بدأت بلدية غزة في إنجاز كراج لركن السيارات في الجزء الشرقي من ساحة ومتنزه "الجندي المجهول" وسط شارع عمر المختار. وبررت خطوتها بمحاولة تخفيف الازدحام وسط أحد أهم الشوارع في القطاع، لكنها واجهت رفضاً كبيراً من السكان الذين أثاروا المسألة كقضية رأي عام، من دون أن تبالي البلدية، وتواصل الأعمال وقطع الأشجار.
نقل الغزيون غضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات المحلية من إنشاء البلدية الأكبر في القطاع كراجاً لركن السيارات في متنزه "الجندي المجهول"، الذي يعتبرونه متنفساً مميزاً لهم وسط قطاع غزة، ويحمل ذكريات كثيرة لتواريخ احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية.
يعلق خيري دلول البالغ 64 من العمر بالقول لـ"العربي الجديد": "بدلاً من تطوير الحديقة وجعلها مكاناً أفضل للراحة من خلال زرع مزيد من الأشجار، استبدلت البلدية هذه الأشجار بحجارة وباطون حتى نعيش ازدحاماً أكبر عبر مشاهدة مناظر المركبات وعوادمها في المكان المزدحم".
ويروي دلول الذي يعيش في حي الزيتون شرقي غزة، أنه اعتاد منذ سنوات أن يخرج إلى متنزه الجندي المجهول للقاء أصدقائه، وتناول المشروبات معهم، للهرب من الهموم اليومية التي تلاحقهم في منازلهم. ويوضح أنه كان يقصد المتنزه في معظم الأيام، لأن لا أماكن ومتنزهات في منطقته المزدحمة بالمباني والسكان.
ويتحدث عن أنه شاهد أعمال تخريب المتنزه صدفة حين قصده، لأنه لا يتابع القضايا التي تثار على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول تجنب سماع الأخبار اليومية التي تعكر مزاجه. ويقول: "تهرب الناس إلى هذا المكان لمشاهدة أشجار ومناظر تخلق البهجة، فهل يعقل أن ينشأ كراج لركن سيارات في موقع فريد يتواجد ضمن بيئة تفتقر إلى متنزهات. الحقيقة أن غزة كلها كتلة باطون كبيرة، ولا تضم إلا البحر كمساحة مفتوحة. من هنا أرى أنه يجب الإبقاء على قليل من الجمال في المدينة".
لكن بعض أصحاب السيارات يصفون استحداث كراج في المتنزه بأنه "خطوة مفيدة". يقول محمود الهمص لـ"العربي الجديد": "رغم الأخطاء التي ترتكبها البلدية في إصدار التراخيص والجباية والأشغال، لكن خطوة استحداثها كراجاً في متنزه الجندي المجهول ممتازة، وأنا أعرف انه لن يكون مجانياً، لكن خيار المكان صحيح".
أيضاً، يرى صاحب محل تجاري وسط شارع عمر المختار يدعى نبيل حرز الله أن "الخطوة إيجابية، لأنني لا أجد مكاناً لركن سيارتي يومياً في المنطقة. وقد طالبت البلدية بتوفير الكراج قبل عامين، لكنني أتخوف حالياً أن تتجاهل البلدية أعمال التنظيف اليومية للكراج".
ويوضح مسؤول الإعلام في بلدية غزة حسني مهنا أن "تحويل المتنزه إلى كراج للسيارات فرضته أزمة المرور التي تعاني منها المنطقة، خصوصاً أنه يتواجد في أحد أكثر الشوارع ازدحاماً. وقد عقدت البلدية سلسلة جلسات للتشاور من أجل إيجاد حلول، ودرست تجهيز كراج للسيارات في مكان مستقل عن المنطقة، لكنها تراجعت بسبب ضرورة إيجاد مكان حيوي مثل منطقة نافورة المياه ومنطقة تمثال الجندي المجهول".
ويشرح أن "البلدية أنشأت كراجاً يتسع لـ35 سيارة ضمن فترة انتظار طويل تخصص لأصحاب المحلات التجارية وسكان المنطقة والمواطنين، مع توفير بوابة للدخول والخروج وسط أكبر منطقة تجارية في شارع عمر المختار. والأكيد أن الكراج سيفيد في معالجة بعض مشاكل الازدحام".
واللافت أن أحد سكان المنطقة ويدعى شريف السوسي رفض المخطط أمام طاقم البلدية في اليوم الأول لبدء تنفيذه. وهو يعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المخطط سيزيد الازدحام والتلوّث، ويفقد المنطقة ركناً مهماً لتجمع الناس في الأعياد والمناسبات السعيدة".
ويشير إلى أن "المتنزه لم يكن للترويح عن النفس فقط، إذ ينام فيه ناس لا يملكون مأوى، وينتمون إلى أسر فقيرة يجري طردها من المنازل بسبب عدم تسديدها مبالغ إيجارات متراكمة، فيحضر أفرادها إلى المتنزه لقضاء يوم أو يومين تمهيداً لانتقالهم إلى شقق أخرى". ويرى أن "أصحاب السيارات قد ينظرون إلى الخطوة بأنها إيجابية، لكنهم لا يشكلون فعلياً إلا نسبة بسيطة من الناس التي تحتاج إلى وجود أماكن للتنزه في غزة".
يضيف: "إنشاء كراج للسيارات في منطقة يعني جمع مال من سائقين يدفعون أصلاً ثمن محروقات أغلى من أي دولة في العالم وسط الغلاء والحصار والضرائب المفروضة. والخطوة لن تعالج الازدحام، بل تنقلنا إلى مكان غير بيئي وسط عوادم السيارات الكثيرة، وتزيل الأشجار الجميلة".