بحسب ما يبيّن التصنيف الدولي في التقرير الصادر عن المؤسسة البريطانية "براند فايننس" في مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، تقدّمت قطر ستّ مراتب جديدة عن ترتيبها السابق في المؤشر العالمي للقوة الناعمة في عام 2022 الماضي. بالتالي حلّت قطر في عام 2023 الجاري في المرتبة 24 عالمياً، متقدّمة بذلك على 97 دولة حول العالم.
ويعود الإنجاز المحقّق إلى التقدّم الذي سجّلته قطر على مستوى مقاييس الأداء الرئيسية الثلاثة، أي الألفة والسمعة والتأثير، الأمر الذي جعلها تصل للمرّة الأولى إلى قائمة الدول الخمس وعشرين الأكثر تمتّعاً بالقوة الناعمة.
ويشير التقرير إلى أنّ هذا التقدّم اللافت يعود في الأساس إلى احتضان قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، شارحاً أنّ نتائج المؤشر لعام 2023 تستند إلى البحث الذي أُجري قبل انعقاد هذه البطولة في أواخر العام الماضي، أي في الوقت الذي كان فيه جلّ الإعلام الغربي يروّج لمزاعم عدّة ضدّ قطر والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ويتوقع بذلك التقرير أن تتقدّم قطر أكثر في ترتيب العام المقبل، في ضوء الإشادة الدولية التي حظيت بها لحسن تنظيمها هذا الحدث العالمي.
يضيف التقرير نفسه أنّه على الرغم من التغطية الإعلامية المتضاربة فقد حقّق مونديال قطر-2022 نجاحاً كبيراً، وأظهرت قطر سمات قوّتها الناعمة لجمهور عالمي تابع الحدث في الملاعب وعبر شاشات التلفزة، ونتج عن ذلك تحسّن في الانطباعات عن البلاد، خصوصاً عبر سمات الثقافة والتراث. واللافت بحسب نتائج المؤشر هو أنّ هذا النجاح "يشمل أيضاً تحسّناً في السمات المرتبطة بقضايا كانت موضع جدال، إذ صعدت قطر 11 مرتبة في سمات احترام القانون وحقوق الإنسان، وصعدت 12 مرتبة في سمات التسامح وشمول الجميع".
وفي تعليقه على نتائج المؤشر العالمي للقوة الناعمة لعام 2023، يقول مدير الخدمات الرياضية في مؤسسة "براند فاينانس" هوغو هنسلي إنّه "بالعودة إلى أكبر قصة رياضية للقوة الناعمة في العام الماضي، كأس العالم قطر 2022، نرى أنّ البلد قد أحرز تحسّناً في جوانب عديدة. لقد شهدت كلّ دول مجلس التعاون الخليجي تحسّناً في أداء القوة الناعمة هذا العام، إلا أنّ قطر قد قفزت إلى المرتبة 25 عالمياً في مؤشر السمعة (بصعودها خمس مراتب)، وقفزت إلى المرتبة 14 في مؤشر التأثير (بصعودها سبع مراتب)، فيما حققت باقي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مكاسب أقلّ".
وعن أهمية دور الرياضة بالنظر إلى ركائز القوة الناعمة، يضيف هنسلي أنّ "47 في المائة من المشاركين في الدراسة البحثية للمؤشر العالمي للقوة الناعمة مهتمون بالرياضة، مباشرة بعد اهتمامهم بالسينما (الأفلام) والسفر (الثقافات الأجنبية) اللذَين حصل كلاهما على 50 في المائة من اهتمام المشاركين. وتحظى الرياضة بجمهور أوسع من عوامل عديدة للقوة الناعمة الرئيسية الأخرى، مثل الأعمال التجارية والعلوم والسياسة والبيئة والتكنولوجيا".
ونظراً إلى استثمارات قطر في مجال كرة القدم الأوروبية وامتلاكها نادي "باريس سان جيرمان" الفرنسي، وتقديمها عرضاً لشراء نادي "مانشستر يونايتد" البريطاني، وامتلاكها شبكة "بي إن سبورت" الرياضية العالمية، يستخلص هنسلي أنّ قطر تركّز على الرياضة كأداة رئيسية لتعزيز القوة الناعمة بصورة مستدامة.
وقد احتلت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا مركز الصدارة في نتائج مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2023، ويستند المؤشر إلى إحدى أكثر الدراسات البحثية شمولاً في مجال رصد تمثّلات العلامات التجارية للدول، إذ يسبر آراء أكثر من 100 ألف مستجيب في كلّ أنحاء العالم من 121 دولة كعلامة تجارية وطنية، ويستند في تصنيفه على 40 مقياساً بحثياً.
ويعتمد المؤشر تعريف القوة الناعمة (Soft power) الذي صاغه عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي في عام 1990 لوصف قدرة الدول على الجذب والضمّ للإقناع في سياساتها الخارجية، بدلاً من القوة الصلبة (Hard power) التي تعتمد على تقديم إغراءات واللجوء إلى الإكراه والتهديد أو ما يُعرف بسياسة "العصا والجزرة".
وبينما تستند القوة الناعمة على الطوعية والتأثير واللامباشرة، يمكن للقوة الصلبة أن تشمل القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والتهديدات الدبلوماسية. وبالنسبة إلى ناي، فإنّ الدول تتمتع بقدر أكبر من القوة الناعمة إذا كانت ثقافاتها وقيمها ومؤسساتها تثير الإعجاب والاحترام في أجزاء أخرى من العالم.