بالتزامن مع تسجيل ارتفاع جديد في عدد الإصابات بفيروس كورونا في مصر، بحسب إحصاءات رسمية صدرت في الأيام الأربعة الأخيرة، والتي تأتي بعد أكثر من شهرين من الانخفاض في عدد الإصابات، تواجه الحكومة أزمة كبيرة في ملف اللقاحات، إذ عجزت منذ السبت الماضي عن توفير الجرعة الثانية من لقاح "أسترازينيكا" لجميع المواطنين الذين وردت أسماؤهم على الجداول بعدما تلقوا الجرعة الأولى، وذلك في نحو نصف عدد محافظات البلاد.
في غضون ذلك، يحذر أطباء من أضرار عدم استكمال التطعيم على الصحة العامة، واحتمال تأثر الوضع الصحي لمن تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح بالواقع المستجد على صعيد عدم توافر الجرعة الثانية، في وقت تحاول هيئة الشراء الموحّد التابعة للجيش ووزارة الصحة تسريع عملية تأمين كميات إضافية من اللقاحات بأنواعها المختلفة خلال الأيام القادمة.
إجهاد
وتقول مصادر في وزارة الصحة المصرية لـ "العربي الجديد" إن "رسائل تأجيل مواعيد الجرعة الثانية التي وصلت إلى هواتف من تلقوا الجرعة الأولى، وذلك لفترات تتراوح بين 10 أيام و13 يوماً، سببها الأول انخفاض عدد جرعات اللقاح المتوافرة في مختلف المراكز على مستوى البلاد، بعدما خلقت ظروف مختلفة هذه المشكلة، وأبرزها إعطاء عشرات الآلاف من المصريين القادمين من الخارج، خصوصاً من دول الخليج خلال فترة العطلة الصيفية والأعياد، جرعة ثانية من لقاح "أسترازينيكا"، بعدما كانوا حصلوا على الجرعة الأولى في الدول التي يعملون فيها، ما أجهد منظومة التطعيم المحلية وقلل الكميات المتاحة.
أما السبب الثاني فيرتبط بتوسيع عملية إعطاء لقاح "أسترازينيكا" خلال الفترة بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين، بأعداد فاقت الكميات التي ضمنت مصر الحصول عليها قبل بداية الصيف، علماً أن كمية جرعات اللقاح "سينوفارم" الصيني انخفضت في انتظار جلب جرعات جديدة.
تشكيك في "سينوفاك"
ويتمثل السبب الثالث في عدم تمكن الحكومة من الإفادة بسرعة من جرعات محلية الصنع من لقاح "سينوفاك"، لأسباب تتعلق بمعايير الكفاءة الفنية الطبية، حيث تتحدث مصادر في وزارة الصحة عن اكتشاف عيوب صناعية في أعمال "سينوفاك" المصرية، استناداً إلى تقارير قدمتها هيئة الدواء المصرية التي تراقب آليات التشغيل والمعايير الطبية للقاحات، ما يعرقل حتى الآن منحها رخصة التوزيع وتنفيذ عمليات التلقيح، رغم الإعلان رسمياً عن إنتاج أول مليون جرعة في حفل كبير حضره رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
وعموماً يطرح لقاح "سينوفاك" تساؤلات علمية حول فعاليته مقارنة ببقية اللقاحات المتاحة، وبينها أيضاً "سينوفارم" الصيني الذي تسببت الصورة الذهنية السلبية وغياب المعلومات الوافية عنه في عزوف نسبة كبيرة من عناصر الأطقم الطبية عن حملة التلقيح الحالية. وأثار "سينوفاك" جدلاً علمياً كبيراً في الصين تسبب في تأخر نيله ترخيص الاستخدام في حالات الطوارئ حتى الأسبوع الماضي فقط، رغم الموافقة على استعمال أربعة لقاحات محلية أخرى. كما تسبب في أزمة في البرازيل التي قررت تداوله في حالات الطوارئ، بعدما أظهر معدل فعالية منخفض جداً لا يتجاوز 50.5 في المائة. أما التجارب التي أجريت عليه في إندونيسيا فحددت فعاليته بنسبة 63.3 في المائة فقط، لكنه سجل الفعالية الأكبر في تركيا وصولاً إلى نسبة 91 في المائة.
