أطلقت الولايات المتحدة مؤخراً استراتيجية الأمن الاقتصادي العالمي للمرأة، وهي الأولى من نوعها بحسب وزارة الخارجية الأميركية. تضع الاستراتيجية أجندة طموحة لتعزيز الأمن الاقتصادي للمرأة على الصعيدين المحلي والعالمي، مع التركيز على أربعة مجالات من بينها تطوير القدرة التنافسية الاقتصادية لدى النساء عن طريق وظائف عالية الجودة وتقديم مساعدات فنية وتدريب لكوادر نسائية بهدف دعم الشركات الصغيرة المملوكة للنساء، وتعزيز تقديم الخدمات ورعاية الأطفال والمسنين، ودعم مجال ريادة الأعمال النسائية، والعمل على تفكيك العقبات البنيوية الاجتماعية والقانونية والتنظيمية التي تحول دون تحقيقهن التقدم.
في هذا الإطار، قابل "العربي الجديد" الدبلوماسية الأميركية وسفيرة شؤون المرأة العالمية بالإنابة، كاترينا فوتوفات، للحديث عن تلك الأهداف على مستوى السياسات المحلية والخارجية الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بالمرأة في العالم العربي.
كيف تعملون على تطبيق هذه المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ضمن سياساتكم الخارجية في الشرق الأوسط وتحديداً العالم العربي؟
سنعمل على تطبيقها من خلال الكثير من سفاراتنا وبعثاتنا في الخارج. لدينا برنامج يسمّى "أكاديمية لرائدات الأعمال"، ومن خلاله نقوم بالكثير من التدريب لرائدات الأعمال في الداخل والخارج في دول بعينها. كذلك نعمل مع جامعة فينيكس الأميركية (UOPX)، لتقديم شهادة تدريبية تشمل تعلم التسويق، والحضور على الإنترنت، وتقليص الفجوة بين الجنسين في الإنجاز الرقمي. ويشمل البرنامج تدريباً على التعامل مع توترات ثقافية وعائلية، قد تظهر نتيجة صراعات قوة، والتدريب على كيفية إعداد ميزانية ضمن العائلة وأمور مماثلة. تساعد هذه البرامج النساء على تبادل الخبرات والتجارب على أصعدة عدة، من بينها كيفية التوفيق بين إدارة عمل والواجبات العائلية على سبيل المثال. وهناك إمكانية لتدريب الأزواج على كيفية فهم واستيعاب معنى أن تكون الزوجة رائدة أعمال والمتطلبات المقرونة بذلك وكيفية دعمها. إذاً، يهدف البرنامج إلى نشر الوعي والمشاركة على مستوى شامل للأسرة والمجتمع عموماً.
على سبيل المثال، في ما يخص العالم العربي، أطلقنا مبادرة مؤخراً في مصر بقيمة أربعين مليون دولار، تهدف إلى دعم تمكين المرأة الاقتصادي هناك. ونحاول الاستماع إلى أصوات النساء واحتياجاتهن والدعم الذي يمكن تقديمه. أحد الاختلافات الكبيرة في الوقت الحالي (مقارنة بأوقات ماضية)، هو العمل بطريقة لا نأتي من خلالها بأفكار جاهزة من الولايات المتحدة تفرض على النساء في تلك الدول. نحاول التأكد من تقديم دعم مفيد يساند العمل الذي يقمن به. في الأردن، نعمل من خلال برنامج للبنك الدولي لدعم جهود التدريب في مجال التكنولوجيا المالية، ونقدّم نوعاً من التدريب على كيفية تقديم طلبات عبر الإنترنت للحصول على الدعم الاقتصادي أو تقديم طلب للحصول على قروض للمصارف. ونقدم تدريبات حول كيفية الاستمرار بالحصول على الدعم المادي لأعمالهن في مجال ريادة الأعمال، أو كيف يمكن الحصول على دعم لخلق وظائف ذات أجر جيد. ويعني الأمر تزويد الحكومات بالأدوات اللازمة لفهم ما تحتاجه النساء حتى يتمكنّ من الاستمرار في تأدية عملهن، كتأمين حضانة للأطفال.
