بدأت السلطات المحلية في عدة محافظات عراقية إجراءات مشددة لحصر بؤر انتشار الحمى النزفية، وقامت بإغلاق مقاصب، وحظائر مواشٍ، بعد تسجيل 12 وفاة وأكثر من 50 إصابة حتى مساء يوم الثلاثاء، وتصدرت محافظات ذي قار والمثنى وبابل أعداد الإصابات، وسجلت، الثلاثاء، أول إصابة في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان.
وأكد مسؤول صحي أن السلطات ستتخذ إجراءات جديدة لمواجهة المرض، من بينها حظر نقل المواشي من المحافظات التي سجلت فيها إصابات، وإغلاق المقاصب التي لا تضم أطباء، وإخضاع العاملين في المقاصب للفحص، وإمداد المستشفيات بالأمصال والعلاجات اللازمة، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن "تزامن المرض مع وباء كورونا سيزيد من أعباء الكوادر الطبية".
وسجلت أسعار اللحوم الحمراء انخفاضا حادا للأسبوع الثاني على التوالي، إذ يتجنب كثير من المواطنين شراءها، ويقبلون على الدواجن والأسماك، لتتدنى أسعار اللحوم في العاصمة بغداد إلى نحو 10 آلاف دينار (نحو 8 دولارات) للكيلو الواحد.
وتؤدي الإصابة بالحمى النزفية إلى إتلاف جدران الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى نزيف، وإعاقة إمكانية تجلط الدم الذي يهدد حياة المصاب، ويؤكد أطباء أن الإهمال الصحي والبيئي سبب مباشر في تفشي الفيروس، إذ يؤدي انتشار الذبح العشوائي للماشية في بيئة لا تتوافق مع الشروط الصحية، إلى انتشار القوارض والبعوض التي تعتبر من أبرز نواقل الفيروس.
يقول الطبيب عباس الربيعي لـ"العربي الجديد"، إن القضاء على الفيروس غير ممكن لعدم وجود علاج، "لكن بالإمكان الوقاية من الإصابة من خلال نشر الوعي في المناطق الريفية، ومناطق السكن العشوائي التي تكثر فيها القوارض والحشرات، وأغلب الإصابات سجلت في هذه المناطق".
هذه أسباب وأعراض مرض الحمى النزفية
وتفيد المعلومات الصحية المتوافرة حول فيروس الحمى النزفية بأن أسباب إصابة الإنسان متعددة، ومن بينها التعرض للدغات الحشرات المصابة بالعدوى، أو مخالطة الحيوانات المصابة أثناء ذبحها من دون استخدام الملابس والتجهيزات الواقية، كما يعتبر انتقال العدوى من أشخاص مصابين طريقة شائعة لانتقال المرض، وينصح دائما بتجنب البقاء في المناطق الموبوءة، أو السفر إليها، أو مخالطة الأشخاص المصابين عن قرب، أو مشاركة الإبر الوريدية المستخدمة في حقن الأدوية.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن أعراض الإصابة بالفيروس تتباين بين أعراض بسيطة وأخرى خطيرة، وفقاً لنوع الإصابة، وتشمل الأعراض البسيطة الشعور بالتعب والإرهاق أو الضعف العام، مع ارتفاع درجات الحرارة، والغثيان، والقييء، والإسهال، والمعاناة من آلام في المفاصل، والعظام والعضلات، بينما تشمل الأعراض الخطيرة حصول نزيف دموي تحت الجلد، أو في الأعضاء الداخلية، أو في الفم، أو العينين، والأذنين، أو خلل وظيفي في الجهاز العصبي، أو الهذيان، أو الدخول في غيبوبة، أو الفشل الكلوي، أو الفشل التنفسي، أو فشل الكبد.
وبات فيروس الحمى النزفية يشغل حيزاً كبيراً من أحاديث العراقيين اليومية، وأخذوا يقبلون على اتخاذ الاحتياطات للوقاية من الإصابة به، لكن البعض يبالغ كثيراً في هذه الاحتياطات، وفق ما يقوله عادل جميل، والذي يملك محل جزارة في منطقة الكرادة بوسط العاصمة بغداد.
ويوضح جميل لـ"العربي الجديد"، أن بعض زبائنه المعتادين أحجموا عن شراء اللحوم خوفاً من الإصابة بالفيروس المنتشر، مشيراً إلى أنه يحاول دوماً التأكيد لهم أن محال الجزارة المرخصة تراعي جميع الشروط الصحية، وبالتالي لا يمكن أن تكون لحومها ناقلة للفيروس.
ويضيف: "أعتقد أن عزوف الناس عن الشراء وقتي، فارتفاع عدد الإصابات يسبب خوفاً لدى الناس، لكن عند الوصول إلى قناعة بأن اللحوم ليست خطرة، وإنما فقط اللحوم التي تُحضَّر في بيئة عمل بعيدة عن الشروط الصحية اللازمة، سيعود العازفون عن الشراء إلى قناعتهم السابقة بالإقبال على اللحوم".
وتنتشر في أنحاء العراق مجازر عشوائية غير مرخصة، وبعضها ظاهر للعيان، فيما تنتشر في بعض الأحياء السكنية الشعبية الفقيرة مواقع لتربية الماشية، وبعضها يقوم بالذبح وبيع اللحوم، وجميعها أنشطة غير مرخصة.
