قمع تظاهرات النساء يثير المزيد من الغضب في أفغانستان

17 أكتوبر 2022
لم يتم قمع تظاهرة الأفغانيات في مدينة هرات (محسن كريمي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يليق عند قبائل البشتون، وهم أحد المكونات الرئيسية الكبرى في أفغانستان، أن يتطاول الرجل لفظياً على المرأة، ولا يحق له أن يرفع يده عليها، حتى لو كان معه الحق، فهذا أمر معيب تماماً، ما يجعل قمع مسلحي طالبان للتظاهرات النسائية بالقوة يثير الغضب في البلاد.
يقول الزعيم القبلي الأفغاني عبد الودود خان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأعراف الأفغانية تمنع التطاول على النساء، أو تعنيفهن بالضرب، لا سيما إذا كانت المرأة من غير عائلة الرجل، والإسلام دين الرحمة والإحسان، الذي يمنع النساء من السفور، يضع للرجال حدودا للتعامل معهن، وأستغرب جداً من تعامل أفراد طالبان، ومعظمهم درسوا الدين، مع النساء، حتى لو كانت لهن أهداف غير مبررة أو نوايا خفية، كما تقول طالبان".
يضيف خان: "عندنا لا يرفع الرجل يده على نساء أسرته أمام الآخرين، فهذا عيب كبير، لكنّي مع الأسف رأيت مسلحي طالبان يأخذون بقوة الهاتف الجوال من فتاة خرجت في مظاهرة، وأعتقد أن كل مطالب الفتيات واقعية، إنهن يطالبن بفتح المدارس، وإتاحة فرص العمل، وهذا ليس فقط حقهن، بل واجب الحكومة، والتظاهرة الأخيرة خرجت لشجب قتل المواطنين من أبناء الهزارة، وتعرضت كثيرات منهن للتهديد والشد. إنّه أمر طبيعي أن تخرج بعض النساء لرفع الهتافات ضد قتل المواطنين، ولا أدري لماذا أطلقت طالبان النار عليهن، وتعاملت بقسوة معهن، إنّ الحكومة تخلق لنفسها عقبات، وهذا خطير، فقد يدفع البلاد إلى حرب أهلية، لأن الشعب بهذا الشكل سوف ينتفض عاجلاً أم آجلاً".
وأثار التعامل مع التظاهرات الأخيرة في منطقة غرب كابول، في الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حفيظة الكثير من الأفغان، إذ خرجت عشرات النساء للتنديد بمقتل طلاب وطالبات في هجوم انتحاري استهدف مركزاً تربوياً قبلها بيوم واحد، ورفعت التظاهرة شعارات وهتافات تندد بمقتل أبناء أقلية الهزارة الشيعية، وما إن تحركت التظاهرة في منطقة "كوتي سنكي" حتى تصدت لها قوات طالبان، وحاولت تفريقها من خلال إطلاق النار في الهواء بشكل كثيف، مع منع النساء من الوصول إلى موقع التظاهرة.
واتهمت بعض المشاركات قوات طالبان باستخدام القوة ضدهن، بضربهن بالعصي، رغم أنّ هدف التظاهرة كان إدانة الهجوم على المركز التربوي، وقتل المواطنين.
شاركت الناشطة النسائية زنيرة محمد علي في التظاهرة، وقبلها في عدد من التظاهرات المطالبة بفتح مدارس البنات، وإتاحة فرص العمل للنساء، وتقول لـ"العربي الجديد" إن "أفغانستان تمر بمرحلة عجيبة، وغير مقبولة بأي حال، لا للشعب، ولا للمجتمع الدولي. أفغانستان، بغضّ النظر عمن يحكمها، لا يمكنها أن تكون بمعزل عن العالم، وتعليم النساء، والسماح لهن بالعمل من ضمن الحقوق المعروفة، وهذا لا يعارض ثقافة المجتمع الأفغاني، ولا يخالف الدين الإسلامي".

تظاهرة نسائية كبيرة في كابول (فرانس برس)
تكررت التظاهرات النسائية في كابول (فرانس برس)

وتضيف: "على طالبان أن تحترم حقوق النساء، وإلا فإنها ستقضي على نفسها بنفسها، ولا يمكنها ممارسة العنف بحق المتظاهرات السلميات اللاتي لا يردن سوى حقهن المشروع من التعليم والعمل، أو التنديد بعمليات تفجير تقضي على ناشئة البلد. غريب أن طالبان تتعامل مع النساء وكأنهن يسعين للانقلاب، أو تغيير نظام الحكم".

بالتزامن مع تظاهرة كابول المنددة بقتل المراهقين في المركز التربوي، نظمت تظاهرات نسائية في كل من مدينة هرات (غرب) ومزار شريف (شمال)، ولم تواجه التظاهرتان أي عقبات أو عرقلة من جانب السلطات الأمنية، ما يشير إلى أن طالبان بدأت تغير سلوكها مع التظاهرات النسائية، ولو بشكل بطيء.
لكن الناشطة زنيرة تشير إلى أن "طالبان لم تتعامل بشكل مختلف مع تلك التظاهرات، بل أغلقت أبواب جامعة مزارشريف، حين كانت الطالبات يعتزمن الخروج بالتظاهرة إلى الشارع، وهذا نفس ما حصل في كابول، حيث أغلقت أبواب السكن الجامعي للبنات في يوم التظاهرة، كي لا يخرجن إلى الشارع"، موضحة أن "طالبان تفعل كل ما يتاح لها، لكنها تعجز في بعض الأحيان، وهذا ما حصل في هرات ومزار شريف".

ومنذ سيطرتها على الحكم في منتصف أغسطس/آب 2021، باتت تصرفات طالبان مستهجنة من بعض فئات الشعب، وخصوصاً النساء اللاتي لا تتاح لهن الفرصة للعمل في الدوائر الحكومية، باستثناء بعض الإدارات الخاصة. كذلك لم يسمح حتى الآن بفتح المدارس للبنات بعد الصف السادس، على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة.
وبدأت الأصوات تعلو داخل الحركة ضد تلك السياسات، وتمت إقالة وزير التعليم، المولوي نور الله منير، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، وظن كثيرون حينها أن طالبان تمهد بذلك لفتح مدارس البنات، لكنّ ذلك لم يحصل حتى الآن.

المساهمون