بعد مرور عدة أشهر على تبنيه، لا يزال قانون منع استخدام الكلمات الأجنبية واعتماد اللغة الروسية لغةً رسمية للدولة، الذي وقّعه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، يثير انتقادات اللغويين الذين شككوا في إمكانية تطبيقه على أرض الواقع، أو وجود جدوى من إقراره بالأساس، في ظل استحالة عزل اللغات الحية عن التأثيرات الخارجية، كما يؤكد علماء اللغويات. وينص القانون على منع اعتماد الكلمات الأجنبية عند استخدام اللغة، باستثناء الحالات التي لا تتوافر فيها بدائل متداولة في اللغة الروسية. ويهدف إلى الارتقاء بآليات ضمان وضع اللغة الروسية كلغة الدولة، ومراقبة التزام القواعد المنصوص عليها في القواميس وكتب النحو والمراجع اللغوية الحديثة، على أن تتولى "اللجنة الحكومية للغة الروسية" إعداد تلك المراجع، والإشراف على إصدارها.
ويعتبر مدير معهد اللغويات التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه كيبريك، أن تطهير اللغة الروسية من الكلمات الأجنبية فكرة غير واقعية، نظراً لكثرة الاستعارات من اللغات الغربية والسلافية، داعياً إلى التركيز على ملفات أكثر أهمية ضمن السياسات اللغوية، مثل الحفاظ على مختلف اللغات المستخدمة في روسيا، في ظل التعدد القومي واللغوي الذي تتميز به البلاد.
يقول كيبريك في حديث مع "العربي الجديد": "عندما تستمع إلى كلام الشخصيات المروجة لهذا القانون، ستلاحظ أنهم هم أنفسهم يستخدمون تلقائياً العديد من الكلمات أجنبية الأصل التي يوصون بعدم استخدامها، ومنها مصطلحات مستعارة من اللغات الغربية، أو من اللغات السلافية. اللغة الروسية مليئة بالكلمات الأجنبية، ولذلك لا يمكن أن تصبح المهمة تطهيرها من العناصر الغريبة. لن تبدو هذه الفكرة واقعية حتى بين المسؤولين الحكوميين، إلا لدى من لا يفهم جوهر الأمر".
ويلفت كيبريك إلى أن "هناك قضايا أكثر أهمية في مجال السياسات اللغوية للدولة، وبحسب تقديرات معهد اللغويات، فإن هناك 155 لغة مستخدمة داخل روسيا، ووضع نحو عشر منها فقط جيد نسبياً، بينما تواجه بقية اللغات الأخرى خطر الاندثار، ولذلك أعددنا برنامجاً خاصاً للحفاظ على اللغات، وإتاحة إمكانية نقلها من جيل إلى جيل".
بدوره، يعتبر الأستاذ بمعهد اللغة الروسية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أناتولي بارانوف، أن "الاستعارات الأجنبية في اللغة الروسية ساعدتها في الحفاظ على مرونتها وتنوعها"، مضيفاً في تصريحات لصحيفة "فيتشيرنيايا موسكفا" (موسكو المسائية): "عملية استعارة الكلمات الأجنبية حتمية. إذا سئم المجتمع عدداً محدداً من الكلمات، فسيكف عن استخدامها، وستختفي تدريجاً من الأحاديث اليومية. نحن نستخدم اللغة للتعبير عن أفكارنا، ووصف الواقع المحيط بنا".
وضرب بارانوف أمثلة على عدم تضرر الكثير من اللغات من الاستعارات الأجنبية، مشيراً إلى أن "اللغة الكورية تتكون بنسبة 20 في المائة من كلمات صينية، من دون أن يمنع ذلك الكوريين من الحفاظ على لغتهم القومية والثقافية".
ورغم مرور عدة أشهر على تمرير القانون، إلا أن تطبيقه لا يزال يبدو خطة بعيدة المنال، إذ رأى نائب مدير معهد اللغويات التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إيغور إيسايف، أن "اللغة في حد ذاتها لا تحتاج إلى الحماية، وأي محاولات للتأثير في تغييراتها تبدو للغويين مضحكة إلى حد كبير". وقال في حوار مع دورية "روسيا العلمية" الإلكترونية بمناسبة يوم اللغة الروسية الذي صادف يوم 6 يونيو/ حزيران، وهو يوم ميلاد أمير الشعراء الروس ألكسندر بوشكين: "لا خطر في أننا جلبنا كلمات أجنبية إلى لغتنا. لنأخذ على سبيل المثال، كلمة كمبيوتر. إذا سألت المحيطين بك عما إذا كانت هذه الكلمة روسية، فأي شخص سيرد عليك بالقول: مستعارة. لكن هذه نظرة الهواة. مجرد أن خضعت الكلمة للإعراب، تصبح خاضعة لقواعد اللغة الروسية".
ووقّع الرئيس فلاديمير بوتين، في 28 فبراير الماضي، قانون "حماية اللغة الروسية" بعد تصديق البرلمان عليه، وتحديده المجالات الواجب اعتمادها فيه، ومن بينها منظومات التعليم الحكومية المحلية، وتوفير المعلومات لمستهلكي السلع والخدمات، مشدداً على أن تضع الجهات الفيدرالية للدولة قرارات تشريعية ضمن حدود اختصاصها لحماية اللغة ودعمها.
في عام 2019، عقد الرئيس فلاديمير بوتين اجتماعاً لمجلس اللغة الروسية، كشف خلاله عن تكوين "سياسة لغوية نشطة ومتكاملة تضمن حفظ وتنمية اللغة الروسية، والأدب الوطني في الداخل والخارج". لاحقاً، طلب مجلس الاتحاد (الشيوخ) دراسة الاستخدام غير المبرر لعدد كبير من الكلمات الأجنبية في اللغة الروسية.
وأحالت الحكومة الروسية مشروع القانون على مجلس النواب (الدوما) في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وجاء في نص مذكرته التوضيحية أن "مشروع القانون الفيدرالي يقتضي منع استخدام الكلمات الأجنبية، باستثناء تلك التي ليس لها بديل متداول في اللغة الروسية المدرجة في القواميس المعتمدة". وقال معدو القانون إنه "يهدف إلى حماية اللغة الروسية من الاستخدام المفرط للكلمات الأجنبية"، معتبرين أن إقراره سيتيح الارتقاء بمستوى إتقان اللغة لدى المواطنين، ودقة استخدامها باعتبارها لغة الدولة، وضمان الرقابة على جودة إعداد كتب القواعد والقواميس والمراجع.
وتسعى روسيا لعزل نفسها عن الغرب منذ بدايات الأزمة الأوكرانية في عام 2014، حين ضمت شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، واتخذت موسكو مجموعة من الخطوات التي من شأنها الحفاظ على اللغة والثقافة الروسيتين، وما تعتبره قيماً تقليدية محافظة تختلف عن السائد في الغرب.