إمكانات مصر على الصعد الجغرافية والبشرية والتصنيعية، دفعت منظمة الصحة العالمية والشركات العالمية إلى وضع خطط لتصنيع لقاحات كورونا فيها
أمام مصر فرصة ذهبية لاستعادة جزء من دورها الإقليمي، إذا ما تمّ اختيارها لتصنيع لقاح واحد على الأقل من اللقاحات المحتملة لفيروس كورونا الجديد، والأمر غير مرهون فقط بالجغرافيا إذ إنّ موقعها في قلب الشرق الأوسط والدول العربية والأفريقية يعطيها أفضلية كبيرة، لكنّه مرهون أيضاً بالتكنولوجيا العلمية لديها، وهذا ما كشفت عنه منظمة الصحة العالمية، وبعض الشركات العالمية التي ترغب بتصنيع لقاحاتها في مصر.
وكانت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، قد أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنّ وفداً من منظمة الصحة العالمية، يضم خبراء واستشاريين فى مجال تصنيع اللقاحات، أجرى زيارة ميدانية استغرقت ثلاثة أيام من 27 حتى 30 من سبتمبر/ أيلول الماضي، لتقييم ومراجعة القدرة الإنتاجية لخطوط الإنتاج بالشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا" وتقييم قدرة مصر على إنتاج لقاح كورونا المحتمل، على صعيد الجودة والإمكانية وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، ومراجعة معايير التصنيع، تمهيداً لاعتماد منشآت "فاكسيرا" لتصنيع لقاح فيروس كورونا فور ثبوت فاعليته.
ووضع الوفد خطة قصيرة الأجل لتطوير مصانع "فاكسيرا" للبدء في الإنتاج، وهذه الفترة تستغرق من شهرين إلى ستة أشهر للتحضير وتطوير بعض الأجهزة، وتستغرق الخطة طويلة الأجل لإتمام عملية الإنتاج من سنة إلى 18 شهراً. لكنّ وفد منظمة الصحة العالمية، لم يوضح أيّ من اللقاحات المحتملة للفيروس، سيجري تصنيعه في مصانع الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا". ومن جهتها، تؤكد مصادر رسمية في "فاكسيرا" ووزارة الصحة المصرية، أنّ اللقاح المحتمل تصنيعه في مصر هو لقاح صيني، لكنّه غير اللقاحين اللذين أجريت عليهما تجارب سريرية في مصر من إنتاج الشركتين الصينيتين "سينوفارم سي. إن. بي. جي" و"سينوفاك".
إلى ذلك، قال وزير الصحة الأسبق وعضو اللجنة العليا للفيروسات، أشرف حاتم، إنّ شركة "أسترازينيكا" السويدية التي تطور لقاحاً بالتعاون مع جامعة "أوكسفورد" البريطانية، أعلنت استعدادها أن تتيح لمصر تصنيع لقاحها المرتقب، وهو واحد من اللقاحات القريبة من الإنتاج والطرح خلال شهرين في أبعد تقدير، وأعلنت أيضاً أنّ مصر تعاقدت على شراء 60 مليون جرعة من أصل 300 مليون جرعة لقاح ستصدرها الشركة. وكانت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، أعلنت عن حجز 20 في المائة من احتياجات مصر من لقاح فيروس كورونا الجديد الذي تنتجه شركة "فايزر" الأميركية و"بيونتك" الألمانية، و30 في المائة من لقاح "أوكسفورد" - "أسترازينيكا".
في ما خص اللقاح الأخير، يقول حاتم إنّه معروف باسم "فيكتور" وهو عبارة عن فيروس كورونا ميت مع جزء من فيروس آخر، ويعتمد على تحفيز المناعة في الجسم عن طريق اللقاحات القديمة التي أنتجتها جامعة "أوكسفورد"، وتمّ تجريبه على 60 ألف شخص، وتخطت فاعليته حاجز 90 في المائة. وبالرغم من أنّها نسبة أقل إقناعاً من لقاحي "فايزر" - "بيونتك" و"موديرينا" اللذين تقترب فاعليتهما من 95 في المائة، فإنّ حاتم يقول إنّه أكثر أماناً، وهو الأقرب للوصول إلى مصر.