أما بالنسبة إلى اللقاحات المستوردة فترتكز منذ البدء على شراء جرعات لقاح "أسترازينيكا". وقد فشل التنسيق بين وزارة الصحة وجهات أخرى حصلت على أنواع اللقاحات الأخرى المستوردة مثل "سبوتنيك في" الروسي الذي شكل اللقاح الأساسي في حملة تطعيم عناصر الجيش والشرطة، ما قلّص الرصيد الاستراتيجي للقاحات في مصر.
نكث وعود
ورغم أن مشكلة تمويل واستيراد اللقاحات العالمية لا تنحصر في مصر وحدها، لكن واضح أن السلطات تعاني من سوء إدارة الأزمة ومن ضعف وسائل السيطرة على الوباء والتعامل معه، إذ لم تتحقق الوعود التي أطلقتها وزيرة الصحة هالة زايد في تصريحات صحافية أدلت بها في يوليو/ تموز الماضي، وكشفت فيها أن "مصر وقعت صفقة لشراء 120 مليون جرعة لقاح، وأن كميات من لقاحي جونسون أند جونسون وفايزر الأميركيين ستصل إلى البلاد قريباً، ونحن نعد وسائل التبريد الخاصة بها".
وبين الوعود غير المنفذة أيضاً والتي تزداد الحاجة لها اليوم، تعميم اللقاحات على المعلمين والعاملين في المدارس قبل نهاية مارس/ آذار الماضي. وقد فات وقت تنفيذ هذه الوعود، في حين أن كميات اللقاحات الموجودة حالياً تجعل إضافة عناصر المنظومة التعليمية إلى الفئات المستهدفة بالتطعيم أمراً مستحيلاً، إلا في حال وصول أكثر من مليوني جرعة جديدة إلى مصر قبل نهاية أغسطس/ آب الجاري، وهو أمر مستبعد بحسب مصادر وزارة الصحة.
وتحذر مصادر وزارة الصحة وأطباء من تزامن أزمة نقص اللقاح مع الانتشار العالمي الحالي لمتحوّر "دلتا" من الفيروس، والذي توقعت اللجنة العلمية لمكافحة الوباء رصده في أراضي البلاد في أي وقت، خصوصاً أن منظمة الصحة العالمية سبق أن حذرت من تأخير إعطاء الجرعة الثانية من أي لقاح لأكثر من ستة أيام، وهو موعد تخطته فعلاً السلطات الصحية في مصر.
وتزيد أهمية هذه التحذيرات عودة ارتفاع عدد الإصابات أخيراً، وذلك بعد مرور أسبوعين على عيد الأضحى الذي لم تطبق فيه مصر أية تدابير احترازية، في إجراء حصل للمرة الأولى خلال مناسبة دينية منذ ظهور الجائحة نهاية عام 2019. وناهز عدد الإصابات الـ 50 يومياً، علماً أن إجمالي عدد الإصابات يتجاوز 284,311 وعدد الوفيات 16,522، والتي تشكل نسبة 5.81 في المائة إجمالي عدد المصابين، وتجعل مصر إحدى أكثر الدول تضرراً بالوفيات في العالم، رغم ضعف قدرتها في رصد الوباء، وعدم منطقية الأعداد المسجلة في كل الموجات التي شهدتها البلاد منذ ظهور الجائحة. كما تطرح التحذيرات تساؤلات عدة حول مدى نجاح اللقاحات الحالية بعد تحور الفيروس مرات، ما قد يؤثر سلباً على فعاليتها بحسب دراسات علمية عدة، علماً أن مصادر وزارة الصحة تؤكد تلقي أقل من 4 ملايين مصري جرعة واحدة على الأقل.