يقول المفتش في وزارة الصحة، فاضل خضر، لـ"العربي الجديد"، إن هناك مداهمات تقوم بها لجان التفتيش لمواقع الذبح العشوائي للماشية، مستدركاً أن "بعض من يمارسون هذه المهنة لا يمكن محاسبتهم كونهم على ارتباط بجهات مسلحة، وهناك مشكلات أخرى تتعلق بالنزاهة، فبعض اللجان الرقابية لا تتخذ الإجراءات اللازمة، أو تتغاضى عن المخالفين في مقابل تلقي أموال".
وأضاف خضر أن "الماشية المصابة بالأمراض يحظر ذبحها إلا بموافقة من الطبيب البيطري، فهناك أمراض لا تؤثر على صحة الإنسان بعد طهي اللحوم، إذ يموت الفيروس في درجة حرارة خمسين مئوية، وهذا معمول به في المجازر المرخصة التي تحظى برقابة طبية، فضلاً عن ارتداء العاملين فيها الملابس والنظارات الواقية كي لا يصابوا بعدوى من الماشية المصابة، لكن هذا غير قائم في المجازر العشوائية، ونحذر باستمرار من شراء اللحوم إلا من المجازر المرخصة".
وتنصح منظمة الصحة العالمية بارتداء القفازات وواقيات العينين والوجه عند التعامل مع الدم أو سوائل الجسم، والالتزام بالإرشادات الصحية الخاصة بالنظافة بعد ملامسة الحيوانات، وبتعقيم الأسطح المعرضة للدم والسوائل للقضاء على الفيروسات، كما تنصح بالابتعاد عن حظائر الحيوانات التي تعد مكاناً لتكاثر الحشرات الناقلة للفيروسات، إضافة إلى طهي اللحوم بشكل جيد.
ويؤكد الطبيب البيطري، حيدر قاسم، الذي يدير وحدة للطب البيطري في محافظة ديالى (شرق)، زيادة انتشار الوعي بين كثيرين من مربي الماشية الذين يحاولون منع إصابة مواشيهم بالفيروس، وبالتالي تفادي انتقاله إلى البشر، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "تواصل سكان القرى المحيطة مع الوحدة البيطرية زاد بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، فالجميع يسعون للحفاظ على صحتهم، وعلى صحة مواشيهم، وهذا أمر ليس جديداً على سكان القرى، فالوعي الصحي بمقاومة الأمراض مرتفع منذ سنوات طويلة، لأنهم يدركون مدى خطورة انتشار الأمراض الناجمة عن إصابة الحيوانات، كما يدركون خطورة الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض".
ويتابع قاسم: "بات أغلب عمل وحدتنا البيطرية داخل الحظائر، إذ يتم استدعاؤنا باستمرار لمتابعة أحوال المواشي، وأعتقد أن الالتزام بالنصائح الطبية أمر مهم لمنع تفشي الفيروس. مربو الماشية التزموا بنصائحنا، وأقبلوا على رش الحظائر والمنازل ومواقع أخرى داخل القرى بالمبيدات لمكافحة الحشرات والقوارض التي تعتبر ناقلاً خطيراً للفيروس".
ويوضح قاسم أنه "بالإمكان القضاء على الفيروس في جميع المناطق في حال اعتماد طرق المكافحة الصحيحة، والالتزام بإرشادات اللجان الطبية والبيئية، وإلا فإن الفيروس سينتشر، وسوف تسجل إصابات ووفيات أكبر، وسيطول وقت مكوثه في البلاد، وقد ينتشر إلى بلاد مجاورة".
ومع تزايد انتشار فيروس الحمى النزفية تتزايد الشائعات حوله، إذ يروج البعض أنه سيتسبب في غلق الحدود، ويشبه آخرون مخاطره بفيروس "إيبولا" الذي ضرب دولا أفريقية عدة قبل سنوات.
تقول نجاة حميد (57 سنة) إن أولادها يمنعونها من مغادرة البيت، ويجلبون لها كل ما تحتاجه من مستلزمات معيشية، خوفاً من إمكانية إصابتها بالفيروس، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن خوف أولادها مرده إلى كون مناعتها ضعيفة، ويمكنها التقاط العدوى الفيروسية بسهولة.
تضيف حميد: "أعلم جيداً حقيقة هذا الفيروس، وكيفية الوقاية منه، ولست خائفة كوني أهتم دائماً بمكافحة الحشرات والقوارض المنزلية، ولا أشتري اللحوم إلا من المحال المعروفة والمرخصة. رغم ذلك، فإن أولادي يمنعونني من الخروج إلا للضرورة، ويشترطون أن يكون ذلك برفقة أحدهم".
من جهته، يعتقد صلاح المعموري أن ظهور فيروس جديد في بلاده "أمر بديهي"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "العراق من أسهل مناطق العالم التي يمكن للفيروسات أن تنتشر فيها لكونه بلداً يدار بشكل خاطئ. هناك فساد إداري كبير، وهناك إهمال للبيئة، وإهمال للصحة نتيجة هذا الفساد، ومع التراجع الخطير في الاهتمام بصحة البشر فإنه من السهل انتشار أي فيروس".