ونظراً إلى ارتباط إنتاج اللقاحات بالسياسة والاقتصاد، باعتبارهما محددين لأسبقية حصول الدول على اللقاح من دون غيرها، أطلقت منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع التحالف العالمي للقاحات والتحصين "غافي" مبادرة أطلقت عليها اسم "كوفاكس" لضمان التوزيع العادل للقاح على دول العالم. وتضمّ المبادرة تسعة لقاحات مرشحة مدعومة من "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPI)"، بالإضافة إلى تسعة لقاحات مرشحة أخرى في طور التقييم، في حين تجري محادثات مع منتجين آخرين لا يتلقون حالياً أي تمويل لأنشطتهم المتعلقة بالبحث والتطوير في إطار المبادرة.
وبحسب بيان صادر من شركة "أسترازينيكا" فقد أحرزت الشركة تقدماً سريعاً في التصنيع بسعة تصل إلى 3 مليارات جرعة من اللقاح الذي ينتظر الموافقات التنظيمية لطرحه بحلول عام 2021. ويمكن تخزين اللقاح ونقله والتعامل معه في ظروف التبريد العادية (2- 8 درجات مئوية) لمدة ستة أشهر على الأقل، وهي ميزة نسبية غير متوافرة في اللقاحات المنافسة، إذ إنّ لقاح "فايزر" - "بيونتك" يحتاج إلى تخزينه عند درجة حرارة منخفضة تصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر.
أما اللقاح الصيني، فيقول حاتم إنّ نتائجه الكاملة لم تعلن بعد، علماً أنّ فاعليته وصلت إلى 85 في المائة، وإن ثبت أمانه وفاعليته فسيجري تصنيعه في مصر من خلال "فاكسيرا" لتوصيله إلى الدول العربية والأفريقية أيضاً. وأعلن مسؤولون صينيون أنّهم يريدون أن تصبح مصر مركزاً لتصنيع اللقاحات للسوق الأفريقية، منذ أن أطلقت الشركة الصينية "سينوفارم سي. إن. بي. جي" التي تديرها الدولة الصينية شراكة مع القاهرة لإجراء تجارب سريرية على لقاحيها في سبتمبر/ أيلول الماضي، باعتبار أنّ مصر منصة إطلاق "حاسمة" للدول العربية والأفريقية إذ إنّ عدد سكانها يبلغ 100 مليون نسمة، وهي قادرة على تصنيع اللقاحات، وتتمتع بموقع إستراتيجي، مما يجعلها تجذب صانعي اللقاحات الروسية والصينية والغربية، فضلاً عن كونها عززت قدراتها في إنتاج اللقاحات بعد مواجهتها تفشي إنفلونزا "إتش 1 إن 1" قبل عشرة أعوام، وقادت حملة ناجحة للقضاء على التهاب الكبد الوبائي، بحسب ما جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال".
وكان وفد من الشركة الصينية المنتجة للقاح "سينوفاك" الصيني ضمن وفد منظمة الصحة العالمية الذي زار مصانع "فاكسيرا" وطالب بإدخال بعض التعديلات عليها. وبناءً عليه تم توقيع بروتوكول بين مصر والصين لتطوير خطوط إنتاج الشركة المصرية للقاحات "فاكسيرا"، تمهيداً لإنتاج اللقاح الصيني في مصر من خلالها، ولتصبح مصر مركزاً لإنتاج اللقاح والتغلب على مشكلة نقله المرهونة بشروط مرهقة.
المصنع رقم 27
أقامت شركة "أسترازينيكا" عام 2006 مصنعها رقم 27 في مصر، ضمن قائمة سلسلة مصانعها العالمية باستثمارات بلغت 32 مليون دولار أميركي آنذاك، على مساحة 7 آلاف متر مربع. يعمل المصنع بثلاثة خطوط إنتاج لتصنيع 250 مليون قرص دواء سنوياً، ويمكن زيادتها إلى 400 مليون، لأمراض القلب، والأورام، والأمراض النفسية.