديد من موظفينا أقاربهم وأصدقاءهم، واضطروا إلى النزوح من منازلهم، لكننا نواصل العمل لتقديم المساعدة الإنسانية لسكان القطاع".
تضيف "أونروا": "نزح ما يقرب من 1.5 مليون شخص في مختلف أنحاء قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، وتم افتتاح ملجأين إضافيين في المنطقة الوسطى، وهناك ما يقرب من 730 ألف نازح داخلياً يقيمون الآن في 151 منشأة تابعة لأونروا في محافظات قطاع غزة الخمس، من بينهم أكثر من 570 ألف نازح في 94 منشأة في مناطق الوسط وخانيونس ورفح. كان ما يقرب من 160 ألف نازح يقيمون في 57 مدرسة تابعة لأونروا في المناطق الشمالية حتى 12 أكتوبر، وذلك قبل إصدار أمر الإخلاء من قبل السلطات الإسرائيلية. أونروا غير قادرة على الوصول إلى هذه الملاجئ لمساعدة أو حماية النازحين، وليس لديها معلومات عن احتياجاتهم وظروفهم".
وأصيب أكثر من 540 نازحاً كانوا يحتمون داخل مدارس أونروا، واستشهد 66 نازحا على الأقل منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وكانت أبشع المجازر تلك التي وقعت داخل مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي في شمالي القطاع، إذ كانت العائلات داخل فصول المدرسة، وأطلق الاحتلال قذائف مباشرة عليها، ما خلف أكثر من 20 شهيداً و50 مصاباً.
730 ألف نازح يقيمون في 151 منشأة تابعة لأونروا في قطاع غزة
كان أحمد فروخ (49 سنة)، أحد النازحين إلى المدرسة، وأصيب جميع أفراد أسرته في القصف، ويقول لـ"العربي الجديد": "كان قصف المدرسة مباشراً، وكنت أنقل المصابين بينما لا أدري من هم تحديداً، وكان من بينهم ابنتي وزوجتي وأبناء شقيقي. وضعنا 15 فرداً تقريباً من الأطفال والنساء في سيارة الإسعاف، وكنت ملطخاً بالدماء بشدة، وعندما وصلت إلى المستشفى اعتقدوا أنني مصاب، لكنها كانت دماء المصابين. وخضعت ابنتي دينا لعملية جراحية، وقد خسرت كليتها، لكنها نجت".
يضيف فروخ: "حماية علم الأمم المتحدة لا تطاول الفلسطينيين. عندما كنا صغاراً علمونا في المدارس أن الأمم المتحدة هي منظمة لتطبيق حقوق الإنسان، لكن يبدو أن ذلك لا يشمل حقوق الإنسان الفلسطيني، ورغم ذلك كنا نحاول تصديق أننا قد نحصل على نوع من الحماية المؤقتة، لكن بعد ما رأيته في قصف المدرسة، فحتى لو أرسلت الأمم المتحدة جيوشاً، فلن أصدق أنهم سيحموننا من قصف الطائرات الإسرائيلية".
ووثقت كاميرات نازحين ونشطاء إطلاق طائرات الاحتلال قنابل فوسفورية باتجاه النازحين في مدرسة أبو عاصي الابتدائية الموجودة في المنطقة الشمالية من مخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة، وأصيب معظم النازحين فيها بالاختناق قبل أن يقوم البعض بإخماد مفعول تلك القنابل باستخدام الرمال بعدما سمعوا نصائح حول ذلك عبر الراديو.
بالرغم من وجود مدارس حكومية للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مختلف مناطق قطاع غزة، إلا أن الفكرة الأساسية لدى الغزيين هي الحصول على مأوى شبه آمن في مدارس "أونروا". كانت إنعام أبو العبد (45 سنة)، نازحة في مدرسة أبو عاصي، وعقب إطلاق قنابل الفوسفور على مخيم الشاطئ، نزحت مجدداً إلى شرقي مدينة غزة، ثم بدأت رحلة النزوح الأطول برفقة أسرتها إلى مدينة خانيونس في جنوبي القطاع عبر شارع صلاح الدين.
تقول أبو العبد: "رأينا الفوسفور، فخفت على مصير أبنائي الأربعة وما قد يتعرضون له من أعراض مستقبلية. كانت خطتنا في البداية هي الاحتماء بمدارس أونروا، لأن جيش الاحتلال يُكرر أن المقرات التي يقصفها تتبع لحكومة غزة، لذا ذهبنا إلى مدارس أونروا كونها مدارس تحمل علم الأمم المتحدة، لكن تبين بعد تكرار الاستهداف لها خلال العدوان الحالي أن هذا العلم لا يحمي أحداً".
كان المحامي ساهر نصر يعمل ضمن فريق محامين لرصد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي مع عدد من منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الأسرى، وشارك في توثيق انتهاكات لحقوق النازحين بعد العدوان الإسرائيلي في عام 2009، وفي عدوان عام 2014، ويؤكد أن "مراسلات لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة أشارت إلى وجود أدلة واضحة على وقوع جرائم حرب، رغم أن سلطات الاحتلال قيدت وصول عدد من لجان تقصي الحقائق إلى قطاع غزة في العديد من الحروب السابقة، لكن في العدوان الحالي، اللجنة ستتبادل المعلومات مع السلطات القضائية المعنية، ونتطلع أن تسير المحاكمات هذه المرة على عكس ما جرى في الماضي".
ويقول نصر لـ"العربي الجديد": "يحظر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية توجيه الهجمات عمداً ضد الوحدات الطبية ووسائل النقل الطبية، والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، ويعتبرها جرائم حرب، ولدى وكالة أونروا وحدها أدلة كثيرة تدين الاحتلال الإسرائيلي، لكن الأمر يحتاج إلى قرار شجاع من أونروا لتقديم الأدلة إلى المحاكم الدولية".