أظهر تحليل لصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، أمس الثلاثاء، أنّ لقاحات فيروس كورونا قد تكون من أغلى اللقاحات بالنسبة إلى الدول الفقيرة، ما يزيد الفجوة بينها وبين الدول الغنية في كيفية الحصول عليها.
ونقلت الصحيفة عن مصدر من منظمة الصحة العالمية، قوله إنّ "لقاحات فيروس كورونا قد تكون الأغلى في تاريخ هذه الدول، إذ تصل تكلفة الجرعة الواحدة إلى نحو 6.88 دولارات".
وبحسب التحليل، لا يتوقف الأمر على سعر لقاحات فيروس كورونا فقط، بل على ارتفاع التكلفة العامة للقاحات عموماً في الدول الفقيرة.
Exclusive: Covid vaccine ‘the most expensive in history’ for poorer countries | @samueljlovett https://t.co/m2fZIedz7F
— The Independent (@Independent) December 28, 2021
وتقول قائدة فريق الوصول العالمي لقسم التحصين واللقاحات والمستحضرات البيولوجية في منظمة الصحة العالمية، تانيا سيرنوشي، إنّ التكلفة الإجمالية للصحة العامة في الدول النامية والفقيرة قد تكون مرهقة جداً.
إذ وجدت سيرنوشي أنّ التكلفة المرتفعة ليست حكراً على لقاحات فيروس كورونا، بل تطاول لقاحات أخرى ذات تأثير هام في الصحة العامة، ووجدت مثلاً أنّ لقاح فيروس الورم الحليمي البشري والالتهاب الرئوي (PCV)، قد تصل تكاليفه في الدول الفقيرة إلى ما بين 3.08 و4.50 دولارات لكل جرعة لهذين اللقاحين.
وتظهر أرقام منظمة الصحة العالمية، أنّ اللقاحات العالمية الأرخص سعراً، مثل تلك التي تحمي من السل أو الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، تكلّف ما بين 0.11 دولار و 2.85 دولار للجرعة الواحدة، وهو أيضاً قد يكون رقماً مرهقاً لميزانية الدول الفقيرة. وبصفة عامة، بيّن التحليل أنّ حكومات الدول الفقيرة تدفع ثمن اللقاحات نحو 80 سنتاً، وهو رقم مرتفع نسبياً، لكنه يبقى أرخص بكثير من ثمن أي جرعة من لقاحات فيروس كورونا.
فجوة بين الدول
يعيد هذا التحليل تسليط الضوء على الفجوة الكبيرة في الحصول على اللقاح بين الدول الفقيرة والغنية، الذي شكّل مصدر نقاش سابق بين حكومات الدول المتقدمة والنامية.
وفي وقت سابق، طالبت حكومات كل من جمهورية جنوب أفريقيا والهند برفع براءة الاختراع عن لقاح فيروس كورونا حتى تتمكّن الدول من تصنيعه وتوزيعه. وهو ما أعاد تأكيده الرئيس المشارك لتحالف اللقاحات الشعبية ورئيس سياسة عدم المساواة في منظمة "أوكسفام" ماكس لوسون، الذي وجد أنّ الطريقة المثلى لتوزيع اللقاحات بشكل عادل بين الدول، قيام حكومات الدول الغنية، مثل المملكة المتحدة، بتفكيك احتكار شركات الأدوية الكبرى وإجبارها على مشاركة وصفات اللقاح، ما يمكن المنتجين في جميع أنحاء العالم النامي، من إنتاج الكميات المطلوبة بأسعار رخيصة وتوزيعها. وأكد أنّ الحاجة للقاح "ليست للربح، بل للحفاظ على الصحة العامة".
وسبق أن حثّ النائب البريطاني نيك توماس سيموندز، من حزب العمال، ووزير التجارة الدولية في حكومة الظل، في مايو/أيار الماضي، الحكومة البريطانية على "المساعدة في تسهيل تكثيف إنتاج اللقاحات والتنازل عن براءات الاختراع".
