لاجئون سوريون في تركيا يستعدون لـ"غربة جديدة"

15 يوليو 2024
سوريون خلال تظاهرة في إسطنبول (ياسين أكجول/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تزايد المخاوف والتضييقات على السوريين في تركيا**: تصاعدت المخاوف بين السوريين في تركيا بعد استهداف ممتلكاتهم في قيصري، مما دفع البعض للهجرة إلى دول أخرى. تترافق هذه المخاوف مع دعوات لترحيلهم وتحميلهم مسؤولية تردي الوضع المعيشي.

- **تأثير التضييقات على الأعمال والمشاريع السورية**: تزايدت حملات الملاحقة على المؤسسات السورية، مما دفع المستثمرين لنقل أعمالهم إلى دول أخرى. تراجع عدد السوريين في تركيا بنحو 670 ألفاً خلال عام واحد ضمن خطة أردوغان لإعادة مليون شخص إلى شمال غربي سورية.

- **الجهود الحكومية لطمأنة السوريين**: تحاول الحكومة التركية طمأنة السوريين من خلال اجتماعات مع مؤثرين سوريين، لكن المخاوف تظل قائمة بسبب تنامي العنصرية والتقارب مع نظام بشار الأسد.

تتنامى مخاوف السوريين في تركيا بعد استهداف متاجرهم وممتلكاتهم في ولاية قيصري (وسط)، في مطلع يوليو/ تموز الماضي، ويترافق ذلك مع إطلاق دعوات في ولايات مثل غازي عنتاب وقونيا وهاتاي وكليس وأورفا، وحتى إسطنبول، لترحيل السوريين وتحميلهم مسؤولية تردي الوضع المعيشي، واتهامهم بمحاولة تغيير تركيا ديموغرافياً. 
وبلغت التضييقات الأخيرة درجة دفعت سوريين لعرض ممتلكاتهم للبيع تمهيداً للهجرة إلى "غربة جديدة" لم يحددوا وجهتها في ظل رفض غالبية دول العالم استقبالهم. يقول الأكاديمي أسامة. ع (57 سنة)، لـ"العربي الجديد": "إندونيسيا هي وجهتي، علماً أن تركيا أقرب إلينا من أي بلد في العالم. راسلت إدارة جامعة في مدينة جاكرتا كي أعمل فيها، وقررت أن آخذ أسرتي معي، سأترك ابني وابنتي في تركيا كي ينهيا الدراسة الجامعية". 
ويقول مستثمر في القطاع الغذائي بحي الفاتح في إسطنبول، يطلق على نفسه اسم أبو المجد، لـ"العربي الجديد": "بدأت في تصفية أعمالي، والأرجح أن مصر ستكون وجهتي، لأن المبيعات تراجعت أكثر من النصف هذا العام بعد تنفيذ تدابير العودة الطوعية والقسرية إلى سورية، وتناقص عدد السوريين بمنطقة الفاتح التي كانت من بين أكثر أحياء إسطنبول اكتظاظاً بهم".
بدوره، قرر عمر. ع (53 سنة)، ترك تركيا إلى إدلب، والتي يرى انها ستكون مكان استقراره النهائي، ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأت في تصفية أموري بتركيا للعودة إلى سرمين بريف إدلب الشرقي".
أما حاملة بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك)، عائشة (32 سنة)، فتشير إلى أنه في حال أعيدت قسراً إلى سورية، سيدفع أولادها الذين تعلموا اللغة التركية ثمناً باهظاً، وتقول "أحب تركيا، ولا يمكن أن أعود إلى سورية بعدما عشت عشر سنوات في إسطنبول، واندمجت مع أجوائها".
وتتباين مخاوف السوريين في تركيا، إذ يرى بعض حاملي بطاقات الحماية المؤقتة (كيملك)، أن استمرار وجودهم يرتبط بحصول مصالحة بين تركيا والنظام السوري قد تبطل نظام الحماية المؤقت، وتصل الهواجس إلى بعض حاملي الجنسية التركية، ومن هؤلاء رجل الأعمال عبد الرحمن (35 سنة)، والذي أكد أنه بدأ نقل أعماله إلى الإمارات بسبب تغيّر طريقة الأتراك في التعامل مع السوريين.
وتصف نائبة رئيس الائتلاف السابق للمعارضة السورية ربى حبوش، التي تحمل الجنسية التركية، ما يجري بأنه "مرحلي"، وأن تركيا لن تقدم على الترحيل القسري للسوريين، وتؤكد لـ"العربي الجديد": "لن أغادر تركيا رغم أنني أملك إقامة أوروبية. لا أنكر القلق من تنامي العنصرية بتأثير المعارضة التركية، خصوصاً خلال الاستحقاقات الانتخابية، والقلق والخوف مبرران في ظل التعديات على الممتلكات والتلويح بالترحيل، لكن تركيا لن تذهب إلى الحدّ الأقصى في التعامل مع السوريين، فمن المستحيل أن تسلم تركيا المعارضين إلى النظام، كما أن النظام السوري لن يطلب ذلك".

