في مارس/ آذار الماضي جمّدت السلطات التونسية تطبيق بعض إجراءات الوقاية المرتبطة بمكافحة وباء كورونا، من خلال تخفيف حظر التجول الليلي وإلغاء الحجر الصحي الإجباري للوافدين من الخارج وحاملي الوثائق عن تحاليل مخبرية سالبة، ووقف تنفيذ الحظر المفروض على التنقل بين المدن. كما مددت موعد إغلاق المقاهي والمطاعم من الرابعة بعد الظهر إلى الثامنة مساءً، في سبيل إنقاذ موسم السياحة الصيفي الذي تراجعت إيراداته بنسبة 65 في المائة عام 2020، بحسب وزارة السياحة.
لكن لم يمرّ شهران على اتخاذ هذه الإجراءات حتى شهدت تونس وضعاً صحياً كارثياً نتج من انتشار موجة جديدة من الوباء، إثر ظهور متحوّر "دلتا" الهندي الأسرع انتشاراً والأكثر فتكاً، ما دفع اللجنة العلمية المكلفة التصدي للفيروس إلى إعادة تشديد إجراءات الوقاية، وصولاً إلى فرض حجر صحي شامل في بعض المناطق بينها تلك الساحلية، وحظر تجول ليلي بدءاً من الساعة الثامنة. وامتد ذلك إلى منع التنقل بين المحافظات، ومنح ولاة المناطق صلاحيات اتخاذ إجراءات صحية خاصة في حال حصول انتشار كبير للفيروس، وإعلان بؤر التفشي مناطق موبوءة يمنع دخولها والخروج منها إلا بتراخيص.
شاطئ بو جعفر في محافظة سوسة الساحلية الذي يعتبر أحد الأكثر شهرة سياحياً في تونس، بات خالياً من المصطافين أكانوا مواطنين أم سائحين أجانب. ونشر ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للشاطئ أظهرت خلوّه من الناس، في حين اعتاد أن يشهد في هذه الفترة حركة نشطة وتوافد عدد كبير من المصطافين. وارتبط ذلك بقرار والي المحافظة منع التجمعات في الحدائق العامة وارتياد الشاطئ لتجنب العدوى، وتجميده التنقل بين مناطق في سوسة.
وتكرر المشهد ذاته في شواطئ محافظات المنستير وبنزرت ونابل وتونس العاصمة التي تستقطب عادة منذ يونيو/ حزيران آلاف المصطافين، في وقت فرضت السلطات إجراءات أمن كثيفة في غالبية الطرق الرئيسة المؤدية إلى هذه الشواطئ، ونصبت حواجز أمنية عند مداخل المحافظات لوقف حركة التنقل بين المدن، وأخرى عند بوابات المدن الساحلية لمنع الوافدين من محافظات أخرى من قصد الشواطئ. وجرى تحرير محاضر مخالفات وفرض غرامات مالية في حق المخالفين، لا سيما خلال عطل نهاية الأسبوع.
مراقبة كثيفة
أيضاً أخضعت وحدات أمنية مواقع الشواطئ لحملات مراقبة كثيفة، بعدما نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لتوجه عدد كبير من المصطافين إلى الشواطئ بينها شاطئ المرسى، وانتقدوا الاكتظاظ وعدم احترام البروتوكولات الصحية وتدابير الوقاية المعلنة لمكافحة فيروس كورونا. واضطر رؤساء بلديات ومسؤولون وضباط أمن ورجال الشرطة البيئية إلى التدخل من أجل توعية المصطافين، ودعوتهم إلى مغادرة الشواطئ والتزام ارتداء الكمامات بسبب خطورة وضع الوباء في البلاد.
ويتحدث أحد عناصر الشرطة البيئية محمد الساحلي، لـ "العربي الجديد" عن أن "شرطيي البلدية وأولئك التابعين للشرطة البيئية نفذوا، بالتنسيق مع أجهزة الأمن، عمليات مراقبة للشواطئ من أجل منع المصطافين من ارتيادها، وحثهم على المغادرة، لا سيما خلال عطلة نهاية الأسبوع التي تشهد اكتظاظ غالبية الشواطئ، وتوافد مئات من العائلات من مناطق في الداخل". ويشدد على أن التدابير المتخذة مؤقتة حتى تحسن وضع الوباء، وعودة الحياة إلى نمطها طبيعتها، لكنه يستدرك أن "لا تجاوباً كبيراً من المواطنين الذين لا يتقيدون بضوابط التباعد الاجتماعي في الشواطئ وكل الأماكن العامة، في حين ترفض مقاه ومطاعم على الشواطئ التقيّد بالإجراءات الصحية، وتستقبل الزبائن طوال اليوم".
وفي شاطئ دار شعبان الفهري بمحافظة نابل، تدخلت أجهزة الأمن من أجل دعوة المصطافين إلى المغادرة بحجة أن غالبيتهم لا يتقيّدون بضوابط التباعد.
انتقادات
لكن هذه الإجراءات تواجه انتقادات كبيرة من مواطنين. ويشتكي سيف الدين الرابحي في حديثه لـ "العربي الجديد" من أن "المقاهي تُغلق مبكراً، وأن التجمعات والنشاطات الثقافية ممنوعة في الحدائق العامة، ما يعني أن معظم أماكن الترفيه ممنوعة على التونسيين بسبب انتشار الوباء، في حين لا أعتقد بأن الشواطئ تشكل بيئة لتفشي كورونا، علماً أنه يوجد تباعد بين العائلات في أرجائها، ويجري ارتيادها فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع".
واللافت أن عائلات لم تنتظر الإجراءات الأمنية أو قرارات المنع، إذ ألغت ارتياد الشواطئ من برنامجها الصيفي خشية الإصابة بكورونا، وهو حال عائلة رحمة بعد الكريم التي تعتبر أن "اكتظاظ شواطئ عدة خصوصاً تلك في المدن الكبرى بالناس في نهاية كل أسبوع يمنع ضمان تنفيذ تدابير التباعد الاجتماعي فيها".
وتقول بعد الكريم لـ "العربي الجديد": "لا ضرر في التخلي عن الترفيه في هذا الظرف الصحي الصعب. السلطات غير قادرة على التصدي لانتشار الفيروس رغم الاجراءات الصحية الوقائية التي تعتمدها في كل فترة. وواضح أن فئة كبيرة من المجتمع لا تتقيد بالإجراءات، ولا تقبل بالاستغناء عن برامج ترفيهية رغم خطورة الوضع. وقد تكون المقاهي والمطاعم قرب الشواطئ بين أكثر الأماكن التي تتسبب في انتشار الوباء بين الناس".