ونجري مثل هذه النقاشات على مستوى الحكومات والشركات. ومن المفيد ربط الشركات الكبيرة والمؤسسات والشركات الصغيرة كي تتمكن من تبادل ومشاركة الخبرات. كما نستغل قدرة الحكومة الأميركية على جمع الأطراف معاً قدر الإمكان، والشراكة مع المجتمع المدني، القطاع الخاص، والدعم الحكومي أيضاً.
ما هي التحديات التي تواجهكم في العمل مع دول المنطقة العربية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول مختلفة ومجتمعاتها وظروفها متنوعة؟
نرى الأمن الاقتصادي للمرأة كمجال للفرص، لكن التحديات تظهر في معوقات أخرى كالعنف الجندري مثلاً. والأسئلة المطروحة هنا هي كيف يتم تعريفه؟ وكيف تعالج المجتمعات ذلك؟ وهل تعريفات الحكومات للعنف الجندري تشمل الجميع؟ على سبيل المثال، فإن النساء ذوات الإعاقة معرضات أكثر من غيرهن لأن يكن ضحايا أو ناجيات من العنف الجندري. لكن كيف نعرّف الإعاقة؟ هناك وسائل مختلفة لتحديد ذلك في دول مختلفة. والسؤال الآخر هو ما إذا كانت هناك نظم لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة؟ إذاً نحن ننظر هنا إلى نهج تقاطعي وعلينا التأكد من أننا نتصدى للتحديات والعوائق التي تواجه مجموعات بعينها.
وهنا يطرح السؤال مجدداً. هل نستمع لأصواتهن؟ وماذا يرغبن ويحتجن؟ إحدى مهامي هي إيصال أصوات النساء على الأرض لصناع القرار والساسة في وزارة الخارجية والبيت الأبيض وأجزاء أخرى من الحكومة الأميركية وحتى السفارات المختلفة والإعلام للتأكد من أنه يتم تسليط الضوء على التحديات المختلفة والصعوبات.
وقبل أن نطلق الاستراتيجية، تشاورنا مع مئات المنظمات ورائدات الأعمال. ففي نهاية المطاف، من الضروري أن تكون هذه الاستراتيجية حول احتياجاتهن وخبرتهن والمعلومات التي جمعنها على مر السنوات. لا يحتجن أن نملي عليهن ما يفعلنه لأن هذا لن ينجح. هت يعرفن حاجاتهن أفضل من غيرهن، ونحن نوفّر الدعم.
في ما يتعلق بمحادثات السلام أو المفاوضات في الصراعات أو ما بعدها، تحدثت عن إقصاء النساء في الكثير من تلك المحادثات. إذا أخذنا على سبيل المثال هنا في الأمم المتحدة ملفات كاليمن وسورية وليبيا وأفغانستان، غالباً ما تكون أصوات النساء مغيبة عن طاولات المفاوضات. ما تبعات ذلك برأيك؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الإقصاء؟
الأمر ملفت للانتباه، ويبدو أن المشكلة الرئيسية تبدو في تحقيق النفعية (النتائج الفورية) مقابل النجاح واستمراريته. ولذلك عندما نتحدث عن مفاوضات سلام، نعلم أن احتمالات استمراريتها ونجاحها لمدة 15 سنة أو أكثر (بعد التوصل إلى اتفاق) تصل إلى نسبة 65 بالمائة، إذا كان ضمن صفوفها النساء. ومع ذلك فإن الاتجاه العام للعاملين في المجال الأمني أو تلك الكيانات التي تتطلع إلى إحلال سلام فوري، هو قيامهم بذلك بشكل قد لا يضمن استمرار السلام. ويبدو هنا أنه يتم ترجيح النفعية على استمرارية النجاح. يعود جزء من ذلك إلى أن من يقود هذه الجهود للنفعية هم رجال. ولاحظنا في السنوات الأخيرة أن نسبة النساء التي شملتهن طواقم مفاوضات السلام حول العالم انخفضت بنسبة خمسة عشر بالمائة.