بدورها، علّقت مستشارة السياسة البريطانية لمنظمة "أطباء بلا حدود" العالمية غير الحكومية فيكتورين دي ميليانو، على البيانات التي نشرتها الصحيفة، بالقول إنّ "هذا التحليل قد يكون دليلاً إضافياً على أنّ الاستجابة الحالية للوباء، تخذل الناس في البلدان الفقيرة".
ولم تتوان فيكتورين عن اتهام شركات الأدوية بممارسة أساليب ضاغطة بهدف الحصول على الأموال بدلاً من الاهتمام بتحسين الصحة العامة. وعبّرت عن أسفها لما يحدث في أثناء هذه الجائحة العالمية، إذ "لا تزال شركات الأدوية تحتكر آلية تصنيع اللقاحات، وتفرض على الشركات أسعاراً مرتفعة".
صحيح أنه تمّ الاتفاق بين حكومات الدول الغنية على تأمين بعض إمدادات اللقاحات للدول ذات الدخل المنخفض من خلال مبادرة "كوفاكس" العالمية لتقاسم اللقاحات بقيادة مشتركة من تحالف "غافي" ومنظمة الصحة العالمية، التي تغطي تكاليف الشراء للبلدان الفقيرة، إلا أنّ الفجوة في الأسعار والحق في الحصول على اللقاح لا تزال قائمة، وهو ما أجبر الكثير من الحكومات على إبرام صفقات مع الشركات المصنعة للحصول على اللقاحات. ولكن، بحسب الصحيفة، فإنّ هذه الصفقات تضمنت رسوماً أعلى، ولا سيما لحكومات الدول الفقيرة أو ما تسمى "حكومات الجنوب"، أكثر من تلك الموجودة في الدول المتقدمة.
فعلى سبيل المثال، ورغم محاولات حكومة جنوب أفريقيا لرفع السرية الخاصة عن براءات الاختراع، إلا أنها اضطرت إلى شراء جرعات من لقاح "أكسفورد أسترازينيكا" بسعر يزيد 2.5 مرة على السعر الذي تدفعه معظم الدول الأوروبية، فيما دفعت كل من بنغلادش وأوغندا أكثر من الاتحاد الأوروبي مقابل الحصول على اللقاح، ودفعت كولومبيا ما يزيد على 375 مليون دولار مقابل جرعاتها من لقاحي "فايزر" و"موديرنا".
يرى مصدر من منظمة الصحة العالمية، أنّ جميع البلدان ذات الدخل المرتفع حصلت على صفقة جيدة مع الشركات المصنعة، "لكن ذلك لم يكن يطبّق على الدول الفقيرة"، وهو أمر لا يزال غير مفهوم بالنسبة إلى المنظمة، إذ إنّ المسؤولين فيها، لم يحددوا سبباً واضحاً لما يجري، مشيراً إلى بدء تحقيقات، لتحليل البيانات، وفهم عدم المساواة في الأسعار بشكل أفضل.
من جهتها، عبّرت مجموعة "Global Justice Now"، المعروفة سابقاً باسم "حركة التنمية العالمية"، وهي منظمة مقرها المملكة المتحدة تقوم بحملات حول قضايا العدالة العالمية والتنمية، عن أسفها لما يحصل، ووجدت أنّ هذه النتائج "مثال مقزز آخر على كيفية تصميم شركات الأدوية للاستفادة من الوباء".
وفي الوقت الذي تكافح فيه الدول الفقيرة للحصول على اللقاح، تسعى الدول المتقدمة لتطعيم جميع الفئات العمرية، فالمملكة المتحدة قامت بتلقيح مزدوج لأكثر من 80% من سكانها البالغين، فيما لم يتلقّ أكثر من 6% فقط من الأشخاص في جميع أنحاء القارة الأفريقية جرعتين من فيروس كورونا.
وتبقى محاولات الدول الغنية، ومنها المملكة المتحدة التي أسهمت في إنتاج لقاح "أكسفورد أسترازينيكا" في توزيع اللقاحات على الدول الفقيرة محدودة نسبياً، فقد أرسلت المملكة المتحدة بالفعل 22.3 مليون جرعة إلى "كوفاكس"، سُلِّم 17.8 مليوناً منها للبلدان النامية، وسيُسلَّم 3.1 ملايين أخرى لـ "كوفاكس" مباشرة في الأسابيع المقبلة.