عمّقت جائحة كورونا، وما نتج منها من تدابير صحيّة، معاناة العائلات التونسية الفقيرة، التي كانت تستغل مناسبات مثل نهاية العام الميلادي، لربح قدر من المال يعينها خلال بقية الشتاء. تبدو الأزمة واضحة على وجوه الباعة في أسواق العاصمة الشعبية، وفي الضواحي.
يتجول الأربعيني منير في مدخل سوق "بومنديل" بالضاحية الغربية من العاصمة تونس، وهو يحمل في يديه بالونات مزينة بالنجوم بحثاً في وجوه المارة عمن يشتري منه لرأس السنة.
يقول لـ"العربي الجديد": "لم أعرف عاماً أكثر كساداً من هذا العام. أتمنى أن يكون العام المقبل أفضل، وأن تزدهر فيه الأعمال. اعتدت كسب مبلغ من بيع مستلزمات الزينة والألعاب في الأعياد والمناسبات، ولكن كورونا ضيّق علينا أوقات العمل، وقلّص إقبال الناس، وسلب الفرحة من العائلات. عملي كان يدرّ ما يكفي عائلتي المكونة من خمسة أفراد، ورغم مصاعب الحياة وتضييق السلطات، إلا أنني أحرص على تدبير شؤوني حتى لا أضطر إلى طلب المساعدة. لكن أخشى من أن تسوء الأوضاع".
وشهدت العديد من المهن والحرف البسيطة انتكاسة بسبب جائحة كورونا، وخصوصاً المرتبطة بتضرر السياحة، ما أدى إلى تدهور القدرة المعيشية للتونسيين. تقول فضيلة لـ"العربي الجديد": إنّ "تراجع المقدرة الشرائية كان جلياً من خلال غياب الإقبال على العادات المرتبطة برأس السنة. كنت خلال السنوات الماضية أعدّ الحلويات التقليدية في منزلي وأبيعها، وفكرت في فتح محل حلويات بسبب ما تدرّه من أرباح خلال فترة رأس السنة، غير أنني تراجعت مع انتشار وباء كورونا. الإقبال على شراء الحلويات تراجع هذا السنة بسبب سوء الأوضاع، وتأجيل المناسبات حتى تنفرج الأزمة وترفع إجراءات التباعد، وحظر التجمعات والاحتفالات".
وغير بعيد عن مقرات الحكومة في القصبة، تعيش أسواق المدينة العتيقة شبه انتكاسة في بيع الملابس التقليدية وغيرها من المصوغات والتحف والهدايا لغياب السياح والزائرين. يؤكد محمد علي، بائع الهدايا التذكارية، أنه لا يفقد الأمل، ويسعى إلى بيع منتجاته حتى يتمكن من تأمين بعض مستلزمات رأس السنة.
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن كل ما يرغب فيه هو جمع مبلغ مالي ليشتري كعكة ودجاجة محمرة وبعض المشروبات لأبنائه، مشيراً إلى أنّ كورونا دفعه إلى تغيير مهنته من بيع الحلي والهدايا التذكارية للسياح بحكم إتقانه لبعض اللغات، إذ اضطر خلال الموجة الأولى من الوباء إلى العمل في البناء.
ويستعد التونسيون للاحتفال بقدوم العام الجديد بطرق غير مألوفة، فمع تشديد التدابير الصحية ومنع التجمعات والاحتفالات والتنقل بين المدن والمحافظات، تقلص الإقبال على الأسواق لاقتناء حاجيات رأس السنة، وتضررت عدة مهن وقطاعات عدة بسبب الوباء.
وكشف رئيس غرفة أصحاب المقاهي، محمد فوزي الحنفي، أن معاناة أصحاب المقاهي انطلقت منذ بداية انتشار الوباء، وأن الخسائر اليومية في حدود 70%، فبعد أن كان المقهى الواحد يشغل 6 عمال، أصبح الآن لا يتجاوز عاملين فقط، وانتقل نحو 80 ألف عامل في المقاهي إلى البطالة.
وأعلنت 33 شركة لكراء السيارات خلال الأشهر الأخيرة إفلاسها وتسريح أكثر من 1000 موظف بسبب تراجع مداخيلها خلال أزمة كورونا، وفق رئيس غرفة وكلاء شركات كراء السيارات، الحبيب المعاوي. كذلك تكبد قطاع النزل والمطاعم خسائر كبيرة مع تواصل حظر التنقل ومنع الاحتفالات.