ويتعيّن على كيانات، مثل حكومة الولايات المتحدة أو غيرها من الحكومات ذات التفكير المماثل، عندما نشارك في مفاوضات، التأكد من مشاركة النساء أو الدفاع من أجل مشاركتهن في تلك الأجزاء من المفاوضات. الأمر صعب للغاية، لأن هناك من سيقول إنه ليس لدينا نساء يتمتعن بالخبرة للقيام بذلك. وإحدى الوسائل التي نحاول العمل من خلالها لمجابهة ذلك تكمن في بناء قدرات الوسطاء المحليين من النساء والتأكد من أن لديهن الأدوات التي يحتجنها للمشاركة بأي نوع من مفاوضات السلام (لاحقاً)، للتصدي لحجج من هذا القبيل. وعلينا التأكد من أننا ندافع عن ذلك على جميع مستويات الحكومة.
ماذا عن الولايات المتحدة، وما هي التحديات التي تواجهكم لتطبيق أجندة تمكين المرأة الاقتصادي داخلياً؟ وماذا عن النساء المهاجرات؟
أظهرت جائحة كورونا عدداً من الأمور، منها العيوب في النظام الاجتماعي والصحي والاقتصادي الأميركي. وأحب استخدام مصطلح تصدع الذي أظهر لنا نقاط الضعف والثغرات على أرض الواقع، وفي الوقت ذاته الإمكانات المتاحة للنهوض.
لذلك، علينا التأكد من أننا نتعامل مع هذه التصدعات كما هي وعدم التستر على تلك التحديات التي شهدناها خلال الجائحة. نحاول معالجتها وعدم التعامل معها وكأنها لم تكن. أصبح وضع النساء، بعد الجائحة، أصعب مما كان عليه قبلها. وإذا لم نعالج هذه القضايا فسنتخلف جميعاً عن الركب. لاحظنا وجود فجوة في ما يخص النساء رائدات الأعمال، يقدرها البنك الدولي بأربعة إلى خمسة تريليونات دولار.
إذا سُدت الفجوة وتوفرت المساواة لرائدات الأعمال لناحية دعمهن الاقتصادي والحصول على التمويل، فإن ذلك سيزيد من قيمة الاقتصاد العالمي بمقدار 5 تريليونات دولار. نعلم أنه إذا توفر التكافؤ في المجال الاقتصادي للمرأة بشكل عام، فإن ذلك سيزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى عقد بمقدار 20 تريليون دولار. هذا يعني أن دعم النساء يؤدي إلى رفع مستويات المعيشة للجميع. لذلك، من غير المنطقي إذاً ألا نقوم بذلك.
هناك تقرير للأمم المتحدة يتناول عدم المساواة بين الجنسين، وليس بالضرورة في المجال الاقتصادي فقط، ويشير إلى أننا تأخرنا بقرابة 300 عام مقارنة بما كان الوضع عليه قبل انتشار الجائحة. لهذا، من المُلحّ معالجة هذا الأمر. أعتقد أن التكنولوجيا مفتاح، وهناك الكثير من الأساليب المبتكرة التي يمكننا تقديمها. حضرت منتدى الدوحة للذكاء الاصطناعي وسُلّط الضوء على فريق الروبوتات الأفغاني. وما كان لافتاً للانتباه أن ذلك الفريق عمل على روبوتات تقوم بالتعقيم والتنظيم، وخصوصاً بعد جائحة كورونا. وهذا مثير للاهتمام لأنه يحاول سد فجوة في ما يخص احتياجات النساء، في حين أن ابني مثلاً، الذي يحب بناء الروبوتات، يصنع تلك المتعلقة بالتدمير والحرب. أما النساء فقد صنعن روبوتات هدفها البناء والتشييد وخلق أشياء مفيدة تساعد في أمور تتعلق بحياتهن اليومية. أعتقد أنه من الضروري أن نتيح الفرصة، وخصوصاً لمستقبل الفتيات، وعلينا أن نبدأ ببناء ذلك الآن.