يقول العلم إنّ لا حياة من دون ماء، لكن هذه النظرية التقليدية يتحداها أشخاص ينفرون من طعم الماء الذي لا يتناولون الكميات المطلوبة منه، ويستبدلونه بالكامل بالقهوة والشاي والعصائر، ما يثير تساؤلات عن شأن إمكان الاعتماد حصرياً على هذه المشروبات التي قد تتضمن كافيين أو نكهات أو سكريات. يرد استشاري أمراض القلب في مستشفى رويال برومبتون وهارفيلد بلندن، البروفيسور محمود بربير، على استفسارات عن الآثار المحتملة لهذه المشروبات على القلب والصحة، ويقول لـ"العربي الجديد": "تحدث حالات عدة لخفقان القلب لدى شبان وكبار في السن في مختلف قطاعات الأعمال نتيجة تناول كميات زائدة من الكافيين، والتعايش مع النمط الضاغط للحياة. وأنا أسأل المريض عادة عن كمية الشاي والكافيين التي يتناولها يومياً، والتي لا يجب أن تزيد عن 400 ملليغرام، لأن تجاوزها قد يهدد الصحة، رغم أن هذا الأمر يعتمد على عوامل عدة تختلف بين شخص وآخر".
يتابع: "ينتج خفقان القلب أحياناً عن الشعور بأرق، علماً أن تناول الكثير من الكافيين يتحوّل إلى نوع من الإدمان، وهو ما تحتويه مشروبات كثيرة، وليس القهوة فقط، مثل مشروبات الطاقة وتلك الغازية، وأنواع من الصودا والشوكولاتة والكاكاو. والمشكلة أن الناس يستهلكون الكثير من الكافيين، في مقابل عدم تناولهم ما يكفي من الماء، رغم أن هذا الأمر ضروري في مواجهة حالات الطقس البارد والدافئ معاً، لأنّ أجسامنا تتعرّض إلى جفاف في الحالتين، وفي الشتاء نقترب من وسائل التدفئة، فيما نتعرّض لدرجات حرارة مرتفعة في الصيف".
وعن الأشخاص الذين لا يتقبّلون طعم الماء، ويستبدلونه بشاي وقهوة وعصير، يقول بربير: "هذا غير صحي، ويمكن مثلاً مزج قليل من ماء الزهر بالماء العادية، لكن استبداله بالكامل بمشروبات أخرى مهزلة وجنون، فالماء يشكل تقريباً ثلثي جسم الإنسان، ويستحيل الحصول على فوائده من خلال مشروبات أخرى. وأحياناً يعاني بعض الأشخاص من دوار وإغماء بسبب انخفاض ضغط الدم الناجم عن قلة الماء المهم جداً أيضاً لتفادي الجلطات القلبية خاصة خلال فترة الليل، حين يتجنبه الناس لتجنّب دخول الحمام. كذلك من الضروري شرب الماء عند الصباح، وقبل تناول أي شيء لأنه يزيل سموماً كثيرة من الجسم".
من جهتها، تتحدث كارين التي تعمل في رعاية أشخاص كبار في السن، لـ"العربي الجديد"، عن أنها تواجه حالات صعبة لرفض بعض هؤلاء شرب الماء، وتقول: "من أجل تدارك سلبيات احتمال إصابة كبار السن بجفاف نقدّم لهم الماء الممزوجة بعصير وشاي بلا كافيين، لأنّهم يعشقون عادة الشاي، ويتناولون كميات كبيرة منه، وصولاً إلى كوب كل ساعتين". تضيف: "أعلم أن الماء يبقى أفضل لصحة الإنسان، لكن عندما تتعثّر الأمور نحاول البحث عن خيارات بديلة، ولو بفوائد أقل".
وبين الأشخاص الذين لا يشربون كميات مناسبة من الماء بريان البالغ 61 من العمر، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع تقبّل طعم الماء الذي أتناوله دائماً مع قليل من العصير. وأنا أعترف بأنني أشعر أحياناً بألم في الرأس، وإرهاق شديد بسبب قلّة السوائل في جسمي، وحينها فقط أرغم نفسي على شرب كميات كبيرة من الماء كي أشعر بارتياح". ويلفت إلى أنّ الأمر لا يقتصر عليه، بل يشمل أيضاً والده الذي يقترب من سن الـ90، ويعاني من جفاف في معظم الأوقات، "لذا نبذل جهداً لتقديم سوائل بديلة له، لكن لا شيء ينفع معه إلا الشاي منزوع الكافيين الذي يتناوله بكثرة. قد يبدو هذا الأمر غريباً لمن يعشقون طعم الماء، لكنّه مسألة صعبة بالنسبة لي ولأمثالي".
إلى ذلك يؤكد خبراء أهمية الماء للحفاظ على بشرة صحية، والدور الحيوي الذي يلعبه في ترطيب البشرة. ويوضحون أنّ القهوة والعصير والشاي تحتوي على مركبات مفيدة، لكنها لا توفر نفس تأثير الترطيب الناجم عن الماء. ومن أجل الحفاظ على بشرة جيدة، يجب إعطاء أولوية دائماً لاستهلاك الماء".
ويشدّد هؤلاء الخبراء على أهمية استهلاك كمية كافية من الماء يومياً للحفاظ على الصحة العامة، ويقولون: "رغم جاذبية المشروبات البديلة، يبقى الماء العنصر الأهم لجسم الإنسان، وخياراً يخلو من السعرات الحرارية يلعب دوراً حيوياً في الوظائف المختلفة للجسم، وبينها تنظيم درجة الحرارة، والمساعدة في الهضم، وتعزيز صحة الجلد. والماء يرطب الجسم بفعالية أكبر من باقي المشروبات بسبب درجة الحموضة المحايدة، كذلك يمكن أن توفّر القهوة والشاي والعصائر بدائل للمياه، لكن لا يجب أن تحلّ بدلاً من الماء بالكامل. ولكل مشروب مميزاته وسلبياته الصحية عندما يتعلق الأمر بالترطيب، فالعصير يحتوي أحياناً على سكريات مضافة، ويفتقر إلى الألياف الغذائية، ويمكن أن تعمل القهوة كمدر للبول، فيما قد تختلف تأثيرات الشاي وفق نوعه. وفي النهاية يبقى الماء الأفضل لترطيب جسم الإنسان. ومن أجل تحقيق توازن صحي، ينصح الخبراء بدمج هذه المشروبات مع كمية وافرة من المياه النقية المنعشة".