سوريون عائدون من تركيا عبر معبر السلامة (رامي السيد/ فرانس برس)
سوريون عائدون من تركيا عبر معبر باب السلامة (رامي السيد/فرانس برس)

وتتوسع المخاوف إلى المؤسسات والشركات السورية، سواء الخاصة أو تلك التابعة للمعارضة وتموّلها منظمات أو دول، ويبدي عاملون فيها خشيتهم من إغلاقها أو ترحيلهم في ظل تزايد حملات الملاحقة والتضييق، وأيضاً أعداد العائدين إلى سورية طوعاً أو قسراً. 
ويكشف مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، أن عدد المرحّلين إلى شمال سورية عبر المعبر بلغ 24334 خلال النصف الأول من العام الحالي، بمعدل 135 يومياً، والعدد منذ الأول من يوليو/ تموز الجاري هو 1144، بمعدل 114 يومياً، وأن عدد المرحلين عبر معبر باب الهوى فقط خلال يونيو/ حزيران الماضي بلغ 3164، منهم 1877 جرى ترحيلهم قسراً و1287 عادوا طوعاً. 
وتراجع عدد السوريين في تركيا بنحو 670 ألفاً خلال عام واحد، ضمن ما أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان على صعيد إعادة نحو مليون شخص طوعاً إلى شمال غربي سورية المحرر من أصل نحو 3.2 ملايين سوري موزعين في الولايات التركية.
وتفيد بيانات مديرية الهجرة التركية بأن حصة ولاية قيصري، التي شهدت الأحداث الأخيرة، بلغت نحو 82 ألف سوري، ولحقت أضرار بـ64 متجراً لسوريين في حي صبحية، وبـ22 محلاً في حي فوزي شاكماك، وفي شارع فوزلي 22 محلاً، و15 محلاً في حي كشوك مصطفى، وستة محلات في مولانا، كما تضررت 12 سيارة بشكل كبير، وهناك على الأقل سيارتان دمرتا بالكامل بعد حرقهما. كما تحطمت الكثير من نوافذ منازل اللاجئين بالمدينة بسبب قذفها بالحجارة.

أوقف كثير من السوريين مشاريعهم في تركيا أخيراً (دييغو كوبولو/ Getty)
أوقف كثير من السوريين مشاريعهم في تركيا أخيراً (دييغو كوبولو/Getty)

وزاد التضييق على السوريين بعد تسريب بيانات اللاجئين السوريين المسجلين في نظام الحماية المؤقتة، وشمل منع التنقل بين الولايات، وزيادة الأحياء الممنوع التأجير فيها للسوريين، فضلاً عن تضاعف أسعار إيجارات المنازل.
ويقول محمود عرموش (اسم مستعار)، الذي يقطن في حي الفاتح: "أنسّق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، لكن التهريب بات مكلفاً جداً، ويصل لنحو ستة آلاف دولار نتيجة زيادة الطلب وجشع المهربين".
ويبرر العامل بهيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الحريات "أي ها ها" جلال ديميريل مخاوف السوريين، بالأحداث الميدانية مؤسفة، ووضعهم الغامض وتزايد مخاوفهم من المشاكل. 
وكانت السلطات التركية زادت إجراءات مطابقة البيانات والتشديد على الهجرة غير الشرعية، ما أثرّ نفسياً ووجودياً على جميع السوريين بتركيا، بمن فيهم حاملي الجنسية الاستثنائية، حتى لو بنسب متفاوتة. 
يضيف ديميريل، في حديثه لـ"العربي الجديد" لـ"العربي الجديد" أن "هذه المخاوف أوقفت كثير من مشاريع السوريين أو تلك التي كانوا يتطلعون على تنفيذها، ومن بينها في مجالات الدراسة، والاستثمار والتجارة. وزاد التفكير بالعودة إلى سورية أو الهجرة إلى دولة أخرى، وهذه الحالة النفسية، للأسف تتعاظم، لذا لا أتوقع أن لا تدوم هذه الحالة المولدة للخوف"

ويشير عامل في هيئة الإغاثة إلى أن مخاوف السوريين الشرعية تواجه بإجراءات وطمأنة من الحكومة التركية. ويكشف لـ"العربي الجديد"، أن والي إسطنبول ورئيس الهجرة وشخصيات حكومية أخرى اجتمعوا مع "مؤثرين سوريين في أنقرة وغازي عنتاب لطمأنتهم وحل المشاكل وتبديد مخاوف السوريين عبر محاولة إيجاد حل لها. والشعب التركي ليس عنصرياً ولا يعارض وجود لاجئين، بل يأوي الكثير من اللاجئين العرب وغيرهم، ويعاملهم مثل الأتراك، لكن تنامي العنصرية التي غذتها المعارضة، خاصة بعد التهويل على السوريين، أنتج حالات مماثلة لما شاهدناه في ولاية قيصري أخيراً. 
وحول أثر التقارب والتطبيع مع نظام بشار الأسد الذي رفع مستوى خوف وقلق السوريين بتركيا، يختم رئيس بيت الإعلاميين العرب، العامل بهيئة الإغاثة وحقوق الحريات ديميريل بالقول: "التقارب مع نظام الأسد أحد أهم المخاوف، خاصة بواقع ضبابية ضمانات العودة إلى الداخل السوري".

المساهمون